Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر April 16, 2018
A A A
“المهمة أُنجزت” عبارة مفخخة… هل وقع ترامب في خطأ بوش؟
الكاتب: هشام ملحم - النهار

بعد ساعات من الهجمات الصاروخية المنسقة بين الولايات المتحدة وفرنسا وبرطانيا ضد البنية التحتية لتطوير وانتاج الاسلحة الكيميائية في سوريا، غرّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في شأن الضربة التي نفذت بشكل مثالي وانهى تغريدته قائلاً : “المهمة انجزت”.

طبعا، السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي المهمة التي يتحدث عنها ترامب، وهل كان يدرك عندما كتبها في الصباح الباكر انها عبارة مفخخة ومثيرة للجدل حين وضعها الرئيس الاميركي سابقاً جورج دبليو بوش على لافتة كبيرة على حاملة الطائرات التي استخدمها بوش ليعلن بعد شهر من سقوط بغداد في 9 نيسان 2003، ان الحرب قد انتهت عمليا وان المهمة نجحت. ولم يمر وقت طويل قبل ان يدرك المسؤولون الاميركيون فداحة وخطأ هذا الاعلان المبكر عن نهاية النزاع في العراق.

المفارقة ان هذه العبارة التي لا نعلم ما اذا كان الرئيس ترامب ملما بتاريخها الحديث أم لا ، دفعت ببعض المعلقين والمؤرخين الى التساؤل عما اذا كان للولايات المتحدة “مهمة” قابلة للتطبيق في سوريا، او ترديد الصيغة الاكثر شيوعا :هل لدينا استراتيجية سياسية-عسكرية متماسكة تؤدي الى حل سياسي مقبول؟ ولوحظ ان معارضي الضربة العسكرية ومعظمهم من الديموقراطيين ركزوا على هذا السؤال، اضافة الى التشكيك المتوقع بقانونية الضربة خصوصاً وان ترامب لم يلجأ الى الكونغرس للمصادقة على معاقبة سوريا، كما فعل سلفه باراك اوباما في 2013. ولكن حتى مؤيدي الضربة العقابية، شددوا على ان ضرب نظام بشار الاسد بعد كل مرة يستخدم فيه السلاح الكيميائي ضد المدنيين، كما حدث مرتين خلال سنة، لا يرقى الى مستوى السياسة الواضحة او الاستراتيجية المتماسكة.

النواحي الايجابية القليلة في الغارة يمكن تلخيصها بأن ادارة ترامب التي اتخذت مواقف سلبية اولية من حلف شمال الاطلسي، وجدت نفسها مضطرة للتنسيق مع حليفين اساسيين في الحلف: بريطانيا وفرنسا.

ولخّص برايان كاتوليس الباحث البارز في مركز التقدم الاميركي، واحد أبرز الخبراء الاميركيين في شؤون الامن القومي وسياسات الولايات المتحدة في الشرق الاوسط لـ “النهار” هذا الضعف في سياسة ترامب قائلاً : “تقويم الرئيس ترامب عبر التويتر بان “المهمة انجزت” يعبر عن الامر افضل تعبير. لأنه يعكس سطحية فهمه والتزامه انهاء النزاع في سوريا”.

ويضيف كاتوليس الذي يقوّم دورياً سياسات واشنطن حيال نزاعات وقضايا المنطقة ” شنّ الهجمات في غياب استراتيجية واضحة لن يعيد الاستقرار لسوريا، ولن تخف حقيقة محاولة استرضاء روسيا وايران وسوريا من قبل ترامب وسلفه اوباما. وسوف يواجه الملايين من السوريين اياما صعبة في المستقبل”.

واذا كانت “المهمة” كما ركز ترامب في خطابه الذي اعلن فيه عن الضربة، هي خلق” ردع قوي ضد انتاج ونشر واستخدام الاسلحة الكيميائية” فانها تحققت جزئيا، لأن القصف الصاروخي دمّر جزئيا او كليا الاهداف الثلاثة التي تعرضت للقصف. ولكن حتى المسؤولين في وزارة الدفاع قالوا ان هذا لا يعني تدمير مجمل الترسانة الكيميائية في سوريا، والاهم من ذلك لا يعني ان الاسد سيتوقف في المستقبل عن انتاج او استخدام هذا السلاح المحظور منذ قرن والذي تقّدر المنظمات الدولية ان النظام السوري استخدمه على الاقل خمسين مرة خلال السنوات السبع الماضية.

صحيح ان نسبة ضئيلة من مئات اللالاف من المدنيين الذين قتلهم النظام، قضوا بالاسلحة الكيميائية، الا ان النظام نجح من خلال استخدامه للسلاح الكيميائي الى حد كبير في ترهيب وترويع السوريين وارغامهم على مغادرة ديارهم، في سياق جهوده الرامية للتلاعب بالتركيبة الديموغرافية في سوريا. وكما فعل الاسد بعد الغارة الاولى التي شنها الرئيس ترامب في 2017 في تفادي استخدام السلاح الكيميائي لفترة وجيزة، من المتوقع ان يفعل الشيء ذاته هذه المرة، وان يستأنف عملياته ضد معارضيه من مدنيين ومسلحين مستخدما الاسلحة التقليدية المسؤولة عن قتل نحو نصف مليون سوري منذ بدأ الانتفاضة الشعبية في 2011.

جاءت الغارات بعد نقاش مطول بين مساعدي ومستشاري الرئيس ترامب ومن بينهم مستشار الامن القومي الجديد جون بولتون المعروف بمواقفه المتصلبة حيال ايران وكوريا الشمالية وسوريا، بين تيار يشمل ترامب ويدعو لتوجيه ضربة موجعة أكثر وتتخطى البنية التحتية للاسلحة الكيميائية لتشمل سلاح الجو السوري، وفقا لما سربته مصادر حكومية للصحف، وبين تيار آخر يقوده وزير الدفاع جيمس ماتيس، ويدعو لتوجيه ضربة أقوى من هجوم العام الماضي، ولكنها محدودة ايضا وتبقى محصورة بالترسانة الكيميائية.

المخططون العسكريون في وازرة الدفاع أرادوا تفادي استهداف القوات الروسية – وحتى الايرانية- المرابطة قرب القوات السورية، او الموجودة معها في قواعد عسكرية مشتركة مثل قاعدة حميميم الجوية في شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها وتديرها روسيا منذ تدخلها العسكري المباشر في 2015.

وحتى خلال الاعلان عن الهجوم بدا هذا التباين في مواقف ترامب وماتيس، إذ تحدث الرئيس الاميركي عن جهود عسكرية “مستمرة” لارغام نظام الاسد على التوقف عن استخدام السلاح الكيميائي، موحيا للوهلة الاولى ان العمليات العسكرية لن تكون محصورة بغارة واحدة. ولكن ماتيس بعد ساعة من خطاب ترامب، أوضح بشكل لا لبس فيه ان الضربة العقابية قد انتهت عمليا. وقبل الغارة بايام صعّد ترامب من حدة تهديداته المتهورة – التي تناقضت كليا مع التقويم الهاديء للمسؤولين في وزارة الدفاع – والتي شملت تحذير روسيا لان تكون مستعدة للصواريخ الاميركية الجيدة و”الذكية” القادمة. وكان من اللافت انها المرة الاولى التي يتحدث فيها ترامب بهذه اللهجة المباشرة والفظة حيال روسيا .

وكان ترامب قد فاجأ كبار المسؤولين في حكومته اواخر أذار حين قال، بشكل عابر وخلال خطاب حول الاقتصاد، ان القوات الاميركية المنتشرة في شرق شمال سوريا سوف تنسحب “قريبا جدا” . وبعدما أشار الى ان القوات الاميركية قد دحرت قوات تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش)، فقد حان الوقت ” ليقوم الاخرون بالاهتمام ” بسوريا من الان وصاعدا.

اعلان ترامب، جاء بعد ساعات من تأكيد وزارة الدفاع على أهمية بقاء القوات الاميركية في سوريا في المستقبل المنظور. المخططون العسكريون يريدون بقاء القوات الاميركية في سوريا ليس فقط بمواصلة دحر فلول جهاديي “داعش” – وهم يركزون على ذلك لاقناع ترامب بابقاء القوات هناك – ولكن ايضا للسيطرة على معابر الحدود مع العراق ومنع اكمال الجسر البري بين ايران و”حزب الله” في لبنان، وايضا لحرمان النظام وايران من استعادة السيطرة على منطقة غنية زراعيا ونفطيا، مما يعني ان النظام سيستعيد سيطرته على معظم الاراضي السورية باستثاء أدلب ومحيطها.

ولكن ما قاله ترامب حول رغبته في الانسحاب من سوريا باسرع وقت ممكن يعكس حقيقة تفكيره وموقفه من منطقة الشرق الاوسط ودور اميركا فيها. بكل بساطة، ترامب ينظر الى النزاع في سوريا فقط من منظور مكافحة الخطر الارهابي، ورفضه لاستخدام السلاح الكيميائي. ولكن ترامب ليس معنيا بمستقبل سوريا السياسي، وما يمكن لاميركا ان تفعله في هذا المضمار. في بداية النزاع سعت ادارة الرئيس اوباما، وتحديدا وزير الخارجية انذاك جون كيري للتوصل الى حل سياسي، وحاولت من خلال مساعداتها المحدودة والمشروطة لبعض فصائل المعارضة المسلحة ارغام النظام السوري على الدخول في مفاوضات مع خصومه. ولكن بعد بروز ظاهرة “الدولة الاسلامية” وسيطرتها على اراضٍ واسعة في العراق وسوريا، وتحديدا بعد التدخل الروسي العسكري المباشر في 2015، تركز اهتمام ادارة اوباما على مكافحة ارهاب “الدولة الاسلامية” عبر قيادة حملة جوية دولية ضد التنظيم بهدف تدميره بالكامل. وخلال اخر سنوات اوباما في البيت الابيض، وبعد انتخاب ترامب، كان من الواضح ان هناك تسليماً اميركياً بان روسيا اصبحت المحرك السياسي الرئيسي الخارجي في سوريا.

وعكس ترامب هذا الموقف في خطاب الاعلان عن الضربة حين دعا الى دور اكبر، لاصدقاء اميركا في سوريا مثل المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة وقطر ومصر، لحرمان ايران من الاستفادة من هزيمة “داعش”، من خلال توفيرها للدعم المالي والمادي للجهود المناوئة للارهابيين. وأكد ترامب ان “اميركا لا تسعى لوجود دائم في سوريا تحت أي ظرف من الظروف”. واضاف :” نحن لا نستطيع التخلص من الشر في العالم او ان نواجه كل طغيان في العالم”.

ووافق ترامب على مفهوم يشاطره فيه الكثير من الاميركيين والقائل “بأن أي دم تهدره اميركا او أي موارد تستثمرها لن تكفي لتحقيق سلام دائم او أمن في الشرق الاوسط. هذه منطقة مضطربة، سوف نحاول تحسينها ولكنها منطقة مضطربة”. ووفقا لهذا التقويم للشرق الاوسط ومشاكله، فان “الولايات المتحدة ستكون شريكا وصديقا (لبعض دول المنطقة) ولكن مصير المنطقة يقع في ايدي شعوبها…”.

ما يمكن ان نقوله بثقة، هو ان ترامب سوف يواصل مطالبة وزارة الدفاع بالتعجيل بسحب القوات الاميركية من سوريا، وهذه المطالبة سوف تزداد الحاحا، اذا توقف الاسد عن استخدام السلاح الكيميائي وواصل حربه الفتاكة ضد معارضيه بالاسلحة التقليدية. خلال سبع سنوات مريرة، وعبر حكومتين اميركيتين: ديموقراطية وجمهورية، أخفقت الولايات المتحدة الدولة الديموقراطية الكبرى في العالم، في اعتماد استراتيجية سياسية بعيدة المدى لاخراج سوريا من مأساتها، استراتيجية تتطلب الصبر والتضحيات وبعد النظر وبناء التحالفات الضرورية، بما في ذلك دفع الثمن الضروري لتحقيق الاهداف. اصدقاء الاسد المتسلطون في موسكو وطهران آمنوا منذ البداية بالحل العسكري وكانوا مستعدين لدفع ثمن الانتصار. اصدقاء سوريا من الديموقراطيات الغربية تحديدا، لم يؤمنوا ولو للحظة واحدة بالحل العسكري، وسعوا – بقدر كبير من السذاجة – للضغط على نظام الاسد لارغامه على التفاوض . بعد 7 سنوات، يقترب بشار الاسد أكثر فاكثر من تأكيد بقائه في السلطة بعد استخدامه لكل ما في ترسانته من سلاح فتاك لتحويل مدن سوريا التاريخية الى ركام وتحويل سوريا الخضراء الى صحراء، وساعده في ذلك اسلاميون ظلاميون، ومعارضة قصيرة النظر ومتهورة ولا تليق بالتطلعات الاولية بالديموقراطية والتمكين والكرامة التي عبّر عنها السوريون في تلك الايام والاسابيع والاشهر الاولى المتفائلة من الانتفاضة السورية.