Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر January 6, 2024
A A A
“المركزي” يعيد ترتيب تموضع الأرقام لتنسجم مع المعايير الدولية
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

 

أعاد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري بإصداره الخميس الماضي بيان الوضع الموجز للأوضاع المالية للمصرف المركزي نهاية 2023، النقاش حدّ الجدال، حول خسائر مصرف لبنان وتوزّع المسؤوليات عنها، ومصير الودائع التي ذهبت بجريرة موجوداته وأمواله الخاصة، خصوصا بعد إحالة منصوري الخسائر المحققة والأعباء المؤجلة إلى بند مُنشأ ومستقل باسم “عمليات السوق المفتوحة المؤجلة”.

يوضح مضمون البيان تماهي قرار منصوري مع صندوق النقد الدولي، بل يضع ذلك في إطار التعاون مع الصندوق لإرساء مزيد من مبادىء الحوكمة، و”اعتماد سياسة محاسبية” وتقارير “منسجمة مع الأعراف والمعايير الدولية”. وربما يحاول منصوري بذلك إبعاد ما أمكن من الوقت، شبح فقدان الثقة الكلّي للصناديق والمؤسسات الدولية والمانحين، بالنظام المالي والمصرفي اللبناني، وخصوصا المصرف المركزي.

خطوة منصوري في علميتها ورمزيتها تأتي وفق مصادر متابعة في سياق إرساء صدقية لأرقام الخسائر والموجودات والمتبقي من الإحتياط والودائع، بعدما طاولها الكثير من الطعن بصدقيتها وشفافيتها، وبقيت منذ نشوء الأزمة حتى تاريخه مثار جدال واتهامات وتحاليل تداخل فيها السياسي مع الإقتصادي مع وجهات النظر.

مرة جديدة، وليست الأولى وربما لن تكون الأخيرة، يعيد مصرف لبنان تكرار التصدي بمفرده للأزمة النقدية، محاولا تصويب الأوضاع والأرقام ووضعها في سياق من الوضوح الكلّي إلتزاما لوعده بتطبيق الشفافية في بياناته وأرقامه، وهو بذلك يؤكد أن شراء الوقت لأهل السلطة والدولة “لا يزال ساري الثقافة”، علّهم يفيقون من سباتهم. ووفق المصادر عينها فإن “كل ما أقدم عليه وما سيقدم عليه مستقبلا مصرف لبنان لا استدامة إيجابية له، إذا لم تحزم الدولة أمرها وتتجرأ على وضع نقاط المسؤولية على حروف الإعتراف بالخسائر المحققة، وبمسؤوليتها مع المصارف ومصرف لبنان، وتوزيع المسؤوليات والسير الجدي في سبل ومسارات تعيد ترتيب البيت النقدي بما يسمح بعودة سليمة للإقتصاد وإعادة إطلاق مشاريع الإنقاذ”.

إذاً، نشر مصرف لبنان بيان الوضع الموجز الذي تعهّد منصوري نشره ليعكس حقيقة الوضع المالي للمصرف بشفافية، معلنا وقف العمل بمبدأ الـ seigniorage لتوضيح الأعباء المؤجلة تحت بند جديد ومستقل باسم “عمليات السوق المفتوحة المؤجلة”، فنقل معظم محتويات بندَي “الأصول الأخرى” و”موجودات ناتجة عن عمليات مقايضة على أدوات مالية” إلى بند مستحدث سمّاه “عمليات السوق المفتوحة المؤجلة”.

ووفق الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جباعي، فإن بيان مصرف لبنان المالي يأتي في سياق الشفافية المالية التي كان قد وعد بها الحاكم بالانابة وسيم منصوري من خلال نشر بيان الوضع الموجز الذي تعهّد نشره لمراعاة الاصول المالية الدولية في هذا الشأن. وقد لجأ اليوم مصرف لبنان الى عرض مطلوباته وموجوداته، لاحظاً بعض التعديلات على البيان التي كانت متبعة سابقا. فالاعباء المؤجلة الناتجة عن معاملات السوق المفتوحة والتي كانت تسجَّل تحت بند “الأصول الأخرى”، وهي موجودات ناتجة عن عمليات مقايضة على أدوات مالية، وُضعت حاليا تحت خانة “عمليات السوق المفتوحة المؤجلة” وهي بقيمة 118 الف مليار ليرة، وهي مبالغ مستحقة على الدولة لمصلحة مصرف لبنان. ويأتي ذلك وفق جباعي “بغية اضفاء شفافية أكبر على هذه الموجودات كونها موجودة لدى مصرف لبنان كأوراق مالية، وتاليا لا تُعتبر موجودات فورية بل مؤجلة وتخضع لقدرة الدولة على تسديدها لمصرف لبنان لاحقا، على أن تسجل خسائر في حال لم تستطع الدولة تسديدها، خصوصا أن الجميع يعرف أن الدولة اللبنانية تعاني عجزا في الموازنة وليس لديها فائض في الخزينة بالدولار لرد ما يتوجب عليها الى مصرف لبنان وفقا للمادة 113 من قانون النقد والتسليف”. وقد تمّت تسمية هذا البند “عمليات السوق المفتوحة المؤجلة”، اسوة بما هو معمول به في المصارف المركزية العالمية في أوروبا وأميركا، ويأتي في سياق مراعاة “المركزي” للمعايير الدولية والشفافية والوضوح المطلوب دوليا، وتحديدا من صندوق النقد الدولي الذي طلب تحديد كل الاصول والموجودات بشكل واضح، بما يُعتبر مدخلا للعلاقة مع المجتمع المالي عالميا وعربيا.

وقد أعلن مصرف لبنان أنه بدأ العمل مع صندوق النقد الدولي على مشروع Safeguards Assessmentالذي يتضمن في أحد محاوره إعادة النظر بالسياسة المحاسبية والتقارير والإفصاحات المالية، للتأكيد على اتباع أفضل مبادئ الحوكمة والشفافية، بما يؤكد، وفق جباعي، أن “ثمة معايير دولية مختلفة تراعي نظام الحوكمة والشفافية في الملفات المحاسبية، وأن مصرف لبنان يعمل كمؤسسة ويقدم عمله بشكل واضح بما يعطي فرصة لنقول للمجتمع الدولي والمعنيين بالملف المالي أن مصرف لبنان يعتمد الاطر الدولية الحقيقية، فيما كل الارقام التي أوردها بيان مصرف لبنان مرتبطة بالمعايير الدولية، ويبرهن أن منصوري نجح في فصل السياسة النقدية عن السياسة المالية وينفذ شروط الصندوق والمؤسسات الدولية على أمل أن تساهم هذه الاجراءات بوضع لبنان على السكة”.
الى ذلك، أكدت مصادر مقربة من الحاكم بالإنابة أنه يقوم بورشة اصلاحية وتنظيمية في مصرف لبنان يعكف على انجازها خلال شهر من الآن، على أن يعقد مؤتمرا صحافيا يعلن خلاله خلاصة ما توصّل اليه في هذه الورشة.

والملاحظ أن الاحتياط ارتفع من نحو 8.573 مليار دولار الى نحو 9.321 مليار دولار بارتفاع نحو 748 مليون دولار، الامر الذي يعكس وفق مصادر مصرف لبنان قدرة “المركزي” على شراء بعض الدولارات من السوق من دون أن يتأثر سعر الصرف، وصوابية قرار الحاكم بالانابة بعدم تمويل الدولة، اضافة الى التنظيم الذي يعتمده حيال ضبط مصاريف الوزارات، عدا عن نحو 150 مليون دولار ناتجة عن تغير سعر صرف اليورو، لأن جزءا من الاحتياط هو باليورو. وإذ توقعت المصادر أن يرتفع الاحتياط خلال الشهر المقبل الى نحو مليار دولار، لاحظت عدم ارتفاع سعر الصرف على رغم أن كل الشركات والمتعهدين قبضوا مستحقاتهم، علما أن بعض المضاربين حاول التلاعب بسعر الصرف بعد الضربة الاسرائيلية في الضاحية ولكن تم ضبط الموضوع.

وكان مصرف لبنان أصدر بيانا لفت فيه الى أنه “بناء على مبدأ الإلتزام بالمعايير المحاسبية الدولية، والأعراف والممارسات الفضلى ومنها الصادرة عن بنك التسويات الدولية 68BIS Bulletin No ، والتي تشير الى أن الخسائر والأموال الخاصة السلبية للمصارف المركزية يمكن تسجيلها كخسائر محققة وغير محققة في السنة الحالية والسنوات اللاحقة، على غرار المعايير التي اتبعت أخيرا من العديد من المصارف المركزية عالميا، وبما أن المادة 113 من قانون النقد والتسليف تنص على أنه إذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً، تغطى الخسارة من الإحتياط العام، وعند عدم وجود هذا الإحتياط أو عدم كفايته تغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة. وبما أن الوضع المالي العام ووضع الخزينة اليوم لا يسمحان بتغطية خسائر مصرف لبنان المتراكمة من دون أن يتم ذلك من ضمن خطة إصلاح مالي عامة تشمل الودائع في المصارف ووضع المصارف أيضا، والتماساً للشفافية في عرض الأرقام والوضوح في التقارير المالية المنشورة، يظهر بيان الوضع الموجز كما في 31/12/2023، وقف العمل بمبدأ الـ Seigniorage لتوضيح جميع الأعباء المؤجلة تحت بند جديد ومستقل باسم عمليات السوق المفتوحة المؤجلة، مما يجعل قراءة الخسائر المحققة وتلك المؤجلة منسجمة مع المعايير والأعراف الدولية”.

كما اعلن مصرف لبنان أنه بدأ العمل مع صندوق النقد الدولي على مشروع Safeguards Assessment الذي يتضمن في أحد محاوره إعادة النظر بالسياسة المحاسبية والتقارير والإفصاحات المالية للتأكيد على اتباع أفضل مبادئ الحوكمة والشفافية. ووفقا لقرار المجلس المركزي رقم 23/36/45 المنعقد في تاريخ 20/12/2023 تم تعليق القرارات المتعلقة بالـ seigniorage، وعليه تم نقل مجموع الاعباء المؤجلة عن عمليات السوق المفتوحة من الموجودات الاخرى المختلفة والموجودات الناتجة عن عملية مقايضة على ادوات مالية والبالغ 118.9 الف مليار ليرة كما في 31/12/2023 الى البند الجديد باسم “عمليات السوق المفتوحة” المؤجلة.

بالنسبة الى الموجودات بالعملات الأجنبية، اعلن مصرف لبنان أنها تتضمن موجودات سائلة بقيمة 9.321 مليارات دولار (8.573 مليارات دولار كما في 31/07/2023).

وأشار الى أن “التسليفات للقطاع العام تتضمن تسهيلات لوزارة المال استناداً الى المادتين 85 و97 من قانون النقد والتسليف… لذا قام مصرف لبنان منذ نهاية العام 2007 بتسديد مدفوعات عن الدولة اللبنانية بالعملات الأجنبية من احتياطاته وذلك ريثما تقوم الدولة بسداد هذه المبالغ بالعملة الأجنبية لاحقاً. ومقابل هذه المدفوعات، تم تخصيص قيمة موازية بالليرة اللبنانية بمثابة ضمانة نقدية وفقا لمعدل صرف مقداره 1,507.5 ليرات لبنانية للدولار الواحد”، وبعدما تم بتاريخ 01/02/2023 اعتماد معدل صرف 15 الف ليرة بدلا من 1,507.5، أصبح الرصيد التراكمي الصافي للمبالغ المسددة عن الدولة بالعملات الاجنبية يفوق قيمة الضمانة النقدية، فنتج عن ذلك صاف مدين لمصلحة مصرف لبنان ما استوجب اظهار ما يوازي بالليرة اللبنانية رصيد المدفوعات الصافي”.