Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر October 28, 2017
A A A
المساعدة الأميركية لا نريدها
الكاتب: غسان حجار - النهار

صفّق الحاضرون من قادة روحيين ومسؤولين سياسيين من لبنان ودول المنطقة، للمواقف الواضحة والمباشرة والبعيدة عن الرمادية التي اطلقها نائب الرئيس الاميركي مايكل بنس في مؤتمر “الدفاع عن المسيحيين” في واشنطن، واعتبروا كلماته رسالة دعم قوية للمسيحيين والأقليات في الشرق الأوسط، اذ رأى “أن المسيحية تتعرض اليوم لهجوم غير مسبوق في دول الشرق الأوسط”، وطمأن مسيحيي الشرق الى “أن الولايات المتحدة ستقف دائما إلى جانب من يعانون بسبب ديانتهم، وان المساعدة في طريقها إليهم”.

وقال بنس “إن المسيحيين في العراق مثلا انخفضت أعدادهم بنسبة 80 في المئة”، واستنكر الهجمات التي شنها المتشددون ضد كنائس في مصر والإعدامات التي نفذت بحق رهبان في العراق. وندد بالأعمال الإجرامية التي يرتكبها تنظيم “داعش” بحق الأقليات الدينية في الشرق الأوسط. كلام جميل يرفع معنويات المشاركين في الجلسة يتبعه تصفيق اليائسين الذين يدركون جيدا ان السياسة الاميركية في المنطقة لم تكن يوما الى جانبهم، بل ان ما فعلته هو استخدامهم في مصالحها، والافادة من وجودهم ككتلة تلغي الاحادية في المنطقة. لعل المسيحيين يدركون اكثر من غيرهم ان الادارة الاميركية باعتهم يوما الى دمشق، وسلّطت الوصاية السورية عليهم، ولم يكن الطيران الحربي السوري ليجرؤ على قصف قصر بعبدا لولا الضوء الاخضر الاميركي – الاسرائيلي. وعندما تبدلت السياسة الدولية، أُجبر الجيش السوري على الانسحاب ذليلا من لبنان، واتبع ذلك بحرب سورية داخلية هي بالتأكيد حروب الآخرين على ارض سوريا.

المساعدة التي وعد بها بنس غير مستحبة، لانها لا تنتج الا سياسات عدائية في داخل الدول العربية والاسلامية. فكل تدخل اميركي غير مدروس ينعكس سلباً على الجهة المستهدفة، لتصبح مستهدفة في محيطها، ومضطهدة، وتصير كالغريبة او الدخيلة على هذا المحيط، محيطها الطبيعي، وتوسم بالعمالة بعد حين، علماً ان مفهوم العمالة مستهلَك وسط عمالات من كل نوع تغرق بها اقليات واكثريات هذا الشرق الملعون بالنفط وبالتاريخ.

لا يصدّق المسيحيون الواعون اليوم تلك الرغبة الاميركية الجامحة في مساعدتهم، لان انكساراتهم كلها تحققت من السياسة الاميركية، فمسيحيّو فلسطين هجروا منذ قيام دولة اسرائيل، ومن التضييق الذي مورس عليهم، ومصادرة اراضيهم، ومسيحيّو سوريا هجروا بفعل الحروب المفتعلة حاليا، ومسيحيّو العراق بسبب انفراط عقد الجيش النظامي وترك البلاد في مهب التنظيمات الاصولية والفلتان، ومسيحيّو مصر لم يجدوا اكثر من بيان يشدد على ضرورة حمايتهم، وفي تركيا حدّث ولا حرج. وماذا عن مسيحيي لبنان الذين تُركوا لمصيرهم زمنا طويلا، وتحكّم بهم ضابط عنجر، ولولا مقاومتهم لما امكنهم ان يستمروا، مع كل الخسائر التي منوا بها، والتي لا تزال آثارها تجرجر الى اليوم.

المساعدة لا نريدها اليوم على مزاج رئيس يبدل مواقفه صبحاً ومساء، حتى لا ننام على دعم، ونصحو على مجهول. كفانا.