Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر January 6, 2025
A A A
النبطية أمام تحدّيات العودة: ردم وغلاء إيجارات وسرقات منظّمة
الكاتب: ندى أيوب - الأخبار

منذ وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، تشهد محافظة النبطية زيادة مطّردة في أعداد العائدين إلى بلداتهم ضمن المحافظة، والتي بلغت وفق آخر تحديثٍ أجرته غرفة الطوارئ المُستحدثة في المحافظة، 81 ألفاً و420 عائلة.
أكثر من نصف العائدين يتركّزون في قضاء النبطية (57880 عائلة)، يليه قضاء بنت جبيل (11530)، فقضاء حاصبيا (7773)، وأخيراً قضاء مرجعيون (4237).

ويُضاف إلى العائدين لبثّ الحياة مجدداً في بلداتهم وطرقاتها وأسواقها، حوالي 2480 عائلة من أهالي البلدات الحدودية الذين عادوا إلى قرى محافظة النبطية لاستكمال رحلة صمودٍ بدأت قبل أكثر من عامٍ، منذ تفعيل جبهة الجنوب في الثامن من تشرين الثاني 2023. وهؤلاء لا تزال تنطبق عليهم صفة النزوح، وإن كان داخلياً (من الجنوب إلى الجنوب)، ويستقبل قضاء النبطية العدد الأكبر منهم (955 عائلة)، فيما تقيم 669 عائلة مؤقتاً في قضاء حاصبيا، و660 عائلة في قضاء بنت جبيل و196 عائلة في قضاء مرجعيون، بانتظار انتهاء مدة الـ 60 يوماً لانجلاء المشهد. وفيما سجّلت محافظة النبطية قبل توسّع العدوان الإسرائيلي، في 23 أيلول الماضي، افتتاح 24 مركزاً لإيواء بعض أهالي البلدات الحدودية النازحة آنذاك، يقتصر عدد المراكز حالياً على سبعة، ضمن قضاء حاصبيا، تضمّ 56 عائلة من أصل 2500 استقبلتها المُحافظة، ما يعني أنّ معظم النازحين يقيمون إما في بيوت قدّمها أصحابها مجاناً، أو لدى أقارب أو في منازل مُستأجرة.

مدينة النبطية التي تشكّل مركز المحافظة وقلبها النابض، شهدت دماراً مهولاً عكس حقد العدو على المدينة ورمزيتها. وفي إحصاءٍ أوّلي تقريبي، يشير رئيس بلدية النبطية خضر قديح إلى أنّ ما بين 2750 و3000 وحدة سكنية ومحل تجاري تضررت نتيجة العدوان الإسرائيلي على المدينة، ويزيد عدد الأبنية المدمرة كلياً على 650، من ضمنها أكثر من 100 محل تجاري.

وتواجه العائدين إلى النبطية سلسلة تحدياتٍ، أبرزها عدم بدء عملية رفع الردم، ما يصفه قديح بـ«الكارثة الكبرى»، موضحاً أنّ تلزيم الدولة شركات لرفع الردم لم يحصل بعد، وأنّ آليات البلدية، بمساعدة وزارة الأشغال، عملت على فتح طرقات المدينة وتنظيف الطرقات. إلا أنّ الطرقات وإن كانت سالكة، فإنها «غير آمنة»، بتعبير عددٍ من أبناء المدينة، وسط وجود كميات كبيرة من الردميات على جانبيها يزيد هطول الأمطار من خطر عودتها إلى الطرقات، حالها حال المباني المتصدّعة الآيلة إلى الانهيار على المارة. ويعزز شعور اللاأمان لدى الأهالي، غياب الوحدات المتخصصة وفرق الهندسة في الجيش اللبناني المعنية بمسح مخلفات الحرب، والتأكد من خلو الأحياء من صواريخ وذخائر قابلة للانفجار.

كذلك لا تزال التغذية بالتيار الكهربائي مفقودة في أجزاءٍ من المدينة بانتظار انتهاء أعمال التصليح، فيما يستغل أصحاب المولدات الخاصة الفوضى، لفرض تعرفات عشوائية. ففي النبطية الفوقا، مثلاً، حاسب صاحب أحد المولدات المشتركين عن شهر أيلول، استناداً إلى ما كانت عليه قيمة فواتيرهم في شهر آب، متذرعاً بأن قيمة الصرف الفعلية لم تظهر لديه على العدادات الخاصة بالمنازل، رغم أن الأهالي كانوا خلال أيلول نازحين بعيداً عن منازلهم. كذلك تعرضت شبكة المياه لأضرار في أكثر من حيّ، ما يؤدي إلى انعدام التغذية بالمياه. وتزداد أزمة المياه صعوبة بسبب سوء حال الطرقات وتضرر آليات عددٍ من العاملين في بيع المياه، وقلة عدد العاملين بعد الحرب.

عصابات سرقة منظّمة

يترافق ذلك مع انعدام أمان من نوعٍ آخر، ناجم عن عمليات سرقةٍ مستمرة في أحياء المدينة، وهي ظاهرة بدأت خلال الحرب. ورغم أنّ قديح أكّد لـ«الأخبار» أنّ تعاون البلدية مع المحافِظة هويدا الترك والقوى الأمنية حدّ من عمليات السرقة بشكلٍ كبير، يلفت بعض أبناء المدينة إلى أنّ السرقات مستمرّة، ولا سيما في الأحياء المهجورة التي لم يتمكّن سكانها من العودة اليها بسبب الدمار الذي طاولها، ما سمح لعصابات منظمة بسرقة كل ما يمكن سحبه، من أثاث منازل ومحتويات شخصية وخزانات مياه، وصولاً إلى فك الأبواب الخشبية والحديدية. وطاولت عمليات النهب أكثر من متجرٍ في شارع محمود فقيه، وهو شارع رئيسي في وسط المدينة. ولا تكتفي المجموعات المنظمة بعمليات السلب، بل تعمد إلى إشعال حرائق بهدف استخراج النحاس أو الحديد، ما يشكل خطراً على السكان، ولا سيّما في حال وجود أسلحة وذخائر غير منفجرة. ويؤكد سكان في المدينة لـ«الأخبار» أنّ «هذه المجموعات منظمة ومعروفة، وتأتي من منطقة القلعة الواقعة عقارياً بين بلدتَي تول – حاروف، وهي منطقة تنشط فيها تجارة الحديد والنحاس»، مطالبين المحافِظة الترك بالعمل لدى وزارة الداخلية لتسيير دوريات أمنية في أحياء المدينة.

 

 

إيجارات مرتفعة وبيوت جاهزة

وكما في كلّ أزمة، يبرز «تجّار الأزمات» ليراكموا ضغوطاً إضافية على أبناء منطقتهم، كما في الزيادة الكبيرة التي طرأت على الإيجارات في المنطقة، والتي تضاعفت من معدل 250 دولاراً إلى ما بين 400 و500 دولار. وينسحب الأمر على إيجارات المحال التجارية، بما يتخطّى معدلات الإيجار الطبيعية وكذلك قيمة تعويضات الإيجارات التي أقرّها حزب الله للمتضررين (333 دولاراً شهرياً). دفع ذلك بالبعض إلى تفضيل خيار شراء البيوت الجاهزة التي شهد سوقها ارتفاعاً «بنسبة 100%»، وفق علي بدير وهو صاحب معمل للبيوت الجاهزة في المنطقة، مشيراً إلى أنّ العائلات التي تقاضت من مؤسسة «جهاد البناء» بدل إيواء (4000 دولار وبدل أثاث 8000) فضّلت شراء بيتٍ جاهز مؤلف من غرفتين بقيمة (8 آلاف دولار)، أو ثلاث غرف بقيمة (12 ألف دولار) مع شراء أثاثٍ بسيط، بانتظار انتهاء عملية إعادة الإعمار.
كذلك شكّل هذا الخيار مخرجاً لأصحاب المصالح الذين تضرّرت محالهم، إذ نفّذ بدير صيدلية في النبطية، ومحالّ لبيع الألبسة في بلدة حبّوش، وهو في طور العمل على «سوبر ماركت» في تولين بمساحة 120 متراً. كما يبدي أهالي القرى الحدودية اهتماماً بالأمر، لكنهم يرجئون الأمر إلى ما بعد انقضاء مهلة الأيام الستين.

 

 

ما هي خطة المنظمات الدولية والدولة؟
إغاثياً، وإلى أن تستقر أمور العائلات، يحتاج قضاء النبطية إلى حوالي 60 ألف حصة تموينية شهرياً، ومثلها من حصص النظافة، فيما مجمل الحصص التموينية المقدّمة من برنامج الغذاء العالمي (WFP)، والمنظمات الشريكة دولياً ومحلياً، هو 180 ألف حصّة أطلقت لجنة الطوارئ عملية توزيعها في محافظات النبطية والجنوب وبعلبك – الهرمل والضاحية الجنوبية لبيروت، وستنتهي من توزيعها منتصف الشهر الجاري، مع لحظ التوزيع على المراكز السبعة التي تستقبل نازحين، إضافة إلى خطة لتوزيع ما يقارب الـ 95 ألف حصّة نظافة عبر منظمة «اليونيسف».
ومع انتهاء الحرب، تولّت لجنة الطوارئ الحكومية متابعة ملفَّي من لا تزال تنطبق عليهم صفة النزوح، والعائدين إلى بلداتهم، مع إعطاء الأولوية لمن دمّرت أو تضرّرت منازلهم. وتنسّق اللجنة مع المحافظين في الجنوب والبقاع ومع البلديات واتحاداتها، لتزويد غرفة الطوارئ بأعداد العائلات العائدة والنازحة وباحتياجاتها. وعلمت «الأخبار» أنّ لجنة الطوارئ وزّعت، مع وقف إطلاق النار، كل المخزون المتبقي لديها من حصصٍ غذائية على المحافظين والجيش اللبناني، فيما تؤكّد المصادر أنّه «لم تصل مساعدات غذائية دولية إلى لبنان في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، بل اقتصر الأمر على مساعدات طبية».
وتحضر جمعية وتعاونوا»، في منطقة النبطية، عبر خطة لتوزيع مساعدات إغاثية، تستمر أربعة أشهر، كمرحلةٍ أولى. وهي في حصيلة الشهر الأول من العودة، وزّعت: 14170 حصّة غذائية، 242 حصّة نظافة، 1922 حراماً، 1722 مدفأة، 889 قارورة غاز، 10150 ربطة خبز و42 صندوق حليب.