Beirut weather 19.1 ° C
تاريخ النشر January 7, 2020
A A A
المنطقة تغلي ماذا بعد؟!
الكاتب: وسام جديد - الوطن السورية

لا يمكن لأي قارئ للواقع أن يحاول التقليل من حجم ما هو قادم على مستوى المنطقة خاصة بعد استشهاد قائد فيلق القدس الفريق قاسم سليماني باستهداف عسكري وأمني مباشر من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي سارعت إلى تبني العملية في خرق وقح لجميع المعايير الدولية التي كانت تنظم العلاقات بين الدول، ولو شكلياً، ما يعني أننا أصبحنا في مرحلة ليست لها ضوابط على الإطلاق.
القادم على مستوى المنطقة وربما العالم، سيغير الخريطة السياسية وحتى العسكرية، ما سينتج عنها خطوط حمراء جديدة لابد من إيجادها، وإلا فإن المنطقة ستغرق في بحر الاعتداءات الأميركية والإسرائيلية المتكررة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة حصول صدام عسكري بمعنى الحرب الشاملة فجميع الأطراف حالياً ليست في وارد ذلك.
المعطيات في منطقة الشرق الأوسط بدأت بالفعل بالتغيير منذ غزو العراق عام 2003، حيث تم احتلال دولة ذات سيادة بحجج واهية، تم الاعتراف، بعد سقوط نظام صدام حسين، أنها كانت الوسيلة لاحتلال العراق، تلا ذلك خروج الجيش العربي السوري من لبنان ومحاولة تقييد سورية من خلال محكمة دولية مسيسة وذات توجه معاد.
العام 2011 كانت الخطوة الجديدة، الأكثر فعالية، من خلال حراك يتحول تلقائياً إلى ما سمي «ثورات» فيحصل الانقسام والتقاتل ومن ثم تدخل العناصر الإرهابية المتطرفة لتجعل الأمور وكأنها خرجت عن السيطرة، حيث لابد من وجود لقوات دولية تحت حجة «مكافحة الإرهاب» ما يمكن بعض القوى المعادية من تفعيل خططها دون قيامها بحرب تقليدية.
مؤخرا، شهدت الساحتان اللبنانية والعراقية مظاهرات مطلبية رفعت شعارات ضد الفساد والظلم والمحسوبية، لكنها أيضاً كانت غير مفهومة التوجهات سياسيا، حتى تبين لاحقا أنها خلقت بيئة غير مستقرة، ما لبثت أن تطورت إلى حالة توتر، ومن ثم صدامات بالشارع، خرجت على أثرها شعارات معادية، وكان لإيران الحصة الأوفر من هذه الشعارات في العراق بعد صدامات بين المتظاهرين وعناصر من «الحشد الشعبي».
قوات «الحشد الشعبي» كان لها الدور الأهم، مع الجيش العراقي، في مكافحة «داعش» وإبعاد خطره عن المدن العراقية، لكن هذا الأمر لم يعجب الأميركي الذي رأى فيها قوة عسكرية عراقية جديدة خارجة عن سيطرته ولها علاقات ايجابية مع الدول الإقليمية المعادية للمخططات الأميركية من إيران وسورية والمقاومة اللبنانية.
الملاحظ خلال الأسابيع القليلة الماضية كثرة الأخبار عن استهدافات جوية غير معروفة المصدر لمراكز الحشد الشعبي غرب العراق، على الحدود مع سورية، تلا ذلك قيام الأميركي برفع سقف الوقاحة لديه بإعلانه عن هجوم شمل معسكرات لــ«الحشد» ما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات من عناصره، الأمر الذي دفع مؤيديه لحصار السفارة الأميركية، وهنا قد يرى البعض أن ردة الفعل هذه كانت تحتاجها الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ أمر ما، حيث طلبت قيادة «الحشد» من مؤيديها الانسحاب من محيط السفارة، وهذا ما حصل.
التصريحات الإيرانية تؤكد أن الرد على عملية اغتيال سليماني قادم لا محالة، رغم اختلاف التحليلات حول حجم الرد ومكانه، إلا أن هذه التصريحات تضع إيران أمام خيارين: الرد بنفس حجم الاعتداء الأميركي ما يعني احتمال حصول رد أميركي جديد وبالتالي سلسلة من الردود المتبادلة، أو عدم الرد ما يضعها أمام خسارة فعلية لها بالمنطقة وهذا ما لا يمكن أن تسمح بحصوله.
كل المؤشرات تدل على أن المنطقة تحتاج لإيجاد خطوط حمراء جديدة لمنع تكرار الاعتداءات في المستقبل، وقد تكون هذه المواجهة نهاية النهاية لأزمات المنطقة ككل، ما سيخلق خريطة سياسية وعسكرية جديدة قد لا تناسب الأميركي لكنها قد لا تتعارض مع مصالحه التجارية والاقتصادية، وهذا الأمر يريده ترامب فعلاً، والغليان الممتد على مدار سنوات سينتهي إما بالانفجار الشامل أو بتسوية كبرى، كما يرى البعض.