Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر October 10, 2023
A A A
النقيبة القوال: الحقّ سينتصر وفلسطينَ ستعود

في أول موقف لنقباء المهن الحرة من الأحداث الجارية في فلسطين نظمت نقابة المحامين في طرابلس وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني حيث أكدت نقيبة المحامين في طرابلس والشمال ماري تيريز القوال انه: منذ إحدى عشرة سنةً، حين تقرَّر أن نقيم يومًا للمحامي نحتفل به فيه، توطَّنَ البالَ أن تكونَ المناسبةُ موعدًا للتقدير والتحفيز في آنٍ معًا. فيها نتذكَّرُ أيامًا مضت، في صحبة اللائحةِ والاستشارةِ والمرافعة، ونرنو إلى مثلِها سيأتي على متن سنة قضائية يكونُ مفتتَحُ تشرينَ غُرَّةَ مطلعِها. مؤمِّلين أن يوم المحامي الذي يقع بالقرب من بدايتِها، سيزوِّدُنا بطاقةٍ جديدة من النشاط والفرح، تساعدُنا على عبورِ العام، فتجعلُ الطريقَ أمامنا بيِّنًا، والسيرَ فيه هيِّنًا، ولكن هيهاتَ هيهات!! ما كان في البال… بدَّدهُ سوءُ الحال.
ولا يأخذَنَّ أحدٌ عليَّ أنني استهللتُ بالشكوى الخطاب. إذ كيفَ لي ألّا أفعلَ، والذاكرةُ التي تقودُها الذكرى إلى موعد هذا اللقاء، تلقي علينا كلِّنا واجبَ المقابلة بين الواقع الفَرْدِ الذي نعيش، وجَمْهَرَةِ العقود الماضية التي كانت سنواتُها وشهورُها وأسابيعُها وساعاتُها، أيامًا بيضًا للمحامين، يصرفونَها في كلِّ ما ينفعُ الناسَ ويمكثُ في الأرض، من عملٍ مهني يدافعون به عن الحقوق والقيم والكرامات، ومن شأنٍ وطنيٍّ أو سياسيٍّ أو اجتماعيٍّ أو ثقافي، فإذا أقلامُهم حيث يكتبون، وأصواتُهم حيثُ يتحدثون، ركائزُ فكريةٌ وعملانيةٌ لقيام الدولة الصحيحةِ كما ينبغي لها أن تكون. دولةٌ قوامُها الحريةُ والعدالةُ وحقوقُ الإنسان، وانتظامُ عمل السلطات فصلًا وتعاونًا، والنّأيُ بالوظيفةِ عن الفساد، واستقلال القضاء وحفظُ مصالح الشعب لا السياسيين.
ذلك عهدٌ كانت فيه المحاكم على ذُروةِ الزَّهوِ بالمرافعات، والقضاءُ يملي الحقَّ باسم الشعب اللبناني بأحرفٍ من صمتٍ مصقولٍ بالنور، كنا نسميه موجِب التحفظ، ولا أعلمُ اليوم ما اسمُه الجديد. وكان حبرُ الأحكام التي تُتلى علانيةً أشدَّ سطوعًا من شاشاتِ التلفزة والهواتف الرقميّةِ، وصفحات التواصل ومنصاتِ التغريد. وكان ركونُ المحامين إلى العمل اليومي، ولو مضنيًا، مدعاةَ فرحٍ لا يوصف؛ حتى إذا انتهَوا من مكتبٍ ومحكمة، راحوا إلى منتدياتِ المعرفةِ وساحاتِ الحوار، يُشْعِلونَها نقاشًا حرًّا في القضايا الجُلّى التي كانت تغلي بها الحياةُ في ذلك الزمان الجميل. بعضٌ من هذا عرفناه بأنفسِنا، وبعضٌ قرأناه في الكتب أو سمعناه من أفواه كبارِنا. ولهذا تعصفُ الحسرةُ في القلوب على ما آل إليه الوطنُ والمهنةُ والقضاء، في حالكاتِ هذا الأوان الذي تشوَّهت نهاراتُه ولياليه، وتعطَّلَتْ مسالكُه ومجاريه، واستعصت حلولُه على كلِّ نجيبٍ ونبيه.

الزميلات والزملاء.
على الرغم من هذا، نحن مصابون بأملٍ عُضالٍ لا شِفاء منه. فالوطنُ البهيُّ الذي وُجِدَ ليكون فضاءً للحرية ونطاق ضمانٍ للفكرِ الحرّ، لا بدَّ له من أن يتغلَّبَ على أزماتِه ويخرُجَ بأبنائه إلى الحياةِ الكريمةِ التي تليق به وبهم. ذلك لا سبيلَ له إلا دولةُ القانون التي نحنُ أعرفُ الناسِ بأركانها، ولهذا ينبغي لنا دائمًا أن نقيم الأعياد في وسطِ الأزمات، ونشقَّ بالعدلَ حُجُبَها كما يشقُّ القمرُ بنورِه جَهْمَ السحاب، عالمين أن لبنان محتاجٌ إلينا لإعادة ترتيب الحياة الوطنية. نحن ندركُ تمامًا الوضعَ الراهنَ المحيط بنا، وأحوالَ المحاكم التي ضاق عليها الخناق، حتى في أبسطِ مستلزمات الأعمال القلمية، وما يعانيه السادة القضاةُ من نقصٍ على جميع الصعد، لكنَّ علينا أن نتعاونَ كلُّنا من أجل الناسِ ومن أجل لبنان. ولعلَّ أفضلَ ما نأتيه نحن المحامين في هذا الخصوص أن نلتزمَ بمناقب المهنة وآدابِها، فلا نؤخِّرَ دعوى، ولا نتهرَّبَ من تبليغ، وليحملْ بعضُنا أثقالَ بعضٍ إلى أن تنتهي هذه المرحلة، ولنأتمَّ دائمًا بكبارِنا، أولئك الذين كتبوا المحاماةَ بحبر أقلامِهم وعصارةِ جهودِهم، فحقَّ لهم التكريم في يومِنا… يومِهم.
خمسون ثم ثلاثون. تلك الأعداد يتداولُها المحامون، وهم يحسُبون صنائعَ أعمارِهم، فإذا بها تربو على كلِّ عددٍ مهما تكاثرت أرقامُه. قد تُعَدُّ السِّنون. أما الزمانُ فلا. قد تتعبُ اليدُ. أما الفكرُ فلَن. هكذا جيلًا بعد جيل، نوثِّقُ أيامَنا في سجلِّ النِّقابةِ الذّهبي، كي نملأَ المئةَ الثانيةَ بالسعي الدؤوب إلى تحقيق رسالةِ العدالة، ونشرِ القيم والمحافظةِ على الثوابتِ الوطنية. ونحن بعد قليل، حين نقدّمُ شهادات التكريم، باسم النقابةِ كلِّها، إلى الرعيلين من أبنائها، نشعرُ بأن الزمنَ الذي مرَّ علينا وعليهم، ليس إلى تقادمٍ ولا انقطاعٍ ولا سقوط، بل هو للاعتراف إلى الأبد بأن نقابةَ المحامين في طرابلس وفيةٌ لمن شادوها، وشدَوْا في أرجائها، وتلمّسوا منها طريقَهم إلى النجاحَيْنِ الشخصيِّ والعامّ، ليكون نجاحُهم عطرًا بقواريرَ كثيرة، من حبِّ الوطن وحب الناس وحبِّ القيم، ومن انتماءٍ إلى الحقِّ نسبًا صريحًا… لا هُجنةَ فيه.
والانتماء إلى الحق يدعونا إلى النظرِ باتّجاهِ الوطنِ السليبِ جنوبَ الجنوب. فلسطينَ التي يسطِّرُ أبناؤها ملاحم الكرامة والصمود، ببطولاتٍ لا حدود لها، وينزلون من أعالي الطوفانِ إلى ترابِ أرضِهم المسماةِ غلافًا، فإذا التاريخُ منعطِفٌ صوبَهم دهشةً وافتخارًا، وإذا الجنون الإسرائيلي يتفجَّرُ كعادته حقدًا وقصفًا على المدنيين في المنازل، حتى طاول مبنى نقابة المحامين الفلسطينيين في غزة وأدّى إلى سقوط زميلين شهيدَيْن، ارتقيا إلى مجد فلسطين مع المئات من شهداء الأمس، وآلافِهم منذ ثمانين سنة. لكنَّ الحقّ سينتصر، وفلسطينَ ستعود، ولقد بات من حقِّنا نحن أبناءَ هذا الجيل، بعد أن عاينّا ما حدثَ على أيدي المقاومين في غزّةَ الأبية، أن نتيقّنَ أن موعدَ صلاتنا في القيامة والأقصى، والمهدِ والصخرة، بات قريبًا وقريبًا جدًّا.
عشتم… عاشت النقابةُ… عاش الحق… عاشت فلسطين… وعاشَ لبنان.

أيها الأحباء،
وأعلمكم أننا قررنا إلغاء حفل العشاء السنوي فالساعة هي للصلاة والدعاء بالنصر، وأطلب منكم أن نقف جميعنا في تحيةٍ لأبطال فلسطين…