Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر October 5, 2019
A A A
الناس يحفظون الهيبة لا القضاء ولا الأجهزة
الكاتب: علي حماده - النهار

يذكر الصحافيون المخضرمون الذين عايشوا مرحلة الجنرال ميشال عون بين ١٩٨٨ و١٩٩٠، ولا سيما بعدما خرج الوزراء المسلمون من حكومته العسكرية فسقطت من الناحية العملية، انه إثر إقرار اتفاق الطائف، بالرغم من ضغوطه وعزمه على حل مجلس النواب في تلك الفترة، ثم بعد انتخاب الرئيس الياس الهراوي، ومضي عون في التمرد على الشرعية، وفيما كان الاعلام اللبناني بشكل عام يغطي نشاط الشرعية التي كان الرئيس الراحل الياس الهراوي يمثلها، في الوقت عينه كان الاعلام الذي لا يزال يعمل في منطقة نفوذ عون يواظب على تغطية متوازنة لنشاطه ومواقفه. يذكر الصحافيون المشار اليهم، ومعظمهم لا يزال على قيد الحياة، كيف ان الجنرال هدد كل من يذكر الرئيس الهراوي مستخدما لقبه، سيتعرض للملاحقة! مع ذلك ما استطاع عون ان يمنع الاعلام من التعامل مع الرئيس الهراوي على انه رئيس الجمهورية المنتخب من مجلس نواب، كان عون قد حله قبلا وما أفلحت محاولته عرقلة الطائف.
لماذا نورد هذه الواقعة؟ بكل بساطة لكي نذكر بمقاربة الرئيس ميشال عون للاعلام في لبنان منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، وهي تفسر الى حد بعيد استعداده الدائم منذ انتخابه رئيسا للضغط في اتجاه تقييد حرية الاعلام، من دون ان ننسى مآثر الرئيس بعد عودته من منفاه الفرنسي العديدة مع الاعلام والإعلاميين. وأرشيف الصحف ومحطات التلفزة حافل بسلوك أقل ما يقال فيه إنه عدواني تجاه الصحافة والصحافيين، في المكتوب والمرئي والمسموع على حد سواء.
في مطلع الأسبوع، وإثر عودة عون من الرحلة النيويوركية التي طالتها انتقادات كثيرة حول الوفد الفضفاض الذي رافقه فيها، بدا رئيس الجمهورية وكأنه يشعر في خضم اشتعال أزمة الدولار التي بدا أنها تجاوزته، بأن الهالة التي حظي بها في مطلع ولايته الرئاسية بدأت تتآكل. ففي حين تميز مطلع الولاية باستخدام القضاء لملاحقة بضعة ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، تبين أنه مع مرور الوقت تضاعفت أعداد ناقدي العهد والبطانة في السياسة والسلوك، وانه في الوقت الذي كان من السهل ملاحقة حفنة من الناشطين، صار من المستحيل ملاحقة مئات، لا بل آلاف الناشطين وغير الناشطين الذين صاروا يمطرون العهد بالانتقادات اللاذعة، ولا سيما بعدما بالغ وزير الخارجية، نسيبه ووارثه السياسي المعلن، في زرع الاستفزازات في كل مكان. وما من شك في أن سلوك وزير الخارجية الاستفزازي أضر كثيرا بصورة حاميه الأول، رئيس الجمهورية. فبدل أن يميز الرئيس نفسه عن عدوانية نسيبه المتنقلة، زاد في احتضانه. ولعل أزمة حادثة قبرشمون ودخول الرئيس على خطها بالشكل مثال على ما نقول.
اليوم ثمة من أقنع رئيس الجمهورية بأن هيبة الرئاسة هي من هيبة الدولة ولبنان. وثمة من أقنعه بأن الدفاع عن هيبة الرئاسة يكون باستخدام القضاء وملاحقة أصحاب الرأي من صحافيين او ناشطين او مواطنين عاديين، وان الدفاع عن امن البلاد الاقتصادي يكون باستخدام القضاء والأجهزة الأمنية لكمّ الأفواه، وإخافة الناس والإعلام. وهنا نقول للجنرال الرئيس، نعم، إن هيبة الرئاسة هي من هيبة الدولة والوطن، ولكن الأهم ان من يحمي الهيبة الرئاسية في بلد كلبنان هو أولا اقتناع الناس بأداء الرئاسة، وليس استخدام القضاء او الأجهزة الأمنية في محاولة لحرف الأنظار عن أزمة كبيرة أحد أسسها هو سوء الأداء والخيارات.