Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر March 30, 2018
A A A
المجتمع المدني.. استغلال ثم تخلَّ؟
الكاتب: روزانا رمّال - البناء

كان صيف العام 2015 في لبنان قاب قوسين أو أدنى من إنتاج ثورة شعبية على السلطة القائمة نتيجة تفاقم ملف النفايات التي كانت ملفاً مفصلياً بالنسبة للبنانيين، ولا يزال الملف بكل تفرعاته ومخارجه ملتبساً، لكن الاهم ان ما كان يحضر حينها جدياً بكل ما للكلمة من معنى وبالعودة الى اصول أزمة النفايات، فإنه يكفي العودة الى ازمة النفايات في ايطاليا العام 2008 وحجم قدرتها على التأثير على إسقاط حكومة وتغيير وجه البلاد إيصال مرشحين للسلطة أحد نماذجها وأكبر عناوينها الرئيس السابق سيلفيو برلسكوني الذي استفاد من هذه الأزمة انتخابياً بعد أن اتهم بأنه أرسل الجيش الايطالي إلى نابولي لدعم شعبيته مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في أيار من ذلك العام.

أيار اليوم الذي يعود إلى لبنان بصورة مغايرة عما كان مفترضاً أن يكون عليه بالشكل، يعود بدون الوجوه التي أرادت إحداث التغيير في الشارع والتي كادت تطيح بالأمن والاستقرار فعلياً حتى صارت رسائل أجهزة الأمن تتطاير في محيط دول المتوسط للتحذير من مغبة استغلال الدول الطامعة بورقة لبنان من أن تتدهور الامور وتصل الى اشتباك بين الناس.

الحملات الإعلامية حينها أكدت ان هذه الاستفادة والهجمة على السلطة كانت مدروسة وأن حركة الناس العفوية قوبلت باهتمام بعض الدول الخليجية التي ضخّت أموالاً على وسائل إعلام فتحت الهواء في أغلب ساعات النهار والليل من اجل تغطية ما يجري في مشهد كان يذكّر العرب بتغطيات «قناة الجزيرة» لـ«الثورات» العربية، وكأن هذا ما سيتجه اليه لبنان.

المعلومات أكدت دخول جهات ارادت استغلال احتساب نقاط الربح والخسارة ضمن المحاور، خصوصاً تلك المدعومة من تركيا وحلفائها من الخليج من أجل إدخال لبنان بالفوضى وإرهاق حزب الله من الداخل حتى أن الحملات المدروسة أصرّت على التسخيف والنيل من كل الرموز تحضيراً للانقضاض الشعبي الكبير، ومن ضمنها النيل من هالة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وإقحامه ضمن دائرة الفساد «كلن يعني كلن». وبعد أن تندلع الاشتباكات بين السلطة والمتظاهرين تدخل المجموعات الارهابية لبنان على وقع خسائر كبرى في سورية للمواجهة مع حزب الله. وبغض النظر عن تكافؤ القوى من عددمها إلا أن أهدافاً كهزّ الاستقرار اللبناني وإشغال حزب الله يبقى هدفاً أساسياً لـ«اسرائيل» الداعمة لتلك المجموعات التي كانت لا تزال تحتمي في جرود عرسال وبعلبك وعلى الحدود مع سورية وكان المفاجئ حينها ان يعلو سقف المطالب من مطلب إيجاد حل للنفايات الى اسقاط النظام.

عملياً، يقترب الاستحقاق الانتخابي وهذه الكتلة الشعبية التي كان من المفترض أن تشكّل اليوم بعناصرها وخزّانها البشري الذي نزل الى الساحات مطالباً بالتغيير، عاجزة عن التقدّم في اي ساحة ما خلا احتمال بعض الخرق في العاصمة بيروت، ويبقى احتمال لمرشحين عن المجتمع المدني بسبب عدم القدرة على الانضمام للوائح او حتى تشكيلها في بعض الأحيان حسب القانون الجديد. وهذا يعني أيضاً أنه حتى ولو كان هؤلاء ينوون الترشح وفق نظام آخر أيٍّ كان فإنهم عملياً لا يملكون اي كتلة وازنة لغياب المشروع. وبالتالي تتكشّف ذيول مؤامرة كانت تتحضّر فعلياً للبنان في ذلك الوقت لولا التصدي المباشر لها عبر رسائل وصلت للمعنيين بعد قرار ضبط التظاهرات بشكل حازم، فعرفوا أن اي اشتباك سيكون مؤلماً اضافة إلى ان التقدم في سورية أفشل هذا المشروع الذي تحدثت عنه قوى محلية كثيرة بدون أن تلغي هذه المطالب.

المشكلة الحقيقية هي أن المجتمع المدني كان امام فرصة حقيقية في ذلك الوقت لتأطير نفسه، لكن فشل المشاريع السياسية رفعت اليد عن دعمه على الرغم من وجود لائحة مدعومة من سفارات خليجية ضمن هذا الإطار، إلا ان ذلك لا يعني أن هؤلاء كانوا قادرين على إحداث اي تغيير او فارق. فالفشل اليوم في التأطير يؤكد ان كل جهة منهم كانت تعمل على أساس شخصي أو فردي بدون الوجهة المتكاملة ويؤكد أيضاً أنه كان معمولاً على استغلالهم من قبل المشاريع الخارجية ثم التخلي عنهم بوجه آخر من وجوه السلطة. وهو الأمر نفسه الذي حصل في مصر واليوم يفوز السيسي بنتيجة كاسحة تشبه تماماً نتائج فوز الرئيس السابق حسني مبارك. فشيء لن يتغير في الحياة الديمقراطية وفق الجهات تلك.

المؤسف أن هناك فئات ومجموعات من المجتمع المدني النشيط والفاعل و«المحترم» الذي يخوض المعركة الانتخابية باللحم الحي من دون أي دعم من القوى السياسية وهؤلاء لا تعد أرقامهم بنتائج، حسب التوقعات الحالية، لكن وبالعودة الى صيف عام 2015 تتوضح مخاطر استغلال الازمات المعيشية لغايات خارجية من جهة، لكن هناك عبرة ممكن أخذها على الساحة اللبنانية التي استطاعت الاستفادة مما جرى بحكمة أولاً باعتبار ما جرى إنذاراً لتغيير قانون الانتخاب وقد تغير بالفعل. والثاني التيقن من أن هناك فئة من الشباب تواقة للتغيير ومكافحة الفساد. وربما هذا صار أقرب من أي وقت مضى بعد الانتخابات لأن الأحزاب الكبرى أحسّت بمخاطر هذا الملف على مستقبلها.