Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر January 17, 2022
A A A
«النووي» قريباً مدخلاً لتسويات أخرى
الكاتب: جوني منيّر - الجمهورية

 

ليس من باب الصدفة ان تتوالى الإيجابيات بعد تفاقم التعقيدات لأسباب غير مقنعة احياناً. تاريخنا الغني بالأحداث والمآسي علّمنا على الدوام ان ننظر الى التطورات الاقليمية لتفسير خلفيات ما يجري في لبنان.

لذلك لم يكن من باب المصادفة ابداً ان يتزامن إعطاء الضوء الاخضر لمدّ لبنان بالغاز من مصر والكهرباء من الاردن، وعودة رئيس الوفد الاميركي المفاوض لترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين، وأخيراً وليس آخراً العودة المفاجئة لوزراء الثنائي الشيعي الى جلسات مجلس الوزراء.

مع العلم انّ مشروع مدّ لبنان بالغاز والكهرباء كان قد اتُفق عليه نهاية الصيف الماضي، وبقي مسار تنفيذه بطيئاً إن لم يكن معلّقاً. والمفاوض الاميركي كان قد غاب لفترة طويلة قبل ان يبلّغ لبنان بعودته في السابع من الشهر الجاري ويعود فجأة ليُرجئ عودته من دون تحديد موعد، ومن ثم الإعلان عن عودته هذا الاسبوع.

 

والأهم، انّ عودة الثنائي الشيعي، والتي جرى تبريرها بضرورة درس الموازنة وإقرارها، اضافة الى خطة التعافي الاقتصادي، بدت غريبة عن المسار السياسي الذي كان قد اتخذه «حزب الله». فقبل ساعات معدودة أطلّ نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في خطاب هجومي، يحمّل القاضي طارق البيطار مسؤولية تعطيل العمل الحكومي ومجدِّداً تمسّك «حزب الله» بسياسته من الحكومة.

 

وهو ما يعني انّ ثمة ما استجد خلال ساعات المساء، ودفع بقيادة «حزب الله» للعودة عن قرارها بالمقاطعة، اضافة الى التواصل مع رئيس الجمهورية للبحث في تنسيق المواقف، بعد اتخاذ الثنائي الشيعي لقراره وليس قبله. وانسجاماً مع دروس التاريخ، فلا بدّ من البحث في العمق عن المستجدات الاقليمية. في عيد الميلاد ومع زيارة رئيس الجمهورية للبطريرك الماروني، اشار العماد عون للبطريرك الراعي الى وجود خلفيات خارجية وراء تعطّل جلسات مجلس الوزراء. والواضح انّ تفسير هذا الكلام ذهب الى التعقيدات التي كانت تشهدها المفاوضات الدائرة في فيينا حول الملف النووي الايراني. وما عزّز هذه القراءة، دخول باريس بقوة على الخط في لبنان وبتأييد اميركي، سعياً لعودة جلسات مجلس الوزراء دون جدوى. لكن المناخ الاقليمي اختلف اليوم، حيث يتحدث الجميع عن العودة قريباً للاتفاق النووي وفي مهلة لا تتجاوز الاسابيع المعدودة. وهذا ما انعكس ايضاً على ملف العلاقات الايرانية – السعودية، حيث ساد حديث عن عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. وفي حال سارت الامور في هذا الاتجاه فهي ليست النهاية بل بداية النهاية.

 

وقد لا تكون مصادفة زمنية أيضاً انفجار الوضع في اوكرانيا. فروسيا التي كانت لها مساهمة ومساعدة مع ايران، تسعى الى صفقة شاملة مع الادارة الاميركية، تشمل أولى اولوياتها، والمقصود هنا الملف الاوكراني. وعلى الرغم من قرع طبول الحرب، فإنّ القيادة الروسية اكّدت على الدوام أنّها لا تريد اجتياح اوكرانيا عسكرياً.

 

في الواقع هي تريد الذهاب الى صفقة كبرى وتبادل «خدمات» بين الشرق الاوسط وحدودها الغربية. والواضح انّ الاوروبيين يميلون الى إنجاز تسوية مع روسيا لا الذهاب الى حروب عسكرية، وهو ما يعني وضع جانباً فكرة انضمام اوكرانيا الى حلف الناتو، رغم القلق الغربي من تعاظم القوة العسكرية لروسيا في عهد فلاديمير بوتين، بعدما كانت وصلت الى الحضيض ايام بوريس يلتسين. اذاً، فإنّ تسوية كبيرة تنتظر مفاوضات بين موسكو وواشنطن، وتتوزع على 4 ملفات وفق خبراء في السياسة الروسية، وهي وفق التراتبية التالية:

 

1- معاهدة الصواريخ.

2- اتفاقية السماء المفتوحة.

3- الشرق الاوسط والملف السوري.

4- وضع النازحين عند الحدود الاوروبية.

 

 

ويُنقل عن كبار المسؤولين الروس، بأنّ الاتفاق على الملف النووي الايراني مسألة اسابيع معدودة. وانّ الذهاب في هذا الاتجاه سيفتح الباب واسعاً امام إنجاز تفاهمات على ملفات اخرى.

 

هذا الكلام ردّده مسؤولون روس كبار امام زوارهم داخل الغرف المغلقة. الواضح انّ روسيا تسعى بقوة للعودة الى المسرح الدولي بصفتها قوة عظمى، بعدما ادّى انهيار الاتحاد السوفياتي الى زوال تأثيرها الدولي.

 

وخلال ولاية الرئيس الاميركي الأسبق باراك اوباما صدر تصريح أزعج المسؤولين الروس كثيراً، يومها وصف اوباما روسيا بالقوة الاقليمية الكبرى. هذا الوصف أثار حساسية بوتين الذي يريد ان يثبت انّ العالم متعدّد الاقطاب. وهو يتكئ على التحسن الكبير في علاقة بلاده مع الصين، رغم المشاكل الكبيرة الموجودة تاريخياً.

 

في المحصلة، لا بدّ من التيقن بأنّ الاعلان عن التوصل للتفاهم حول الاتفاق النووي الايراني سيعني حكماً التوصل بالتزامن الى اتفاقات اخرى في ملفات الشرق الاوسط الشائكة والملتهبة.

لكن إنجاز التفاهم النووي سيخلق مناخاً مؤاتياً وجواً ايجابياً لإنجاز التفاهمات في ساحات اخرى مثل اوكرانيا واوروبا الشرقية ومن ثم اليمن فسوريا وليبيا والعراق. وهو ما معناه انّ روسيا ستكون حاضرة في هذه الملفات. ومن البديهي الاستنتاج بأنّ الملف اللبناني سيكون حاضراً عند طرح الملف السوري.

 

وهو ما يعني ايضاً، انّ لبنان، وخلافاً للآمال السائدة عند اللبنانيين، ليس أولوية بين الملفات، ولو أنّه سيصبح موضوعاً على طاولة البحث. لكن ادارة بايدن ستعمل على اختصار الوقت، بعدما استنفدت طهران الكثير منه قبل التوصل الى التفاهم المطلوب. ذلك انّ الصين تواصل ملء الفراغ الذي تخلفه واشنطن في الشرق الاوسط، وهو ما يؤذي استراتيجية احتواء التمدّد الصيني على المسرح العالمي. في سوريا ظهرت الصين مع قدراتها الاقتصادية الهائلة، وتبدي اهتمامها القلق من مجموعات الإيغور الشرسة في إدلب.

 

وهو ما يعني انّ واشنطن بحاجة لتفاهم كامل مع موسكو حيال الملف السوري، والذي سيرخي بظلاله على الملف اللبناني.

 

صحيح انّ روسيا ليست منزعجة من سعي اسرائيل الدائم لتحجيم الدور الايراني في سوريا، وهو ما ساهمت فيه روسيا في جنوب سوريا وتحديداً في ادلب، إلّا أنّه من المبكر جداً الرهان على شروع روسيا في خطة اخراج ايران من سوريا في هذه المرحلة. فروسيا التي لن تترك قواعدها في سوريا لا غداً ولا بعده، حتى لو تطلب منها ذلك الدخول في حرب مباشرة، فهي لا تزال بحاجة للحضور الايراني، وهي مطمئنة الى أنّها قادرة على حسم الوضع عسكرياً في سوريا لصالحها إذا احتاج الامر لذلك. لكن أوان اخراج ايران من سوريا لم ينضج بعد.

كذلك تركيا، التي لديها خلافات وتعارض مصالح كثيرة مع إيران في سوريا، تبدو ملتزمة كما روسيا بمنصّة أستانة كإطار استراتيجي. على سبيل المثال، فإنّ موسكو كما انقرة تشتكيان من قيام طهران باستقدام آلاف العائلات الشيعية وإسكانها عند ضواحي دمشق بذريعة إنشاء مراكز دينية، فيما هما يُدرجان ذلك في إطار إحداث تغيير ديمغرافي.

 

باختصار، فإنّ الاتفاق النووي بدأ إنتاج اجواء ايجابية ملائمة، وهو ما لفح لبنان إن حكومياً او في ملف ترسيم الحدود البحرية. لكن المناخ الإيجابي شيء وإنتاج تسوية شاملة في لبنان شيء آخر، وهو ما سيتأخّر بعض الوقت في انتظار الملف السوري. لكن الحركة ستبدأ في هذا الإتجاه ولو بشكل خجول، مع تسجيل زيارة ستقوم بها شخصية لبنانية الى موسكو هذا الاسبوع.