Beirut weather 18.54 ° C
تاريخ النشر January 12, 2024
A A A
المساعدات للأهالي الصامدين في المناطق الحدوديّة “بالقطّارة”
الكاتب: ندى عبد الرزاق - الديار

بعد مرور حوالى الـ 3 أشهر على عملية طوفان الأقصى، لا تزال المعارك محتدمة في قطاع غزة والمناطق الحدودية الجنوبية اللبنانية، والعدو الإسرائيلي الذي لم يوفّر الأسلحة الفتاكة المحرمة دوليا، قصف المساحات الخضراء الواسعة واحرق المحاصيل الزراعية. ولكن ارض لبنان مباركة، وستظل تنبت بالخيرات الوفيرة، وتفيض حقوله بالخضراوات المجانية.

الزراعة في الجنوب

 

يعتبر الجنوب منطقة زراعية هامة، وبساتينه ممتدة من مدينة صيدا مرورا بصور وصولا الى الناقورة والحدود الشمالية والجنوبية ومزارع شبعا المحتلة وكفرشوبا، التي تتميز بزراعة الزيتون وتنتج زيتا ذا جودة عالية. وتتكثف الزراعات المتنوعة في البيوت البلاستيكية التي تغطي مساحات واسعة من الأراضي الزراعية بحدود الـ 78 في المئة، وهذه المساحات مخصصة لشتل الفاكهة. اما مساحة الغلال الدائمة فتصل الى نحو 70 في المئة، منها 40 في المئة مزروعة بأشجار الزيتون المعمّرة والفريدة، ونحو 35 في المئة مغروسة بالحمضيات.

ولا بد من الإشارة، الى ان الحرب قضت على هذا الموسم بشكل شبه كلّي، كما ان قوات الاحتلال الإسرائيلي سحقت بالقنابل الفوسفورية آلاف الهكتارات الخصبة، فأتلفت اغلبية المنتوجات جراء الاعمال العسكرية، خصوصا في المناطق المتاخمة للحدود الشمالية والجنوبية، مثل بلدة الجبين وعيتا الشعب والخيام وقرى كثيرة أخرى.

الأزمات المعيشية تتفاقم!

ليس خافيا على أحد، ان اللبنانيين عموما والجنوبيين خصوصا يعانون من ازمة مادية حقيقية، جراء الغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية لا سيما السلع الأساسية، مثل البرغل والعدس والأرز والسكر والفاصوليا، وبخاصة ان أسعار هذه الأنواع تضاعفت مرتين وأكثر. وتدهور وضع اولئك الذين لم يتمكنوا من قطاف محاصيلهم، التي كانوا يبيعونها للاستفادة من مردوها لشراء نواقص البيت من المونة الشتوية، التي غالبا ما تكون متوافرة بكل منزل في هذا الفصل.

مختار بلدة الجبين السيد جعفر عقيل قال لـ “الديار”: “بسبب الحرب لم يستطع المواطنون جني محاصيلهم، ويعيش هؤلاء صعوبات جمّة”.

تجهيزات شهر “الميم” أي “محروقات

مدارس ومونة” انتهت قبل ان تبدأ!

وفي هذا الإطار، قالت السيدة نجوى جرجس من بلدة مرجعيون لـ “الديار”: ان “أهالي بلدتها كانوا يطلقون على شهر أيلول شهر “الميم”، حيث يدأب الناس فيه على توفير المحروقات للتدفئة في الشتاء والبرد القارس، ودفع أقساط مدارس الأولاد، الى جانب تهيئة لوازم وأدوات المونة من البان واجبان، والمخللات والمربيات ودبس الخروب والعنب، والقورما و “اللحم المقدد” ومكدوس الباذنجان والفلفل والبندورة الخضراء، لكن التصعيد الأمني أطاح التحضيرات قبل ان تبدأ”.

“التسليق” حل مؤقت لكنه يفي بالغرض!

وتابعت: “ننزل خلسة الى الأراضي القريبة من منازلنا حيث نقوم “بالتسليق”، ويخرج بعض المسنين الى السهول لجني النباتات والحشائش البرية التي تخرج من باطن الأرض بشكل طبيعي إثر الامطار، وهي مفيدة للصحة وغنية بالفيتامينات والمعادن وفقيرة السعرات الحرارية، وخالية من الشوائب والمبيدات الكيميائية التي تُستعمل لرش المزروعات”. وأضافت: “سابقا كانت تجنى هذه النباتات ليعاد بيعها الى التجار وأصحاب عربات بيع الخضر، من اجل تحقيق دخل مادي إضافي، وهذا المردود كان يساند الأهالي ويعينهم على مواجهة أعباء الحياة”.

المواد الأساسية “حلّقت أسعارها”

في موازاة ذلك، قالت السيدة رشا عز الدين من بلدة الخيام لـ “الديار”: “عدا الغلاء الفاحش والتلاعب بأسعار السلع الأساسية في “السوبرماركات”، أقوم “بتسليق” الهندباء وتسمى “علك” او “علت” و “القراص”، بغية الحصول على طعام صحي مفيد للجسم. وهذه الأعشاب تبقى انفع من المعلبات المصنّعة والمسرطنة، والاهم انها تفي بالغرض على الصعيد الغذائي، وبخاصة أننا نعيش في حالة حرب حقيقية. لذلك تعد هذه النباتات نعمة وهدية ربانية للإنسان، لا سيما في الظروف الصعبة واوقات الشدّة”.

الأعشاب البرية تنافس الخضراوات الصليبية

قال الحاج فؤاد، وهو صاحب عربة لبيع الخضر لـ “الديار”: “تعودت شراء الأعشاب البرية من المواطنين الذين يعتمدون على التسليق في مثل هذا الوقت من العام، وتعتبر هذه النباتات مصدر دخل أساسيا لا يستهان به للكثير من العائلات. لكن بسبب الحرب لم يستطع الاهل التسليق، نتيجة خوفهم من الصواريخ والقنابل الفوسفورية التي تلقيها “إسرائيل” بشكل عشوائي على الأماكن المأهولة والدونمات المزروعة”. أضاف: “قد أصبحت هذه الأعشاب مهمة، خاصة بعد ان وصل سعر الخسة الى 90 ألف ليرة وباقة البقدونس الى 50 ل. ل.، وبلغ سعر رزمة الهندباء حوالى 80”.

وأشار الى “ان موسم التسليق كان يؤدي الى تراجع أسواق باقي الخضر نسبيا، مثل: النعناع والبصل الأخضر والبقدونس والملفوف والزعتر، فاتجه الناس الى شراء تلك البرية مثل الهندباء وقرص العنّا والرشاد والقراص واللوف والجرجير والزعتر البري. وهذه الأعشاب تعتبر منذ القدم مصدرا للغذاء الطبيعي، وتطيل العمر وتقي من الإصابة بأمراض مزمنة، وتطيح “الخضار الصليبية”، وهي من فصيلة الكرنبية وتحتوي على العديد من الأجناس والأنواع مثل: القرنبيط والملفوف، الكرنب، الرشاد المزروع، الخس البري، البروكلي، والخضر الورقية الخضراء المشابهة”.

إشارة الى ان الإحصاءات التي أجرتها وزارة الزراعة حول الاعتداءات التي افتعلها العدو الإسرائيلي على الأراضي الجنوبية والتي أدت الى نشوب حرائق، بيّنت تضرر الأعشاب بنحو 10%.

الأبحاث العلمية تؤكد أهمية هذه النباتات

وبحسب صحيفة “ديلى إكسبريس” البريطانية، “فإن هناك خضراوات مفيدة جدا للصحة، لأنها ثرية بالمعادن والفيتامينات التي يحتاج اليها الجسم، وتوصف الخضراوات الصليبية بأنها “قوية”، ولها قدرة فريدة على تنشيط نظام إزالة السموم الطبيعي بالجسم، كما تمنع نمو الخلايا السرطانية والموت المبكر. وتتضمن قائمة الخضراوات الصلبة: الجرجير، الفجل، البروكلي، الكرنب، الخردل، اللفت، القرنبيط وغيرها”.

وهذه الخضراوات مفيدة جدا للجسم، لأنها غنية بالألياف القابلة للذوبان وغير قابلة للذوبان أيضا، وفيتامين سي وفيتامين ب 9 (حمض الفوليك) والبوتاسيوم والسيلينيوم، كما أنها مصدر غنى بـ “الغلوكوزينولات” التي تساعد في مكافحة السرطان.

وأشارت الأبحاث في هذا المجال إلى أن اتباع نظام غذائي غنى بهذه الاصناف، يقلل من خطر الإصابة بالأسقام المزمنة، مثل سرطان الثدي والبنكرياس والمثانية والرئة والبروستاتا والقولون.