Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر July 13, 2021
A A A
المواطن اللبناني يدفع ثمن الفشل المتعاقب في إدارة ملف الكهرباء
الكاتب: يمنى مقداد - الديار

في دوامة الموت البطيء الذي نعيشه في لبنان، وأزمة تقنين الكهرباء، جاء قرار رفع الدعم الجزئي عن قطاع المحروقات ليزيد الوضع سوءا.

القرار رفع تلقائياً تعرفة اشتراك المولدات الخاصة، حيث أعلنت وزارة الطاقة والمياه في بيانها، ما وصفته بالسعر العادل لتعرفات المولدات الكهربائية الخاصة عن شهر حزيران، على أساس سعر وسطي لصفيحة المازوت (20 ليترا) يبلغ 31.700 ل. ل.

من هذا المنطلق، ارتفعت الفاتورة الشهرية للمواطن الذي يشغل عداداً، حدّا كبيراً، فيما تضاعفت تعرفة ما يصطلح على تسميته بـ» مقطوعة الأمبير» أو» الـ» ديجنتير»، وتفاوتت بين منطقة وأخرى.

«أبو علي» صاحب مولد خاص في الضاحية الجنوبية، رفع تعرفة مقطوعة ال5 أمبير من 140 ألفا الى 550 ألف ليرة شهريا دفعة واحدة، بتقنين قاس بين 12 و14 ساعة في اليوم، وقد يلجأ أحيانا لقطع كليّ عند انقطاع مادة المازوت.

في المقابل يشير «أبو علي» الى أنّ البلدية تؤمن له مادة المازوت بالسعر الرسمي كل يومين أو ثلاثة ايام، لكنّها غير كافية، ما يضطره الى شرائها من السوق السوداء بسعر 65 ألف ليرة للصفيحة، لتصل الى مئة ألف ليرة أحيانا، وأردف: «إن تم تشغيل المولد طوال اليوم ستصل الفاتورة الى أرقام خيالية، لذا اتفقت مع المشتركين على صيغة لعدد ساعات القطع ومواعيدها».

زيادة تعرفة الاشتراك أسهمت بدورها في زيادة أعباء المواطن حدا صادما، المشترك «أحمد» (أب لأربعة أولاد)، يشكو بحسرة وغضب ارتفاع فاتورته ويقول:» صاحب المولد غشاش فهو يزودنا بـ ١٢ ساعة كهرباء يوزعها على اليوم وفق مزاجه، وقيمة الفاتورة التي أدفعها أكبر بكثير مما نحصل عليه من كهرباء».

تؤدي السلطات المحلية المتمثّلة بالبلديات الدور الأبرز في ما نتحدث عنه، لا سيّما أنها المشرف والمراقب، وصلة الوصل بين المواطن ودولته. نائب رئيس بلدية برج البراجنة وعضو اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية زهير جلول أشار لـ «الديار» الى وجود 570 مولدا خاصا و 300 موزع في الضاحية الجنوبية ، تحتاج الى كمية مازوت تقدر بنحو 280 ألف ليتر يوميا، لتغطية 12 ساعة فقط، كاشفا أنّ الاتحاد أطلق مبادرة إنسانية، تؤمن ما بين 100 إلى 200 ألف ليتر يوميا من مادة المازوت، بالسعر الرسمي زائد كلفة النقل.

أمّا عن تعرفة الـ «5 أمبير» فلفت جلول إلى أنّ الاتحاد ينجز شهريا دراسة علمية يحدّد من خلالها التعرفة، التي بلغت الشهر الماضي بين 425 ألف و475 ألف ليرة، لافتا الى أن وزارة الطاقة والمياه لا تسعر «الأمبير»، لذا اضطر الاتحاد إلى تحديد التعرفة التي تختلف بين شهر وآخر تبعا لسعر الدولار والمازوت، وعدد ساعات القطع.

هذا وتقوم البلديات بالتنسيق مع مفتشين من وزارة الإقتصاد بتحرير محاضر ضبط بالمخالفين، تحوّل لاحقا إلى الجهات القضائية المختصة، وأحيانا يقوم الاتحاد بحرمان المخالفين من مادة المازوت. فيما يرجع جلول المشكلة الأساسية اليوم إلى عدم تمكّن أصحاب المولدات من شراء المازوت بالسعر الرسمي، لتغطية ساعات القطع التي تصل لنحو 22 ساعة في اليوم.

السخط الأكبر من المواطن في ما يحصل اليوم، يوجّه ضد أصحاب المولدات المتهمين بالتلاعب بالتسعيرة، وفيما لم ينف رئيس تجمع أصحاب مولدات الضاحية الجنوبية حسن ياسين لـ«الديار» تلاعب البعض منهم، ينصح المشترك بالعدّاد، ويشرح بأن ما يرهق أصحاب المولدات هو ساعات التقنين الطويلة، وشحّ مادة المازوت، ما يضطرهم إلى شرائها من السوق السوداء .

وتتمثل مشكلة المواطن وفق ياسين بأنّ التسعيرة الرسمية وضعت على أساس أن سعر صحيفة المازوت 31700 ليرة، لكنها ارتفعت في الأول من هذا الشهر إلى 61 -65 ألف ليرة، ما يعني أن الكيلوواط الذي سعّر بـ 1326 ليرة سيبلغ الضعف، وستكون النتيجة كارثية لا سيما أننا في فصل الصيف، ولفت إلى أنّ لجوء صاحب المولد للتقنين هو رحمة له وللمواطن.

أمّا بالنسبة لأصحاب «المقطوعيات» فيتابع ياسين أنّ المواطن الذي يدفع 500 ألف أو أكثر لـ 5 أمبير، يستهلك كل الطاقة التي يدفع ثمنها، ما يزيد من استهلاك المولد للمازوت، من هنا يلجأ «أصحاب المقطوعيات» إلى تخفيف ساعات التغذية، كيلا يتعطل المولد من ناحية، ولأنّ هناك فارقا كبيرا بين الكلفة التي يتكبدونها وبين ما يجمعونه من «غلة» شهريا.

ياسين يرى أنّ علاج هذه المشكلة يتمثّل بوضع آلية لضبط السوق كما حصل في العام الماضي حيث وضع الأمن العام اللبناني يده على ملف المازوت وتمّ ضبط القطاع بنسبة 90% . وأضاف أننا طرحنا على الدولة أن يتم دعم المازوت للمولدات على دولار 1500 ليرة و دعم الفلاتر والزيوت على دولار 3900 ليرة، ولكن لم نلق آذانا صاغية، وشدّد على أنّ الحل هو أن تحسن الدولة التغذية إلى 8 ساعات يوميا على الأقل، إضافة إلى ترشيد الإستهلاك من قبل المواطن.

وختم ياسين متسائلا أنّه إذا كان رفع الدعم الجزئي أوصلنا الى هذا الواقع فكيف الحال عند رفع الدعم كليا؟ حينئذ لن يتبقى رأس مال عند صاحب المولد، ولن يتمكن المواطن من دفع فاتورته، وسنذهب للعتمة، وهناك اقتراحات لبعض أصحاب المولدات باعتماد 1 أمبير فقط للمشترك للإضاءة بدل الشمع، وفقط ليلا!

عند التوقف عند الأثر الاقتصادي على المواطن جراء الواقع السالف ذكره، نجد كارثة حقيقية بكل معنى الكلمة، الخبير الإقتصادي نبيل سرور يبدأ وجهة نظره رافضا ما يحصل، ومعتبرا «أنّ غلاء سعر المازوت لا يبرّر الزيادات الضخمة في الاشتراكات، معتبرا أن هناك استغلالا للناس وربحا غير مشروع لأصحاب المولدات، في وقت تعمل فيه بعض البلديات في الضاحية الجنوبية والقرى والأطراف على دعمهم بالمازوت». ويتابع» إذا تحدثنا عن ربّ أسرة مؤلفة من أربعة أو خمسة أولاد لا يزيد دخله على 1500000 ليرة سوف يذهب نصف هذا المبلغ لفاتورة الاشتراك…»

ويضيف سرور: «إننا نعرف أن لدى أي صاحب مولد ما لا يقل عن مئتين الى خمسمئة مشترك وقد يصل الى ألف أو ألفين، وهذا يؤمن له مدخولا كبيرا، لذا لا بد من مراقبة ميزانيته بشكل دقيق، وفواتير المازوت والاطلاع على المستندات التي تعطى للمشترك في هذا المجال مشدّدا على دور وزارة الإقتصاد والبلديات والأجهزة الأمنية في كلّ هذه العملية.

يبقى السؤال: من يحمي المواطن؟ تحدثت « الديار» إلى مدير مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة المهندس طارق يونس الذي أوضح أن المديرية قامت بحملة ضخمة عام 2018 في ما خص تركيب العدادت لمن أراد ذلك من المواطنين، والتأكد من الالتزام بالتسعيرة الرسمية، ونظمت عددا كبيرة من المحاضر وصولا الى مصادرة المولد ووضعه بتصرف البلدية شرط تشغيله إلى أن تتم إعادته لصاحبه بشروط محددة، أما اليوم فالمراقبون موكلون بمهام أخرى منها مراقبة محطات المحروقات وغيرها، كما أن القيام بجولات مراقبة أمر صعب جدا فالموظف الإداري في مديرية حماية المستهلك ملزم باستعمال سيارته الخاصة وتشغيلها على نفقته الخاصة، ، وهذا مرهق جدا في هذه الظروف من هنا لا بد بحسب يونس من إيجاد حل للمراقب ليستطيع القيام بهذه المهمة.

من جهتها تشير المدير العام السابق لوزارة الإقتصاد علياء عباس لـ«الديار» الى أن فوضى عارمة تسود قطاع توزيع المحروقات في لبنان، إذ نرى كيف يسرق المازوت ويهرب ويحتكر ويتم بيعه في السوق السوداء، وأشارت إلى ضرورة ضبط هذه العملية من خلال بطاقات مدعومة للمازوت ضمن معايير وشروط محددة، تعطى لكل صاحب مولد بناء على عدد مشتركيه منذ أكثر من 3 سنوات. وشدّدت على دور وزارة الإقتصاد في إلزام أصحاب المولدات بتركيب العدادات للمواطنين، ما يلزمهم بالتسعيرة الرسمية.

قانونيا، القانون اللبناني لا يستطيع أن يحمي المشتركين حتى وإن تعرضوا للاستغلال، المحامي يوسف لحود أوضح للديار الخلفية القانونية لنشأة قطاع المولدات الخاصة موضحا أن إنتاج الكهرباء للعموم أمر محصور بيد الدولة، إنما الإنسان يستطيع بصورة فردية أن ينتج كهرباء عبر الألواح الشمسية أو عبر مولد خاص به. ويتابع قائلا إن الأمر تطور وسمحت الدولة لأصحاب المولدات الخاصة بإنتاج الطهرباء للعموم عبر منح امتياز ضمني أو عملي ( غير قانوني) لهم لعجزها في إدارة قطاع الكهرباء على مدى عقود.

وأشار المحامي لحود إلى أنه طالما الدولة لا تراقب فإن أصحاب المولدات سيتصرفون بناء على مصلحتهم الشخصية، لذا نجد الكثيرين منهم يبالغون في الرسوم التي يستوفونها من المواطن. ويرى لحود أنّ الحل هو أن تؤمن الدولة المازوت بالسعر الرسمي لأصحاب المولدات حسب الاشتراكات التي تحدد مدى استهلاكهم وهذا ما يمنعهم من التلاعب بالأسعار.

بين سندان شحّ المازوت وارتفاع الدولار وبين مطرقة التقنين الطويل وغياب المراقبة الرسمية الفاعلة، لا يزال المواطن اللبناني يدفع ثمن الفشل المتعاقب في إدارة ملف الكهرباء في لبنان، ذلك البلد المشتعل في كل شيء إلا بالضوء!