Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر September 14, 2023
A A A
الهيكلة الرقميّة للأحزاب السياسية في لبنان
الكاتب: البروفيسورة وديعة الاميوني - موقع المرده

تواجه الأحزاب اللبنانيّة العديد من التحدّيات التنظيميّة بعيدًا عن الرقمنة التي تلعب دورًا بارزًا في التغلب على العمل السياسي التقليدي وتحسين الهياكل الداخليّة لها من خلال تنسيق العضويّة والتفاعل الواسع وتقديم حلول تقنيّة تؤدي الى زيادة الكفاءة في جمع وتحليل البيانات المناطة بفهم مواقف المواطنين ومعرفة ما يهمهم وتوجيه الجهود والموارد نحو المجالات السياسيّة التي تلبي احتياجاتهم. هذا اذا ما تحدّثنا عن توفير الرقمنة لشروط الشفافيّة والحوكمة الرشيدة والديموقراطية الرقميّة في الأنشطة الماليّة والإداريّة الحزبيّة وتوثيق العملياّت لمنع الفساد وزيادة الثقة بين المناصرين، وتعزيز المواقع والتطبيقات والمنصّات الالكترونيّة للنقاش والمشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات واستطلاعات الرأي وتعزيز اخلاقيات التحاور والاعلان الرقمي والتسويق السياسي، وبالتالي تكثيف حملات التوعية ونشر برامج وأفكار الحزب بشكل موجّه ودقيق.
بكلمة مختصرة وهادفة، نقول انه يمكن للأحزاب السياسيّة اللبنانيّة مواكبة التحوّل الرقمي وثورة تكنولوجيا المعلومات لأجل تحسين هياكلها وزيادة تأثيرها الجماهيري ومواجهة التحدّيات المختلفة وتحقيق الاستدامة في العمل الحزبي. لكن لا يستطيع الحزب الانتقال إلى الرقمنة والابتكار في تنظيمه الداخلي وتحسين كفاءة عمله وتأثيره على المشهد السياسي العام، الا اذا تبنّى خطوات اساسيّة عدّة مثل الاستعداد الجدّي نحو تغيير الثقافة التنظيميّة التقليديّة، وقيادة التحوّل الرقمي من قبل المسؤولين فيه، ومواكبة التحديث التقني والفني للأنظمة والتطبيقات والمواقع والبرمجيّات، وتزويد أعضاء الحزب بالتدريب اللازم لاستخدام التكنولوجيا والأدوات الرقميّة بفعاليّة. اضافة الى توفير الأمن السيبراني بشكل فعّال لأجل حماية بياناته من التهديدات الإلكترونيّة وضمان شفافيّة العمليّات والمشاركة الديموقراطيّة في اتخاذ القرارات. ويجب أن يتوازى ذلك كله مع التشريعات القانونيّة اللازمة مثل تفعيل قانون حماية البيانات الشخصيّة بهدف ضمان تعامل الأحزاب بشكل قانوني وأخلاقي مع “داتا” المناصرين والمنتسبين والقياديين؛ وقانون الأمان السيبراني لحماية أنظمة وموارد الأحزاب من الهجمات السيبرانيّة. كذلك استحداث قانون يضمن شفافية الأنشطة المالية وجهات تمويل الاحزاب مع توثيق العمليّات بشكل رقمي؛ وتشديد العقوبات في حالة التزوير والتلاعب الالكتروني في العمليّات الحزبيّة المختلفة.
انّ تمكين الأحزاب من تحقيق التحوّل إلى الرقمنة يؤدي الى تعزيز الديموقراطية وشفافيّة العمل الحزبي في لبنان، وقد يأتي ذلك كتجربة رائدة في المنطقة، خاصة أنّه من الصعب التحدّث اليوم عن تجربة أحزاب سياسيّة عربيّة قامت بتحوّل رقمي شامل، ونعطي مثالًا هنا “حزب مؤتمر العمل الإسلامي” في الأردن الذي عمل على تعزيز الرقمنة في هياكله الداخليّة والتواصل مع أعضائه والناخبين؛ و”حزب العدالة والتنمية” في المغرب الذي نظّم مبادرات التنسيق مع الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونيّة الخاصّة. أمّا اقليميًّا، فنعطي مثال “حزب العدالة والبناء” في تركيا كنموذج هام لكيفية تطبيق التقنيّة في الحكم، خاصة أنّه قام بمكننة تنظيمه الداخلي ونشر معلوماته وبرامجه عبر وسائل التواصل الاجتماعي وموقعه الإلكتروني، الامر الذي ادى الى زيادة تأثيره السياسي العام؛ و”حركة النهضة” في تونس التي قامت بإنشاء موقع إلكتروني يحتوي على معلومات عن أنشطتها وبرامجها والعمليات المالية الخاصة بها لزيادة الشفافية، وأطلقت تطبيقات محمولة لتحفيز المشاركة وتيسير الاتصال بأعضائها وجمع تصويتهم في الانتخابات الداخلية، وعملت بذلك على تحسين إدارة مواردها وتوجيه حملاتها السياسية نحو الناخبين باستخدام وسائل الاتصال الرقميّة، ورفعت مستوى التفاعل المباشر من خلال تنظيم جلسات نقاش وندوات عبر الشبكة العنكبوتيّة، بما عاد بالنفع على تطوير وترسيخ واستدامة عملها الحزبي.
وعليه، نقول أن تحقيق الرقمنة في الاحزاب السياسيّة في لبنان والبلدان العربيّة لا يزال في مراحله المبكرة، حيث نلمس استجابة تدريجيّة للتغيّر التكنولوجي في المشهديّة السياسيّة العامة، بسبب عدم ادراك المعنيين بأهمية التكنولوجيا في مواكبة التغيّرات وتحقيق الأهداف السياسية بفعالية وتحسين وتطوير هياكل الأحزاب وبرامجها. ألا يجدر مثلا تأسيس حزب غير تقليدي في لبنان تحت اسم “حزب التحالف الالكتروني” لأجل مواكبة التغيّرات وتوجيه الأنشطة السياسيّة الداعمة للرقمنة تعزيزًا للشفافيّة والمشاركة والامان والبيانات المفتوحة، والوعي بالتحديات ومحاربة الفساد ودعم قضايا الحقوق الرقميّة والحريّات على الإنترنت؟