Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر May 30, 2019
A A A
المطران مطر يعلن رسالة قداسة البابا في يوم الإعلام العالمي

عقد قبل ظهر اليوم في المركز الكاثوليكي للإعلام، مؤتمر صحافي، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، للإعلان عن رسالة قداسة البابا فرنسيس لليوم العالمي الثالث والخمسين لوسائل الإعلام تحت عنوان: “فإننا نحن أعضاء بعضنا لبعض، من جماعات شبكات التواصل الاجتماعي إلى الجماعة البشرية”. على أن يترأس رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر القداس الإلهي للمناسبة، نهار الأحد المقبل الساعة العاشرة والنصف صباحا، في كنيسة القلب الأقدس – بدارو.

رحب المطران مطر بالحضور مقدما الرسالة، وقال: “لقد بلغ عمر هذا التقليد التي شاءته الكنيسة ثلاثة وخمسين عاما إلى اليوم. وقد اتخذ الباباوات المتعاقبون على الكرسي الرسولي لزاما عليهم بأن يوجهوا في مثل هذا اليوم من كل عام رسالة إلى المؤمنين الكاثوليك ومن ثم إلى العالم كله وبخاصة إلى المنضوين تحت لواء الإعلام، يطلبون فيها نشر الحقيقة وتنوير الناس من أجل المواقف التي يقفون والقرارات التي يتخذون”.

أضاف: “لكي ندخل مباشرة إلى فحوى رسالة قداسة البابا فرنسيس لهذا العام 2019 والتي اتخذ لها شعارا من القديس بولس في رسالته إلى أهل أفسس حيث يقول: “نحن أعضاء في جسد واحد بعضنا لبعض”، نطرح على ضمائركم وعلى الضمير العالمي بأسره هذا السؤال: هل تحول الناس فعلا في العالم إلى أعضاء متضامنين في جسد واحد كما يريده رسول الأمم وكما يدعو إليه باسم معلمه يسوع المسيح؟ أم نحن في حال مشرذمة رهيبة حيث العداوة تتخذ لها ساحات ولا أوسع، وحيث عدم التفاهم هو سيد الموقف بين شعوب كثيرة وحيث انقطاع الحوار بين من يفترض فيهم أن يلتقوا على الخير يؤدي بهم إلى بعثرة الصفوف وخسارة فرص التعاون لما فيه مصلحة الجميع؟”

وتابع: “اكثر من كل هذا، إننا نقف أمام مفارقة رهيبة يجب أن نفك لغزها وأن نجد حلا للمشاكل الكثيرة التي تسببها بين الناس. والمفارقة هي في ما ترون بأم العين وفيما تعجبون لحدوثه وعلى غير توقع. فالعالم بات على مقدرة من معرفة كل شيء، والاطلاع على كل ما يجري من أحداث مهما كانت ساحاتها بعيدة. لكن هذا التواصل الصحفي الذي لا سابقة له في تاريخ البشر، لم يقرب الناس بعضهم من بعض، ولا هو حولهم إلى أخوة متضامنين؛ ولم يوحد جهودهم حكما من أجل قيام إنسانية أفضل في علاقاتها وفي تصرفاتها. بل على العكس، وربما صح قول القائلين: أنه بمقدار ما يزيد هذا العالم تواصلا صحافيا ورقميا، بذلك المقدار أيضا يخف التضامن بين أبنائه ويتدنى منسوب تفاهمهم على الأسس الثابتة للتقارب فيما بينهم ولوحدة صفوفهم.

لأجل ذلك يدعو قداسة البابا في رسالته اليوم إلى القيام برحلة علينا جميعا أن نسير فيها فننتقل من شرذمة تسببها الشبكات الإلكترونية نحو الوحدة التي نقيمها بالتفاهم والمحبة في الجماعة البشرية. فيقول قداسته بهذا المعنى أننا جميعا مدعوون لأن نتلاقى. فالإنسان لا يعيش وحده ولا يتقدم. أما شبكات التواصل التي نعرفها اليوم، فهي وإن سهلت لنا طرق الوصول إلى المعرفة وبوسائل لم يكن لها مثيل من قبل، فيمكنها أن تسبب أيضا تزويرا للحقائق واختلاطا في المفاهيم وقلبا للواقع رأسا على عقب. وهي قادرة بهذا المعنى أن تسعى لا إلى نشر المحبة واحترامها، بل إلى ترويج أفكار سياسية واجتماعية لا علاقة لها بالموضوعية ولا باحترام حق الآخر بالكرامة ولا بالحياة السليمة. وفي هذا الاتجاه أيضا يمكن لشبكات الإعلام أن تزيد البعض غباء بترويج الأفكار المسبقة عن الآخرين سواء في مجال التفرقة الإتنية أم في مجال صراع الأديان ومن أجل تأجيج هذا الصراع. فتنقلب هذه الشبكات من جسور مفتوحة للناس لكي يلتقوا بعضهم ببعض إلى مجرد معارض لأفكار مسيئة وهدامة لتواصلهم ولتقدم حياتهم”.

وقال: “يذهب قداسته في عرض السلبيات التي قد تحملها وسائل التواصل الحديثة ليقول أن المعلومات المعروضة عبر هذه الوسائل قد تتحول أيضا إلى شبكات عنكبوت تنقض على فريستها فتحوله من إنسان إلى فرد معزول عن الآخرين وإلى كيان غارق في سلبياته وفي غربته عن أقرانه وعن الحياة الاجتماعية الحقة. كل هذه الأخطار يحملها قداسة البابا لسياسة الكذب التي قد يتعاطاها المغرضون ليستغلوا الآخرين بدلا من أن يسهموا وإياهم في خلق عالم إنساني يعول على أهمية الجماعة المتضامنة على الخير وعلى التواصل الصحيح. وهكذا بعد أن يعرض قداسته الداء الناجم عن الإعلام الخاطئ والمضلل ينتقل إلى وصف الدواء الذي بمقدوره أن يشفي المجتمع من هذه الإصابات الهدامة لحياته وتضامن بنيه. فيقول أن الإنسانية لا تبنى على الكذب بل على الحقيقة وعلى الحقيقة وحدها. وهو الذي يضع أمامه إنجيل الرب القائل: “تعرفون الحق والحق يحرركم”. لهذا يستشهد البابا بالقديس بولس في رسالته إلى أهل أفسس حيث يقول بالتحديد: “أيها الأخوة، انبذوا عنكم الكذب وليكلم كل واحد منكم قريبه بالحق، فإننا أعضاء بعضنا لبعض” (أفسس 4، 25)”.

وأضاف: “كم هو جميل هذا الكلام من رسول الأمم! لأننا إن كنا أعضاء لجسد واحد، فإن هذا يعني أنه يستحيل علينا أن نكذب بعضنا على بعض دون أن نوقع الضرر بالجسد الواحد الذي نمثل. وإن كنا أعضاء في جسد واحد فنحن لا نستطيع أن نتآمر بعضنا على بعض لأننا بذلك نقتل بعضنا بعضا ولن يسلم بيننا من جراء هذه الفعلة أحد. أما إذا أردنا أن نحيا فعلينا أن نحيا معا وأن نتعاون من أجل صحة الجسد الذي ننتمي إليه جميعا فتسلم الجماعة وتسلم لها الحياة وتبقى.

ومن هذا المنطلق يتعمق قداسته بهذا الموضوع ليذكرنا أن هويتنا هي “الإنسان” بذاته وهي هوية تواصلية ومنفتحة على الحياة أصلا ودعوة، ونحن المسيحيين نقر ونعترف أننا جميعا أعضاء في جسد المسيح الواحد. وهذا ما يدفعنا إلى التفكير بأننا لسنا مدعوين إلى أن ينافس أحدنا الآخر ولا أن يهمشه ويلغيه. بل دعوتنا جميعا هي وصول كل منا إلى قمة العطاء وقمة المحبة وقمة الحياة. لا بل أكثر من ذلك، فإن وحدتنا البشرية تنبع من وحدة الثالوث الأقدس. فلندرك بواسطة هذه الحقيقة الإلهية السامية أن الله هو محبة وليس عزلة منفردة. وإن كنا نحن مخلوقين على صورة الله ومثاله فإننا نحن أيضا مدعوون للحب وللتلاقي مع أخوة لنا في هذا العالم.

فإذا تنبهنا لكل هذه الحقائق، أدركنا طريق الخلاص. وهي الطريق التي تلزمنا استعمال وسائل الاتصال لا كبديل لنا من إلتقاء الآخرين، حيث نكتفي بالرقم وبعالم الخيال الواهي، بل نستعملها لكي يصبح اجتماعنا بعضنا مع بعض أكثر حقيقة وأكثر فعلا. علينا الاستفادة من الصحافة الرقمية ولكن من أجل عيشنا المشترك والآخذ بالتوسع والتعمق ضمن جماليات المعرفة ومحبة الحياة”.

وختم مطر: “فلنسع معا أيها الأحباء إلى صحافة حرة ومحررة من التكاذب والاستغلال. ولتكن الصحافة خادمة للجماعة ولتلاقي الناس على أساس إنسانيتهم الواحدة ووطنيتهم الواحدة ومحبتهم الواحدة للحياة وللسعادة. عندئذ تتحول الصحافة إلى وسيلة رجاء وإلى فرصة إنقاذ للإنسانية من كبواتها القاتلة، وتجاه أمنيات نتبادلها بعضنا مع بعض يصبح جواب كل منا للآخر”.