Beirut weather 24.41 ° C
تاريخ النشر May 30, 2025
A A A
المقاومة وورقة ويتكوف الجديدة: نعم ولكن
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

بعد مفاوضات تفصيلية بين وفد من حركة حماس ووفد يمثل المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف، أبلغت قيادة حماس موافقتها على صيغة تقول بأن الوقف المؤقت للحرب لمدة ستين يوماً هو خطوة نحو وقف مستدام للحرب وحل طويل الأمد، وأن التفاوض على شروط إنهاء الحرب سوف يتم خلال الستين يوماً ويستمرّ وقف إطلاق النار إذا لم يصل التفاوض إلى اتفاق، وأن حركة حماس تُفرج عن 10 أسرى نصفهم في اليوم الأول ونصفهم في اليوم الأخير، فأرسل ويتكوف النص إلى وزير الشؤون الاستراتيجيّة في حكومة بنيامين نتنياهو رون دريمر، الذي أدخل عليها تعديلين جوهريين، الأول شطب فقرة استمرار وقف إطلاق النار إذا لم يتمّ توصّل التفاوض إلى اتفاق خلال فترة الستين يوماً، والثاني أن الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين يتم مناصفة بين اليومين الأول والسابع، وهنا اعتمد ويتكوف النص وأرسله رسمياً لنتنياهو الذي وافق عليه وأعلن موافقته.

تسلّمت المقاومة النص وهي تعلم أنه صيغ بطريقة تستهدف أن تقول المقاومة لا ويتمّ تحميلها مسؤولية إفشال التفاوض ومنح استمرار الحرب والتجويع غطاء كافياً لمنح نتنياهو جائزة كبرى، أو أن تقول المقاومة نعم، فتقبل بوقف نار لمدة سبعة أيام بحيث يمكن لنتنياهو إنهاء الهدنة بعد تسلم الدفعة الثانية من الأسرى ويعود للحرب بألف ذريعة، وبين خياري القبول المذلّ والمهين الذي يفرط بأهم ورقة بيد المقاومة وهي الأسرى ومن دون الحصول على هدنة معقولة وليس على وقف الحرب نهائياً، أو الرفض الذي يمنح نتنياهو شرعيّة سياسيّة لمواصلة الحرب وجرائم الإبادة والتجويع، ولذلك يبدو طريق قول نعم ولكن هو الطريق المرجّح للمقاومة.

سوف تأخذ حماس العناصر التي تتحدث عن الحل المستدام كهدف، وتؤكد على قبوله وتأخذ إطار الستين يوماً وتقبل به، ومعه بنود إدخال المساعدات وتقبل بها، وبند الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين وتضع له مفاتيح غائبة عن المقترح، ثم تطرح في نص مكتوب أسئلة حول أسباب تعديل بنود مثل استمرار وقف النار ما لم يتمّ التوصل إلى اتفاق، وتوزيع الإفراج عن الأسرى بين اليومين الأول والستين، وتطلب إجابة خطّية حول درجة التزام الجانب الأميركي بإنهاء الحرب وتقديمه ضمانات تؤكد أن هذا الهدف سوف يتحقق بنهاية مرحلة تبادل الأسرى، في اليوم الستين، أو في نهاية مسار التفاوض إذا تمّ تمديده، وسوف تطلب حواراً خطياً حول البنود التي تبدو عقبات أمام الاتفاق، وتسأل عن الضمانات بالانتقال إلى وقف نهائيّ للحرب، وهنا سوف يستمرّ التفاوض وتستمرّ الحرب.

المقاومة تدرك أنّها في وضع صعب في كيفيّة التعامل مع ورقة ويتكوف، لكنها تدرك أن نتنياهو في وضع صعب أيضاً، لأن استمرار الحرب ليس نزهة وجيش الاحتلال ينزف بقوة تحت ضربات المقاومة، ولأن صواريخ اليمن التي عجز الأميركي عن ردعها، وقبل بوقف إطلاق النار مع اليمن لتفادي مخاطرة إغراق إحدى سفنه الحربية أو حاملات طائراته، وهو يغادر البحر الأحمر كمنطقة نفوذ أمنيّ حصريّ، ويغادر في الوقت ذاته جبهة إسناد “إسرائيل”، بينما يواصل اليمن دوره في وحدة الساحات ومحور المقاومة، بعد تصدع جبهات أخرى وهدوء جبهات غيرها، واليمن بصواريخه بعد وقف النار مع أميركا يواصل إطلاق صواريخه بكثافة وتركيز استهدافه بدقة، لفرض إيقاع إسرائيلي داخلي متصاعد لصالح وقف الحرب، مع استمرار نزول ملايين المستوطنين إلى الملاجئ، وفقدان مطار اللد المسمّى بمطار بن غوريون، فرص البقاء بمنأى عن الحرب.

الأسابيع القادمة التي كان يفترض أن تكون موعداً لولادة الاتفاق الذي يفتح طريق إنهاء الحرب، سوف تكون للميدان والتفاوض، حتى تنعكس صورة جديدة للميدان على التفاوض، حيث ينزف جيش الاحتلال بشرياً ويخسر المزيد من ضباطه وجنوده وآلياته، في ظروف لا يبدو معها أن الجيش قادر على تحمل هذا النزيف، بينما سمعة “إسرائيل” في الغرب تحتضر، وتطغى صورة “إسرائيل” المجرمة على كل التعليقات وأغلب التحليلات، مقابل تعاطف واسع النطاق مع الفلسطينيين وحقوقهم وحفظ شعاراتهم وسرديّتهم الفكرية والسياسية والتاريخية خصوصاً.

المنعطف الذي يفرض نفسه على قيادة المقاومة، سوف يدفعها إلى التمييز بين حاجات الثبات استراتيجياً والحاجة إلى المناورة تكتيكياً، وإذا وجدت فرصة لتأمين فرصة تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني سوف لن تتردّد إطلاقاً، كما لن تتردد بقول لا عندما ترى أن ذلك صار ضرورياً لأنها لن تقبل بمنح الإسرائيلي فرصة التلاعب والعبث بدماء شعبها ومصيره.