Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر March 1, 2021
A A A
الناس فكّت الحجْر… “كورونا مش عَ البال”!
الكاتب: رمال جوني - نداء الوطن

ملّت الناس الحجر، حزمت اغراضها وهربت الى البراري، “فقعاً” اجمع الكلّ عليها، وكأنّ “كورونا” إنتهى الى غير رجعة، لم يحسب احد له حساباً، فسُلّم الازمات المتهالك دفع بهم الى البرّية، حملوا عدّة الشواء والنرجيلة والجلسة العائلية، كانوا أقرب الى مسرحية تنفيس عن الهموم التي اطاحت بكلّ الراحة.
لا يُحسد الناس على شيء، فتعب النفسية أرخى بثقله على يومياتهم، باتوا أكثر قلقاً، إضطراباً، عصبية، فـ”الشحار والتعتير” يلاحقنا في كلّ مكان، تقول إحدى السيّدات، فيما اخرى تقول: “ضهرنا أو بقينا بالبيت “كورونا” يلاحقنا”.
هي موتة واحدة، فلتكن كما هي، قالها الناس ممّن خرجوا للاستجمام يوم الإقفال العام، إنقلبوا على قرار التعبئة الذي بات خلفهم، فأحد لم يتقيّد به، وقلّة من إلتزمت، فالحجر بات بنظر الجميع مزيداً من التدهور المعيشي والاقتصادي، وهو ما ينذر بالخطر القادم.
على قاب قوسين او أدنى من سلالة الفقر الجديدة، يقف المواطن، يراقب بأمّ عينه عملية سرقته الممنهجة من كبار المحتكرين، يضحك لعدّاد الغلاء اليومي، يرقص على موت “كورونا”، يغنّي على ليل فواتير الإشتراك الكاوية، يبدو أقرب لحقل تجارب لتجويعه، لم يتعلّم كيف يحارب لأجل لقمته، يهرب الى البرّية خشية المواجهة، تقول إحدى السيّدات اللواتي تجمّعن في سهل الميذنة على “جاط تبولة” ونرجيلة: “النفسية زِفت وتعبنا من الهموم، خرجنا لأجل رفع المعنويات”، هي نفسها التي تشكو من القلّة وضيق الحال تجزم بأنّ “الجلسة عائلية، والحجر متل قلّته، لم يحصد الا المزيد من الاصابات، الافضل أن يصاب الكلّ بكورونا”. بات الكلّ مقتنعاً بمناعة القطيع، وبات الكلّ على يقين أنّ الحجر لن يعود عليهم الا بمزيد من الغلاء وسيطرة حيتان المال على حياتهم. إقتنعت فاطمة أخيراً “انّ الفقر بات يحتلّ كلّ المنازل ولا مهرب من الأزمات، فلماذا لا نخرج لتنفّس الصعداء؟”.
في البرّية حيث تجمّعات الناس الكبيرة، وحده التباعد الاجتماعي كان غائباً، ووحدها الاغاني تخرج من خلف مذياع السيارات على وقع دخان شواء اللحم والدجاج، فلا حضور للأزمات هنا، الأولوية للفرح، أو أقلّه للإقلاع عن التفكير بما يقلقهم. هنا سيّدة تُعدّ التبولة، وأخرى تشوي اللحم، وفتاة تقلي البطاطا على الحطب، الكلّ يتحلّق بمحاذاة بعضهم ويتبادلون اطراف الحديث عن الهوة المعيشية والبطالة والفقر، فهذه تحتلّ المشهد بالرغم من الهروب الى فضاء آخر، فيما الشباب يدخّنون النرجيلة متنفّسهم في زمن الشحّ. وِفق ياسر، “الأزمات تلاحقنا اينما كنّا، نحصد يومياً مزيداً من الكوارث، ونار الازمات المعيشية تكوي الجميع، والأفضل العودة للحياة على أن نموت جوعاً”.
بدا المشهد اقرب للمواجهة المجهولة بين شعب اعتاد الهرب، و”كورونا” الذي يخترق الجلسات بالرغم من تأكيد الجميع انّهم عائلة واحدة، وغاب عن بالهم أنّ “كورونا” بات “اهلية بمحلية”.
مع دخول الاقفال العام اسبوعه الرابع، يبدو أنّ مرحلة جديدة من عدّاد الاصابات ستكون بالمرصاد، فبالرغم من تراجع عدّاد الفحوصات اليومية نتيجة فقدان القدرة على إجرائها، الا أنّ الإصابات تتزايد، مسجّلة أعراضاً جديدة أشدّ خطورة من سابقاتها، التهاب الحنجرة مُضافاً اليه السعلة والحرارة. وفيما يتلهّى الناس عن مخاطر “كورونا” الذي بات جزءاً من يومياتهم “الملعونة”، الا أنّ العين اليوم على الفواتير التي تؤرقهم ارقامها الخيالية، سواء لناحية فاتورة الاشتراك التي تخطّت الـ250 الف ليرة او فاتورة الغذاء، وفي الحالتين الناس تنفض يدها من الاعتراض على قاعدة “الشكوى لغير الله مذلّة” أما الذلّ اليومي فبات الخبز اليومي المالح والآتي أعظم.