Beirut weather 20.3 ° C
تاريخ النشر September 12, 2019
A A A
الممسكون بالدفة ظلوا يندفعون للإصطدام بجبل الجليد.. ثلاثة إنذارات من دوكين!
الكاتب: راجح الخوري - النهار

في ٢٢ تشرين الثاني من عام ١٩٥٣ كانت مانشيت “النهار” كما يأتي: الكهرباء مهددة بالإنقطاع بين ساعة وأخرى، والأزمة تتطلب حلاً سريعاً قبل وقوع الكارثة.
اليوم، أي بعد ٦٦ عاماً، لم نعد أمام كارثة واحدة هي الكهرباء، التي راكمت علينا ثلث الدين العام، أي ما يوازي ٣٣ مليار دولار تقريباً، بل أمام مجموعة واسعة من الكوارث في كل مرافق هذه الدولة، التي تندفع الى القاع، لا لأن ركاب “التايتانيك” لاهون في الرقص فحسب، بل لأن الذين تعاقبوا على الإمساك بالدفة، ظلوا يندفعون دائماً الى الإصطدام بجبل الجليد أي الفساد.
ان القراءة المسؤولة في تصريحات بيار دوكين السفير الفرنسي المكلّف متابعة تنفيذ مقررات “مؤتمر سيدر”، سواء السابقة منها التي قال فيها “إن لبنان بلد غير قابل للإصلاح”، أو تلك التي أسمعنا أياها قبل أيام، تؤكد ضمناً ان الكارثة واقعة وليس من السهل الخروج منها إلا بمعجزة، ولسنا في زمن المعجزات!
دعونا من تصريحات اللياقة الأدبية، التي أدلى بها دوكين بعد لقاءآته مع المسؤولين، وتعالوا الى تعمّده مرة ثانية التحدّث الى الصحافيين ليوجّه ضمناً، ما يشبه ثلاثة إنذارات الى المسؤولين، فهذا رجل يحترم نفسه ويحرص على صدقيته وصدقية بلده، ولذلك كان صريحاً ووضع النقاط على الحروف عبر جملة من ١٤ كلمة فقط: “ان الوضع طارئ للغاية ولا يمكن ان نجد أي مؤشر إقتصادي أو مالي غير سيئ”!
أولاً: المفارقة ان المسؤولين يربطون دائماً مؤشرات السوء هذه بالواقع الاقتصادي التراكمي الذي وصلنا إليه، بما يعني ضمناً انهم يضعون المسؤولية على من سبقهم. لكن الواضح ان معالم السوء التي يقصدها دوكين، ترتبط بطريقة معالجة الدولة لمشاكلها الاقتصادية، خصوصاً ان كلامه يأتي بعد ١٨ شهراً من عقد “مؤتمر سيدر” في نيسان من العام الماضي، وكان يفترض ان يتوصّل المسؤولون الى برنامج عملي واضح وجدّي للإصلاح خلال هذه المدة، بدل القتال على الحصص الوزارية وعمل الحكومة وتعطيلها أيضاً، وفي كلامه هنا إنذار واضح ! وإذا كانت الكهرباء كارثة قبل ٦٦ عاماً، أوليست كارثة أفدح ان يقول دوكين في مؤتمره الصحافي “إن ٦٠٪، من العجز يأتي من كهرباء لبنان وبالتالي لا بد من التصرف بأزاء هذا الأمر”؟ ولكن كيف ومن يتصرّف وقد سمعنا منذ ثلاثين عاماً حكومات تَعد بحل نهائي لهذه المشكلة، وزراء يتعاقبون على رفع شعار واحد وهو ٢٤ على ٢٤؟
ثانياً: عندما يقول “إن الإصلاحات المطلوبة يجب ألا تكون إرضاء للخارج بل لخدمة الشعب والمؤسسات اللبنانية والنهوض بإقتصاد لبنان”، فأنه يوجه إنذاراً ثانياً، خوفاً من ان تأتي الإصلاحات خادعة طمعاً بمساعدات الخارج، لأن هذا الخارج بات يضع لبنان تحت المجهر، والدليل تقارير مؤسسات التصنيف التي حذرت من تحوّل لبنان دولة فاشلة!
ثالثاً: الإنذار الثالث جاء مباشراً وواضحاً جداً عندما قال: “إن إكتشاف النفط ليس الحل السحري الذي سيحلّ كل الصعوبات التي واجهها لبنان، إنه أمر إيجابي لكننا لم نصل إليه بعد، وهذا أمل خاطئ وليس الطريق المناسب الى الأمام”. بمعنى ان الحل ليس في النفط، الذي لن يمنع لبنان بالضرورة من الإنحدار الى مرتبة الدولة الفاشلة، بل في الإصلاح الحقيقي ووقف الفساد والتوقف عن ممارسة المسؤوليات بالطريقة التي وضعت لبنان في الكارثة منذ ٦٦ عاماً وأكثر!