Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر July 23, 2019
A A A
المقاربات المتناقضة تؤخر تفعيل التحقيقات… والحكومة متعثرة بلغمي «البساتين والتعيينات
الكاتب: ناجي س. البستاني - الديار

لم تعد مسألة أحداث «قبرشمون» و«البساتين» التي وقعت في 30 حزيران الماضي، عبارة عن مُجرّد خلاف على السُلطة والنُفوذ بين الزعامتين الجُنبلاطيّة والأرسلانيّة في «الجبل»، ولا مُجرّد صراع سياسي مفتوح بين «الحزب التقدمي الإشتراكي» من جهة وأكثر من خصم سياسي له من جهة أخرى، حيث تحوّلت هذه المسألة إلى قضيّة سياسيّة تُهدّد مصير الحكومة، بعد أن شلّت عملها منذ نهاية حزيران الماضي وحتى تاريخه. فهل من أمل في تحقيق الدفع الإيجابي المَطلوب لإنهاء ذيول هذه القضيّة الشائكة، تمهيدًا لإنتظام عمل المؤسّسات من جديد، وفي طليعتها عودة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد، أم أنّ إستمرار الخلافات والتباين في وجهات النظر سيُبقي الحُكومة التي كان من المُفترض أن تكون حكومة «إلى العمل» بحسب الشعار الذي رفعته، مُتعثّرة كليًا، مع كل الآثار السلبيّة على العهد الرئاسي ككل؟!
بحسب مصدر قضائي إنّ المُشكلة الأساسيّة تكمن في إختلاف جذري في مُقاربة القضيّة بين كل من النائب طلال أرسلان والنائب السابق وليد جنبلاط، وكذلك في تفسير ما حدث يوم 30 حزيران الماضي، حيث يعتبر الأوّل أنّ المسألة عبارة عن مُحاولة إغتيال لوزراء ونوّاب كانوا في عداد الموكب، عن طريق كمين مُنظّم ومُحضّر عن سابق تصوّر وتصميم، ما يستوجب إحالة الحادث إلى المجلس العدلي بدون أي تردّد، بينما يرى الثاني أنّ ما حدث هو عبارة عن خلاف مُسلّح وعن إطلاق نار فردي مُتبادل بدون خلفيّات مُسبقة، يُمكن للأجهزة القضائيّة العاديّة البت في تفاصيله. وأضاف أنّ قيادة «الحزب الديموقراطي اللبناني» ترفض من مُنطلق تفسيرها لما حدث، تسليم أي شخص من عداد المَوكب للتحقيق، لأنه من غير الجائز تصنيفهم كمطلوبين أو مُتهمين، وتعتبرهم شُهودًا كانوا في مكان الحادث لحظة تنفيذ مُخطّط الإغتيال، وقاموا بدورهم لجهة توفير الحماية الأمنيّة للشخصيّات السياسيّة ضُمن الموكب، وقد إستشهد إثنان منهم. وتابع المصدر القضائي أنّ مُقاربة «الحزب التقدمي الإشتراكي» للحادث نفسه مُختلفة تمامًا، حيث يتحدّث عن إصرار على عُبور موكب يضمّ عشرات المُسلّحين بين الحُشود الشعبيّة الغاضبة من تصاريح الإستفزاز والتحدّي، وعن قيام المُسلّحين على متن الموكب المذكور بفتح النار عشوائيًا لتسهيل المُرور، الأمر الذي إستجلب ردّ فعل ناري من بعض الأشخاص المُتواجدين في المكان لا أكثر ولا أقلّ، من دون وُجود أيّ نيّات سابقة بفتح النار على أي كان.
ولفت المصدر القضائي إلى أنّ بين هذا الرأي أو ذاك، تجمّدت القضيّة، وصار من الصعب التقدّم أكثر بالتحقيقات الميدانيّة، مُشيرًا إلى أنّ التحقيقات الأوّليّة التي قامت بها «شعبة المعلومات» إختتمت خلال عطلة نهاية الأسبوع، وجرى تسليم الملفّ في الساعات الماضية إلى النائب العام التمييزي بالوكالة القاضي عماد قبلان الذي قام بدوره بإحالة الملفّ إلى المحكمة العسكريّة، وتحديدًا إلى مفوّض الحُكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي بيتر جرمانوس. وأضاف المصدر أنّ القاضي جرمانوس أحال من جهته الملف – بما يتضمّنه من أوراق وأدلّة وإعترافات، إلى مُعاون مفوّض الحُكومة، القاضي كلود غانم، تمهيدًا لإصدار الإستنابات القضائيّة الضروريّة والتي تدخل في سياق مُجريات المُحاكمة التي يُفترض أن يتولّاها قاضي التحقيق العسكري الأوّل. وأوضح المصدر القضائي أنّ الملفّ يتضمّن أفلامًا مُصوّرة عدّة تُقدّم معلومات قيّمة عمّا حصل ميدانيًا، لكن المُشكلة تكمن في غياب إفادات كلّ المُشاركين في الحادث، باستثناء إفادات قلّة قليلة جرى تسليمهم من جانب الحزب «الإشتراكي». وأضاف المصدر القضائي أنّ «الإشتراكي» لم يُسلّم كل المَطلوبين بعد، لا سيّما المُتهمين بإطلاق النار بشكل مُباشر على الموكب وبالتسبّب بسُقوط قتلى وجرحى، بحجّة أن الطرف الآخر لم يُبادر إلى تسليم المُطلوبين من جانبه، بينما «الديموقراطي» لم يُسلّم أي من المَطلوبين من قبله، طالما أنّ الملفّ لم يُحوّل برأيه إلى المرجعيّة القضائيّة الصالحة للبت فيه، أي «المجلس العدلي»، وطالما هناك مُحاولات لتحويل القضيّة من مُحاولة إغتيال واضحة، إلى مُجرّد تبادل لإطلاق النار بين أشخاص مُسلّحين من هنا أو هناك.
من جهة أخرى، أكّدت أوساط سياسيّة أنّ تعمّد تعقيد الحُلول المَطروحة بدأ يُثير الكثير من التساؤلات عن خلفيّاته الحقيقيّة، حيث أنّ المسألة لم تعد مَحصورة بتطويق النائب السابق وليد جنبلاط سياسيًا من عدمه، بل شلّت أعمال الحُكومة بشكل كامل، وأثّرت سلبًا على العهد الرئاسي للعماد ميشال عون. وأضافت أنّ أكثر من مسؤول بدأ يستشعر مُحاولات جدّية لتمرير بند التعيينات المُؤجّلة بدورها منذ أسابيع عدّة، ضُمن إقتراحات التسوية الخاصة بأحداث قبرشمون والبساتين، بحيث تأتي التسوية شاملة وتزيل هذين اللغمين دفعة واحدة. وأكّدت الأوساط السياسيّة نفسها أنّ أحدًا لا يجرؤ على المُجاهرة بهذا الأمر بشكل علني، لكن جرى إسماع بعض الشخصيّات التي تتولّى التفاوض، أمورًا بهذا المعنى من قبل الجانبين المَعنيّين، حيث يتحدّث «الإشتراكي» عن مُحاولة لتطويق جنبلاط أمنيًا وسياسيًا وقضائيًا وإداريًا، تمهيدًا لعزله وإضعافه أكثر فأكثر، وهو ما ستتمّ مُواجهته – بحسب «الإشتراكي»، بينما يتحدّث «الديمقراطي» عن مُحاولة للعودة إلى مُربّعات أمنيّة مُقفلة في الجبل وللإبقاء على الأحاديّة السياسيّة التي تمّ تجاوزها في الإنتخابات النيابيّة ولقطع الطريق مُسبقًا على أي شراكة على مُستوى التعيينات الإداريّة، وهو ما ستتمّ مُواجهته – بحسب «الديموقراطي»!
وكشفت الأوساط السياسيّة أنّ الإجتماعين المُنفصلين اللذين عقدهما رئيس الحكومة سعد الحريري أمس، مع كلّ من وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، ووزير الصناعة وائل أبو فاعور، لم ينجحا في تجاوز العقد بعد في حادثة «البساتين»، على الرغم من مُحاولة الحريري فصل مسألة مُعاودة أعمال مجلس الوزراء عن هذه القضيّة، لسببين: الأوّل الحاجة سريعًا إلى إستكمال الإجراءات الهادفة إلى مُعالجة الوضعين الإقتصادي والمالي بعد الإنتهاء من إقرار مُوازنة العام 2019، والثاني يتمثّل في كون الإجراءات القضائيّة تسير كما هو مرسوم للوُصول إلى العدالة، حيث أنّ النيابة العامة العسكريّة، ستضع في ضوء إستكمالها للتحقيقات، خُلاصة تحقيقاتها بيد السُلطة السياسيّة، لتحديد الوجهة التي ستأخذها هذه القضيّة في المُستقبل القريب.