Beirut weather 16.41 ° C
تاريخ النشر October 21, 2019
A A A
الورقة الاقتصادية لا تلبي مطالب الانتفاضة الشعبية.. هل يقترب لبنان من أزمة مستعصية؟
الكاتب: محمد شقير - الشرق الأوسط

يقول مراقبون سياسيون ممن يتابعون عن كثب ارتفاع وتيرة الانتفاضة الشعبية ضد الحكومة والمجلس النيابي، إن أزمة الثقة بين من يشارك في هذه الانتفاضة وبين أركان السلطة على مستوياتها كافة بلغت ذروتها، مشيرين إلى أن الانتفاضة الحالية تعتبر الأكبر والأوسع مشاركة منذ «ثورة الأرز» في 14 آذار 2005 التي جاءت رداً على اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. ويتابع هؤلاء المراقبون الاتصالات التي يقوم بها رئيس الحكومة سعد الحريري والتي أسفرت عن موافقة المكونات الرئيسية في الحكومة على الورقة الاقتصادية «الإنقاذية» التي أعدها والتي سيقرّها مجلس الوزراء في جلسته المرتقبة.
ويؤكد المراقبون أن الهوّة بين مئات الألوف الذين يشاركون في الانتفاضة على مساحة الوطن وبين أركان السلطة أخذت تتسع بشكل غير مسبوق، وأن ردمها يحتاج إلى وقت طويل ولن تتم بالضغط على زر، خصوصاً بعد أن انضم إليها اللبنانيون في دول الاغتراب التي كان جال عليها رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل وجاءت نتائج جولاته على عكس ما كان يتوقعه. ويسأل المراقبون عن رد فعل الاحتجاجات الشعبية حيال الورقة الاقتصادية التي أنجزها الحريري في نهاية مشاوراته التي شملت جميع المكونات المشاركة في الحكومة باستثناء حزب «القوات اللبنانية» الذي كان أعلن رئيسه سمير جعجع انسحاب وزرائه منها وأنه لا مجال لعودتهم عن استقالتهم.
فالورقة الاقتصادية التي سيقرّها مجلس الوزراء بعد التشاور بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري لتحديد مكان انعقاده، تؤسس لمرحلة جدّية تأخذ بعين الاعتبار خفض العجز وتفتح الباب أمام تحقيق رزمة من الإصلاحات المالية والإدارية.
الإصلاحات المقترحة
وعلمت «الشرق الأوسط» أن الورقة تتضمن مجموعة من الإصلاحات التي ستكون مقرونة هذه المرة بخطوات عملية غير قابلة للتأخير أو التسويف، ومن أبرزها: مساهمة جدية من القطاع المصرفي لخفض العجز في الموازنة كممر إلزامي لخفض سقف خدمة الدين العام، وتحقيق الشراكة بين القطاعين الخاص والعام تمهيداً لإنجاز خصخصة بعض القطاعات وأولها الاتصالات، الإسراع في إقرار خطة الكهرباء كأساس لاعتماد الحلول الدائمة لإنتاج الطاقة بدلاً من الحلول المؤقتة من خلال استئجار البواخر لتأمين النقص في تغذية التيار الكهربائي، خفض رواتب رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة والوزراء والنواب الحاليين إلى النصف على أن ينسحب على المسؤولين السابقين، وضع خطة متكاملة للحد من التهرّب الضريبي، ووقف التهريب بإقفال جميع المعابر غير الشرعية والتشدّد في مراقبة المرافق العامة، تعزيز كل ما يتعلق بشؤون الرعاية الاجتماعية وتفعيل دور مصرف الإسكان لتأمين القروض السكنية، المباشرة بدمج أو إلغاء المجالس والصناديق وبعض مجالس الإدارات والمؤسسات الرسمية، تقليص عدد من السفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج وخفض عدد الملحقين العسكريين والإبقاء فقط على من هم على علاقة بتسليح الجيش اللبناني.
ومع أنه من غير الجائز استباق رد فعل الانتفاضة الشعبية التي أدت إلى توحيد الشوارع والساحات على مختلف انتماءاتها المذهبية والسياسية والطائفية في ساحة واحدة تميّزت للمرة الأولى بالمشاركة الشيعية الكثيفة بعد أن كانت تقتصر على المشاركة في المناسبات الخاصة بـ«حزب الله» وحركة «أمل»، لكن لا يبدو أن الشعارات المرفوعة من قبل المنتفضين تتناغم مع مضامين الورقة الاقتصادية الحكومية، بل تتعارض معها في المضمون باعتبار أن الاحتجاجات تستهدف جميع رموز السلطة.
وإن كان هناك من يراهن – كما يقول مراقبون – على إمكانية تفكيك الساحات المشاركة في الانتفاضة، وإن كان لا يتم بضغطة زر ويحتاج إلى اتباع سياسة النفس الطويل مع المنتفضين، فإن هناك صعوبة في إخراجهم من الساحات، خصوصا أن عشرات الألوف من الذين نزلوا إلى هذه الساحات كانوا أحجموا عن المشاركة في الانتخابات النيابية الأخيرة اعتقاداً منهم بعدم قدرتهم على إحداث تغيير جذري وبنيوي في النظام الطائفي. لكن بعض المراقبين يقترحون اللجوء إلى إحداث تعديل في التركيبة الوزارية لجهة إعفاء بعض الرموز «الصدامية» في الحكومة واستبدالها من خلال وجوه مقبولة، وتصنّف على خانة أهل الاختصاص وأن يكونوا من التكنوقراط.
استقالة وزراء
وعلمت «الشرق الأوسط» أن إجراء تعديل في التشكيلة الوزارية لا تقتصر على تعيين 4 وزراء جدد بدلاً من وزراء «القوات» الذين تقدّموا باستقالتهم – وإن كانوا لم يتقدموا بها حتى الساعة بصورة رسمية – قد طُرح على هامش اللقاءات التي عقدها الحريري لإعداد الورقة الاقتصادية. وتردّد بأن التعديل الوزاري طُرح من بعض الأطراف التي شاركت في لقاءات الحريري والتي رأت أنها يجب أن تشمل وزراء من الذين يتعرضون باستمرار إلى انتقادات من السواد الأعظم من اللبنانيين.
كما تردد بأن بعض الأسماء المشمولة بالتعديل الوزاري تُعتبر من الوجوه البارزة في الحكومة، لأن البحث، وفق ما قال مصدر نيابي لـ«الشرق الأوسط»، عن أسماء محددة من خارج الوجوه النافرة للرأي العام للتضحية بهم وتقديمهم على أنهم كبش فداء، لن يحل الإشكال. ومع أن التعديل الوزاري لم يؤخذ به، لكنه لم يُسحب من التداول. لكن لم يؤخذ حتى الساعة بالاقتراح الرامي إلى إجراء تعديل وزاري، وذلك لأسباب عدة أبرزها أنه من السابق لأوانه البحث فيه الآن بذريعة أن الأولوية يجب أن تُعطى لإقرار مجلس الوزراء للخطة الاقتصادية، إضافة إلى أن مجرد النظر في مثل هذا الاقتراح يجب أن يناقش بين رئيسي الحكومة والجمهورية، وإن كان الأخير لم يصدر حتى الساعة أي موقف حول التطورات السياسية التي فاجأت الحكم والحكومة.
وترى الدول الكبرى من الولايات المتحدة إلى روسيا مروراً بفرنسا وبريطانيا أن هناك ضرورة لبقاء الحكومة لتفادي إقحام البلد في المجهول. وعليه، فإن البحث في احتمال إجراء تعديل وزاري يتجاوز تعيين وزراء بدلاء لوزراء «القوات» المستقيلين إلى إعفاء آخرين يمكن لهذه الخطوة أن تلقى ارتياحاً لدى الانتفاضة الشعبية، رغم أن البعض لا يرى جدوى في ذلك. لذا، فإن الباب قد أُقفل على الأقل في المدى المنظور أمام احتمال إجراء تعديل وزاري، لكن قد يُطرح في وقت لاحق. ويستغرب المصدر النيابي صمت رئيس الجمهورية حيال الانتفاضة الشعبية التي غطت جميع المناطق، ويسأل عن الأسباب الكامنة وراء صمته، وما إذا كان في وسع مجلس الوزراء من خلال إقراره للورقة الاقتصادية الدخول في عملية تصالحية مع المنتفضين. وربما توقف رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ملياً أمام النصائح التي صدرت عن الكبار في المجتمع الدولي وتعامل معها بإيجابية تمثّلت بعزوفه عن الانسحاب من الحكومة مع أن وجوه حزبية بارزة كانت تفضل الانسحاب. ويبقى السؤال، كيف سيكون عليه الوضع في حال قوبلت الورقة الاقتصادية بالرفض؟ وعندها هل يقترب لبنان من أزمة مستعصية تفتح الباب أمام خيارات غير محسوبة؟