Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر December 21, 2023
A A A
الميلاد وخطب الحرب
الكاتب: د. قصي الحسين - اللواء

هذا الميلاد يختلف على الناس، هذه الأيام، فهو  محاصر بخطب الكراهية للآخر من كل الجهات. يكفي أن تكون الأراضي المقدسة، تحت النيران، حتى نقول للفادي: هذا  ليس زمانك، بل زمن يهوذا الإسخريوطي، بل زمن تجار الهيكل، بل زمن المرّائين والدجالين وتجار السلاح.. زمن الذين باعوا المسيح بثلاثين من الفضة، زمن الطغاة والجبابرة، الذين يمضون وقتهم، في التخطيط لسرقة الأرض وسحبها من تحت أقدام الآمنين في دورهم وفي بيوتهم.
هذا الميلاد يختلف على الناس اليوم، فلا مكان آمنا في الديار المقدّسة، لا في بيت لحم، حيث المهد، ولا في القدس، ولا في الضفة، ولا في غزة، ولا في طولكرم ورام الله والجليل.

الحزن يلفُّ بيت المقدس هذه الأيام.. والمجرمون يسرحون ويمرحون. لا تراتيل لميلاد الفادي، ولا فرح بالميلاد السعيد، ولا زينات، ولا إبتهالات، بل ميلاد جنائزي يعمُّ الناس جميعا، ينامون على هدير المدرعات والطائرات، ويستيقظون على أصوات المدافع والقذائف والإنفجارات. لا وقت للطفل الرضيع، أن يلتمس ثدي أمه، هالها ما تسمع من أصوات الإستغاثات، فخبأته تحت أردية الخوف والهلع والحزن، خشيت عليه من الوحوش الكاسرة، خشيت عليه، في موسم الفرح والعيد السعيد.
الحرب القهرية في الدروب وفي الساحات، وفي المزارع وفي المصانع وفي الحقول.. والمنابر كلها، تطلق صيحات الحرب. تراكم الأعتدة وتجهز العديد، فلا مكان للمزود، ولا مكان للرعاة، ولا مكان للبداوة، يبشّرون بقدوم المخلص.. يبشّرون بقدوم الفادي. فعن أي ميلاد إذا، تتحدثون؟!

لا نسمع اليوم في  البلاد المقدّسة، إلّا قرقعة طبول الحرب وقعقعة السلاح. الوافدون اليوم إلى البلد الحزين، جاءوا على ظهور البوارج، وليس على حمار السيد المسيح. قدموا على حاملات الطائرات، يحملون على ظهورهم الصواريخ والقذائف والمتفجرات. تراهم يحتشدون مثلما تحتشد القبائل الفاجرة، مثلما يحتشد الرومان والفرس، مثلما يحتشد المغول، مثلما يحتشد الفرعون وأرتحششتا وجانكيز خان.
مرعبة أصواتهم وهم يحاصرون مهد السيد المسيح. لا أخلاق تردعهم، ولا دين، ولا قيم ولا شرف ولا مبادئ إنسانية. جعلوا كل الكتب، كل المواثيق، كل العهود، كل الإتفاقيات الإنسانية، وجبة لنيران مدافعهم، بل نعالا لجزماتهم العسكرية، بل حصرا لمدرعاتهم ودباباتهم، وحقلا لرمايات طائراتهم.. لا يشفعون لعجوز ولا لثكلى ولا لطفل رضيع.
حزينة كنيسة المهد هذه الأيام، أجراسها لا تقرع إلّا للجنائز، جدرانها تعتم بالبيارق السوداء، الغيوم تسقي الترب التي تضم من تضم من ضحايا المجرمين الذين غدروا، الذين إعتدوا، الذين نكلوا، الذين أعدموا الأطفال وسرقوا ألعابهم.
حزين المسجد الأقصى، داهمته خيول المجوس في الميلاد الحزين، وساقت جموع المصلين إلى الحفر، يروّعونهم، ثم يعدمونهم، ويخنقون المؤذنين.
خطب الحرب هي التي تحاصر كنيسة المهد هذه الأيام. فيالق المجرمين تعلو أسوارها، تقرع أبوابها، تدق بابها.. يريدون من جديد إغتيال السيد المسيح.