Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر October 29, 2016
A A A
الواقعية السوداء
الكاتب: سمير التنير - السفير

عندما انتخبت أميركا أوباما رئيساً لها، كانت في الواقع تنتخب مثقفاً أمضى طفولته في إندونيسيا وتلقى تعليمه في أميركا وحاز شهادة في القانون من جامعة هارفرد. لكنه كأميركي من أصول أفريقية عانى التمييز والإقصاء، في مجتمع لا تزال الأفكار العنصرية توجه أفعاله. وكفرد من أقلية عرقية تعاني عقدة الغالبية البيضاء، لم يكن منتظراً منه أن يحمل بيده مشعل القومية الأميركية المتطرفة. ومثّل ذلك افتراقاً كاملاً عن شخصية جورج بوش الابن المتعصب والمهووس بالحروب. وما أقوال المرشح الجمهوري دونالد ترامب الجامحة وقوميته المفرطة إلا ردّ على واقعية أوباما الكارثية.

يظهر أوباما نفسه كإنسان يمتاز بحسّ أخلاقي عالٍ، وأنه أتى إلى الرئاسة الأميركية كي يضع حداً لحروب جورج بوش الخاسرة. لكنه لم يضع لها حداً، بل تابعها بأساليب وخطط جديدة، وبدا بارداً تجاه آلام ومآسي الآخرين. كان من الطبيعي أن تتوقف آلة الحرب الأميركية التي دمرت الحجر والبشر في العراق وأفغانستان. لكن في عهد أوباما تضاعف عدد الميليشيات في العراق وسوريا، ودخل الجيش الروسي لأول مرة إلى الشرق الأوسط، وعرفت الحرب السورية من الأهوال والتضحيات ما يفوق الوصف وما لا يتصوره أي عقل، لناحية أعداد القتلى وحجم الدمار والخراب، وأخيراً الهجرة الواسعة التي طالت الملايين. وفي عهد أوباما اقتطع بوتين شبه جزيرة القرم وضمّها إلى روسيا، واشتعلت حرب حدود بين حكومة أوكرانيا والانفصاليين في شرقها.

يسخر أوباما من مقولة الصدقية. ويقول إنها أرغمت الولايات المتحدة على خوض حروب لم تكن تعنيها. لم يكن التدخل الأميركي في شؤون الدول الأخرى حسناً على مر الزمان. يكفي أنها كانت تدعم أنظمة استبدادية عسكرية، خاصة في أميركا الجنوبية، وأن استخباراتها قامت بتدبير انقلابات أطاحت حكومات تقدمية، كما حدث في إيران عند إطاحة حكومة مصدق، وفي تشيلي عندما دعمت العسكر في انقضاضه على حكم الليندي. لكن خسارة الصدقية عن طريق الانكفاء عن مشكلات الخارج تؤدي إلى العزلة عن العالم.

ليس أوباما ونستون تشرشل الذي وقف بوجه هتلر عندما كان الأخير أقوى منه بكثير. قد يكون أوباما مثل رقاص الساعة لا يستقر على أمر ولا يتخذ أي قرار حاسم. لقد دمر جورج بوش الابن العراق وسبب أوباما دمار سوريا. كان بوش رئيساً للإفراط، وأوباما رئيساً للتفريط. كان الأول الرئيس الكارثة، فيما الثاني الرئيس المصيبة.