Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر August 2, 2019
A A A
«المتشائمون.. المتفائلون والواقعيون…»
الكاتب: د. فؤاد زمكحل - الجمهورية

لا شك أننا نعيش في لبنان حالياً فترة اقتصادية غير نمطية. بالفعل، فقد تحولت هذه الأزمة الاقتصادية أولاً إلى أزمة اجتماعية، ومن ثم اتّخذت شكل الذعر النقدي، لتصبح أخيراً أزمة سيولة غير مسبوقة أدّت إلى تجميد سوقنا واستثماراتنا واحتمال خلق فرص العمل وارتفاع البطالة الخانقة.
يقول المتشائمون بأنّ الوضع الحالي أفضل بكثير ممّا هو متوقع في المستقبل القريب. سوف تسمعونهم يصرخون بصوت عالٍ في الصالونات المكتظة بالناس بأن الدولة على حافة الهاوية، وأنها لا تجرؤ على قبول إفلاسها المؤكد أو إعلانه، وأن الليرة اللبنانية «ستنهار» من يوم إلى آخر، وأننا لن نتلقّى فلساً واحداً من الدول المانحة لمؤتمر CEDRE، وأنّ الغاز والنفط الموعود بهما هما موضوع خيالي بحت لأنّ جميع الموارد الطبيعية قد تم ضخُّها بالفعل من قبل جيراننا، وأنه يتم الإستعداد للحرب من وراء الكواليس لمواجهة الأعمال الانتقامية والتوترات الإقليمية …

أما المتفائلون، فسيكونون أكثر تحفظاً وسيهمسون بصوت خجول بأنّ الميزانية التي تم التصويت عليها هي بداية ممتازة، معبّرين عن رؤية اقتصادية ايجابية، وبأن دولتنا قد قررت أخيراً التقشف وتنفيذ خطة إصلاح وخطة إستراتيجية اجتماعية اقتصادية جديدة من شأنها أن تعطي نفساً ايجابياً معيّناً لاقتصادنا، وأننا في بداية منحنى النمو، وأننا سنهزم جميع الأرقام القياسية بعدد السياح المتوقع قدومهم هذا الصيف، وأن عصر الفساد قد انتهى وأنه سوف يتم القبض والحكم على الجناة، وأننا سنحصل في الأسابيع المقبلة على 11 مليار دولار تعهّدت بها الجهات المانحة الدولية، وأن الغاز والنفط سوف يتدفقان في حنفياتنا قريباً وأننا سنغطي ديوننا العامة بسرعة فائقة …

أخيراً، سيقول لكم الواقعيون إن وجود ميزانية هو أفضل بكثير من عدم وجودها لمدة 15 عاماً على التوالي، لكنهم سيذكّرون أن هذا ليس ترفاً أو نجاحاً أو إنجازاً رائعاً يمكننا التباهي به، أو حتى معجزة إلهية؛ لكن قبل كل شيء هذا حق أساسي لأيّ شعب أو أمة تحترم نفسها. سيذكّرون بالأرقام أنه في كل مرة تزيد فيها الدولة الضرائب والرسوم الجمركية، تتناقص إيراداتها بسبب التهريب الذي من جهة اخرى يتزايد باستمرار. سيقولون لكم أيضاً إنه من خلال زيادة الضرائب على الفائدة المصرفية، ستزيد إيرادات الدولة، ولكن ستتم «مرافقتها» أيضاً بزيادة اسعار الفائدة التي يتعين على الدولة نفسها سدادها بشكل مباشر أو غير مباشر لخدمة ديونها الداخلية.

سيصرّ الواقعيون على أنّ المجتمع الدولي لا ينتظر حقاً خطة مكتوبة بخط اليد او خطة ستبقى حبراً على ورق، ولا شعارات او مجرد «شعر»، ولن يحكم علينا حسب النوايا، بل سينظر أكثر في عملية تطبيق الإصلاحات الموعودة، ومتابعة الاستراتيجيات المقدمة وخاصة النتائج الملموسة والحقيقية في المدى القصير والمتوسط والطويل.

سيذكّر الواقعيون بأنّ مؤتمر CEDRE لن يموّل الوزارات بل المشروعات الواضحة والمحددة جيدا والمدروسة والمراقبة والمراجعة من خلال عمليات التدقيق الداخلية والخارجية والمحلية والدولية، بعد مناقصات شفافة تطبق أعلى معايير الحوكمة الدولية والرشيدة وأنه سيموّل خاصة هذه المشاريع على أساس «التدفق النقدي» بالتوازي مع مراحل الإنجازات…

سيقول هؤلاء الواقعيون أنفسهم إنهم يأملون في الكثير من الموارد الطبيعية، لكنهم سيذكّرون أيضاً أنّ البلدان المصدّرة الجديدة التي سبقتنا لأكثر من 10 سنوات مثل قبرص ومصر وحتى إسرائيل، لم تتمكن بعد من ضخّ دولار واحد في اقتصادياتها ولا تزال تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية بارزة…

سيقولون لكم بكل ثقة إنّ هذا المشروع هو طويل الأجل، وإنّ رجال السياسة في لبنان لا يحتاجون إلى الاندفاع لتقسيم أجزاء الكعكة أو بالأحرى هذا ما يسمى البلوكات (بالتحديد البلوك 4 و 9) التي سيبدأ تنقيبها قريباً، مع العلم أن البلوكات الأخرى التي لا تزال معلقة من غير المرجح وفق العديد من الدراسات أن تخفي مفاجآت جيدة. لذلك نحن نتوقع أن يكون هناك عدد قليل جداً من الشركات الدولية التي ستجرؤ على المغامرة في هذه البلوكات الأخرى..

أخيراً، سيقول لكم الرياديون الشجعان وذوو القلوب القوية إنه على الرغم من هذه الرؤى المتشائمة والمتفائلة والواقعية، لن يتوقفوا عن المثابرة، واستقطاب الفرص المتخفية ضمن ركام الأزمات، ولن يتركوا «السفينة» في عرض البحر، وقبل كل شيء لن يدعوها تغرق…

دعونا نحاول جميعا أن نكون رياديين حقيقيين واقعيين ومثابرين!