Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر August 9, 2023
A A A
المرتضى: مفتاح الأزمة الرئاسية هجر المناكفات والمضي الى حوار عقلاني واع حول المخاطر التي تحاصرنا

شدّد وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى على ان الازمة الرئاسية مفتاحُ حلِّها أن نهجرَ المناكفاتِ ونمضي إلى حوار عقلانيٍّ واعٍ، حول المخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية والكيانية التي تحاصر البلد. ساعتذاك لا بدَّ لنا أن نلتقي على رصيف من التفاهم، دللنا الثنائي الوطني الجميع عليه منذ البداية.”

وقال :” إن الازمة المناقبية التي يحاولون زرعَها في مجتمعنا، عبر طرح مفاهيم اجتماعية تأباها تعاليمنا وتقاليدُنا ويرفضُها تراثُنا الدينيُّ والإنسانيّ، مفتاحُ مواجهتِها أن نهجرَ الدعايات التي أنشأتها الصهيونيةُ العالميةُ خصوصًا لتدمير المجتمعات، وهي تتجلّى في مظاهر عديدةٍ منها عمليات إحراق المصحف الكريم، في أكثرَ من دولةٍ غربية.

مشيرًا الى انه “بغضِّ نظرٍ من السلطات الرسمية هناك في أغلب الأحيان. إنني أكرر في هذا الإطار ما قلتُه في تغريدة سابقة، من أنني لا أصدِّقُ أنَّ مسيحيًّا حقيقيًّا مؤمنًا بدينه يقبلُ بأن تُحرَقَ سورةُ مريم، وأن الفاعلين لتلك الجريمة النكراء، مهما كان انتماؤهم الدينيُّ أو العقائدي، ليسوا سوى دمًى يحرِّكُها الفكرُ الصهيونيُّ المتطرف.”

أضاف :”والأزمةُ الاقتصاديةُ التي تضيِّقُ الخناق على المواطنين، مفتاحُ معالجتِها أن نهجر المواقف الرمادية ونمضي إلى علاقات اقتصادية متاحة مع الدول الجاهزةِ لمساعدتِنا، بدل الاكتفاء بالانصياع إلى تلك التي تفرض الحصار على شعبنا”.

ودعا الى ان “نهاجر معًا في رحلةٍ إلى واقعنا الراهن نسعى فيها، على غرار ما فعل الشيخ المهاجر، إلى تحصين الوعي الوطني حول الأزمات التي تكتنفُنا.

كلام الوزير المرتضى جاء خلال رعايته وحضوره تكريم العلامة القاضي المحقق الشيخ جعفر المهاجر لمنحه “جائزة الفارابي العالمية “في حفل اقيم في مقر المكتبة الوطنية-الصنائع وبحضور السفير الايراني في لبنان مجتبى اماني والمستشار الثقافي الايراني كميل باقر وحشد من الفاعليات السياسية والثقافية والاعلامية

وفيما يلي كلمة الوزير التي استهلها قائلا: “في موثوق سيرته أن مولدَه سُجِّلَ أولًا على غلاف كتاب الأنوار النعمانية، قبل أن يسجَّل في دوائر النفوس، كأنما كان ذلك إشارةً استباقيًّةً إلى أنه سيكون طيلة عمره مستضيئًا بأنوار العلم، مستمتعًا بنعمائِها.

​لكنَّ نصيبَه من اسمِه لم يقف عند حدِّ تدوينةٍ على غلاف كتاب. فهو كسميِّه شقيقِ أميرِ المؤمنين، مهاجرٌ خلف الحقِّ، طيارٌ إليه بجناحين من إيمانٍ وعمل، مناضلٌ في سبيله بالقلم، حتى كأنَّ له في كلِّ مصنَّفٍ وَضَعَ أو ترجمَ أو حقَّقَ أو نشر، ساحةَ جهادٍ ومعترَكَ حروف.

والحقيقةُ أن امتشاقَ اليراعةِ في كثيرٍ من الأحيان أمضى من امتشاق السيف بخلاف ما ذهب إليه أبو تمام. ذلك أن معركة الوعي أشدُّ ضراوةً من أي معركةٍ عسكرية، لأن بنك أهدافِها يتجاوز مِساحةَ المكان ليطاول مَسافةَ الزمان بكل مواقيتِه من ماضٍ وحاضرٍ وآتٍ. غيرَ أنَّ المنتصر فيها بالنتيجة، هو الواعي لحقيقة انتمائه، المستمسكُ بتراثه، المتشبث بهويته، والباني مستقبل أجياله على قواعد التطور العلمي، ولكن، مع التزامٍ كاملٍ بالقيم الدينية والإنسانية والاجتماعية التي تراكمت في وجدانِ أمته على كرِّ العصور.

​وليس خافيًا على أحدٍ أن الشيخ جعفر المهاجر مضى إلى معركة الوعي بكامل عُدَّتِه المعرفية التي اكتنزَها تراثًا وكَسْبًا على امتداد سنيه. وأن فتوحاتِه فيها أثمرت عن قُرابةِ خمسةٍ وثلاثين كتابًا، وأنه خاضَها انتصارًا تِلوَ انتصار، ماسحًا الغبار عن حِقَبٍ ضيَّعَها النسيانُ، فأعادها حبرُه إلى رونق تاريخها الحي. هكذا بين الفقيه والأكاديميّ والمؤرخ والمربّي على أصول البحث العلمي، لم يغادر الشيخ المهاجر حَوْمَةَ الصفحات، ولم يتركْ ميدان السطور.

​ولم يكن جهادُه في اجتهادِه أقلَّ من الدأبِ المستمرِّ على إماطة العتماتِ عن أزمنةٍ ورجالٍ ومواضع؛ ولا أدنى من مسح الغبار عن تاريخٍ نورانيٍّ كان فيه العلمُ كثيرًا، والعلماءُ قليلًا، محفورٍ في ذاكرةِ جبلٍ من جنوبِ لبنان، عالٍ عُلُوَّه، متروكٍ مثلَه إلى غياهب الحرمان. فإذا به يهاجرُ في الزمن إلى ذلك التاريخ، وكما يفعل الرحّالةُ، يرجعُ إلينا من الماضي بكنوزٍ وفيرةِ الأحداثِ والأشخاصِ والمنجزات.

​هجرةٌ في الزمان وأخرى في المكان. كأنما أراد أن يستنفدَ كلَّ معاني اسمه في الترحُّلِ من موضعٍ إلى آخر طلبًا للعلم واستكشافًا للتاريخ. ولعلَّ واحدةً من أهمِّ هجراتِه توغُّلُه في خبايا تكوين المجتمع الذي انتمى إليه، وإسهاماته الثقافية في تِبيانِ أهمية التأثير المتبادل بين التاريخ والجغرافيا، كلٍّ منهما على الآخر، ومنهما كليهما على الإنسان. من هنا كان تأسيسه لمركز “بهاء الدين العاملي للأبحاث والدراسات التاريخية”، بوابةً لطلبةِ العلم وأهل الاختصاص يدخلونَها إلى رحابِ المعرفة القائمةِ على أساسِ المنهج العلميّ المتجرد، والمنتمي أيضًا إلى حقيقةِ الواقعِ المجردة.

​مكانٌ واحدٌ خالف فيه معنى اسمه فلم يهاجرْ منه. إنه العلم الذي استوطنه وبنى له فيه بيتًا باذخًا، وشرَّعَ ساحاتِه لرياح الثقافة الدينية، وجعله مقصَدًا لكلِّ راغب، مؤسساً، أطال الله بعمره، للهجرة الأخيرة إلى الله تعالى، بأن يكون عندها قد حقق كلِّ مقاصدِ الحديث الشريف: “إذا مات ابن آدم انقطعَ عملُه إلاّ من ثلاث: صدقة جارية وعلم يُنتَفَعُ به وولدٌ صالحٌ يدعو له”.

​أيها الأصدقاء

​تعالوا نهاجر معًا في رحلةٍ إلى واقعنا الراهن نسعى فيها، على غرار ما فعل الشيخ المهاجر، إلى تحصين الوعي الوطني حول الأزمات التي تكتنفُنا. فالأزمة الرئاسية مفتاحُ حلِّها أن نهجرَ المناكفاتِ ونمضي إلى حوار عقلانيٍّ واعٍ، حول المخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية والكيانية التي تحاصر البلد. ساعتذاك لا بدَّ لنا أن نلتقي على رصيف من التفاهم دللنا الجميع عليه منذ البداية.

والأزمةُ المناقبية التي يحاولون زرعَها في مجتمعنا، عبر طرح مفاهيم اجتماعية تأباها تعاليمنا وتقاليدُنا ويرفضُها تراثُنا الدينيُّ والإنسانيّ، مفتاحُ مواجهتِها أن نهجرَ الدعايات التي أنشأتها الصهيونيةُ العالميةُ خصوصًا لتدمير المجتمعات، وهي تتجلّى في مظاهر عديدةٍ منها عمليات إحراق المصحف الكريم، في أكثرَ من دولةٍ غربية، وبغضِّ نظرٍ من السلطات الرسمية هناك في أغلب الأحيان. إنني أكرر في هذا الإطار ما قلتُه في تغريدة سابقة، من أنني لا أصدِّقُ أنَّ مسيحيًّا حقيقيًّا مؤمنًا بدينه يقبلُ بأن تُحرَقَ سورةُ مريم، وأن الفاعلين لتلك الجريمة النكراء، مهما كان انتماؤهم الدينيُّ أو العقائدي، ليسوا سوى دمًى يحرِّكُها الفكرُ الصهيونيُّ المتطرف.

والأزمةُ الاقتصاديةُ التي تضيِّقُ الخناق على المواطنين، مفتاحُ معالجتِها أن نهجر المواقف الرمادية ونمضي إلى علاقات اقتصادية متاحة مع الدول الجاهزةِ لمساعدتِنا، بدل الاكتفاء بالانصياع إلى تلك التي تفرض الحصار على شعبنا.

​وفي الختام، في كثير من التقدير أنوّه بمنح الشيخ المهاجر جائزة الفارابي المميزة، فإنه جدير بها لكثرة ما أغنى الثقافة الوطنية والإسلامية بجهوده النيرة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.