كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”
أعطت الذكرى العشرون لإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الضوء الأخضر الى تيار المستقبل للخروج من “قمقم الاعتكاف” الى فضاء السياسة الرحب، وللتعبير عن وجوده بحشد جماهيري كبير، أكد من خلاله أنه عصيّ على الذوبان في الساحات والتيارات السياسية بالرغم من السنوات الثلاث العجاف، وأن جمهوره كان وما يزال وسيبقى حاضرا على “الندهة” وهو لا يضيّع بوصلة الرئيس الشهيد الباقي في الوجدان مهما إزداد عدّاد السنين، ولا يتخلى عن الرئيس سعد الحريري الذي رد التحية للجمهور الأزرق بأحسن منها، بإعلان العودة الى الحياة السياسية، والمشاركة في كل الاستحقاقات الوطنية والمحطات المقبلة.
أطلقت الذكرى العشرون لإستشهاد رفيق الحريري مرحلة سياسية جديدة، خصوصا أن القوة الحريرية التي واجهت خلال فترة الاعتكاف ظلم ذوي القربى والصداقة والأحلاف الى درجة الطعن والغدر والتنمر، وصولا الى ذهاب البعض الى إجراء “حصر إرث” لتقاسم التركة السياسية بإعتبار أن الحريري الشهيد بات ذكرى، ونجله الرئيس وتياره قد إنتهيا وخرجا من الحياة السياسية، هذه القوة ستعود مجددا وستفرض وجودها، وهي ستتحضر لإستحقاقيّ الانتخابات البلدية والانتخابات النيابية وسيكون لها توجهاتها وتحالفاتها الجديدة التي قد لا تتناسب مع تطلعات بعض أصحاب الرؤوس الحامية الذين ظنوا في لحظات الفراغ أنهم قادرون على تقدم الصفوف وأن يشكلوا بديلا للحريرية السياسية أو أن يكونوا أوصياء عليها.
بالرغم من الأجواء الإيجابية التي سادت صفوف الجمهور الأزرق بعودة تيارهم الى وضعه الطبيعي، إلا أن إشكالية ما زالت تؤرقهم وتترك تساؤلات على مساحة الوطن، وهي هل أن العودة عن الاعتكاف تشمل الرئيس سعد الحريري شخصيا أم أنها تقتصر على التيار الذي قد يكون برئاسة السيدة بهية الحريري؟.
ما بدا واضحا في خطاب الحريري أن العودة مقتصرة حاليا على تيار المستقبل كحزب سياسي، وأن عودته لم يحن أوانها بعد، وهي وإن أزيلت من أمامها الكثير من العقبات الداخلية والاقليمية، إلا أن العقبة السعودية ما تزال قائمة، ولم تظهر أية مؤشرات على رفعها، خصوصا أن أي لقاء لم يحصل بين الرئيس الحريري الذي قام بزيارات عدة وإستقبل شخصيات مختلفة وبين السفير السعودي وليد البخاري، ما يشير الى أن العلاقة مع المملكة ما تزال تحتاج الى مزيد من الوقت لا أحد يعلم متى يحين أوانه.
لا شك في أن إعلان الحريري عن عودة تيار المستقبل الى العمل السياسي، يعتبر مؤشرا جيدا لا بل خطوة متقدمة، خصوصا أنه قادر في حال نجحت قيادته الجديدة في إعادة وصل ما إنقطع مع جمهوره ومناصريه في كل المناطق اللبنانية وإستمالتهم مجددا، وفي حال كانت التحالفات الانتخابية مثمرة، فإنه قد يحصل في الانتخابات النيابية المقبلة على كتلة نيابية وازنة ستجعل من الحريري أمرا واقعا يُفترض التعامل معه والتسليم بضرورة وجوده، أو ربما تعطيه الفرصة لإعادة تقديم أوراق إعتماده للمملكة العربية السعودية كقوة شعبية سياسية ونيابية لا يمكن لأحد أن يتجاوزها.
واللافت، أن الحريري العائد بعد غياب عام، كان خطابه هادئا أكثر من اللازم، وقد غلب عليه المنحى العاطفي المتعلق بوالده وبالعودة عن الاعتكاف، أكثر من رسم خريطة سياسية للمرحلة المقبلة في ظل المتغيرات والتطورات الداخلية والاقليمية. لذلك، آثر الحريري تضميد الجراح الكثيرة التي خلفتها الحرب الاسرائيلية المدمرة بالانحناء إجلالا لأرواح شهداء المقاومة وبيئتها ورفع القبعة لكل من إحتضن وآوى النازحين في محنتهم، معتمدا لغة النصح لخصومه للمشاركة في بناء الدولة والاستفادة من الفرصة السانحة للبنان، مع التأكيد على ثوابت دعم العهد والحكومة وحصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية، والمطالبة بالانسحاب الاسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية، وتنفيذ القرار 1701 من الجانبين، وذلك في رد غير مباشر على كل من يعفي العدو من تطبيق القرار ويشدد في ذلك على المقاومة.
إذا هي مرحلة جديدة دخلها تيار المستقبل، بخطاب عقلاني لرئيسه سعد الحريري الذي حاول مد جسور التواصل إلتزاما بنهج الرئيس الشهيد، دون أن ينسى التشفي بالرئيس السوري بشار الأسد وبنظامه الذي إنهار معتبرا أن في ذلك عدالة إلهية، ومن دون أن يفرط في الحق الفلسطيني ويعلن على الملأ أن الأزمة الفلسطينية لا يمكن أن تحل من حساب مصر والأردن أو من حساب السعودية!!..