Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر July 2, 2016
A A A
المانيا وإيطاليا: حلفاء حرب وأعداء كرة
الكاتب: محمد خليل - الأخبار

هي القمة الكلاسيكية الألمانية – الإيطالية من جديد. هو “دربي/ كلاسيكو” أوروبا الذي يجمع بين المنتخبين اللذين لعبا ما مجموعه أربع عشرة مباراة نهائية في كأس العالم، أي مرتين أكثر مما فعلت باقي منتخبات “القارة العجوز” مجتمعة. أرقامٌ تثبت تفوّقاً واضحاً للمنتخبين على جيرانهم، وتعكس أيضاً عمق المنافسة الكروية على زعامة القارة بين “المانشافت و”الآزوري”.

منافسةٌ تتعدى المستطيل الأخضر في كثير من الأحيان، ويُعبَّر عنها بمختلف الطرق والوسائل.
“11 إيطالياً صغيراً سيعودون إلى المنزل للاهتمام بالبيتزا ويتركون النهائيّ لنا. 11 إيطالياً صغيراً لن يكونوا هنا قريباً. ستكون رحلةً رائعةً لنا جميعاً إلى المباراة النهائية، فيما 11 إيطالياً صغيراً سيكون المنزل وجهتهم النهائية”. هي كلمات أغنية أُطلِقت قبل مباراة الدور نصف النهائي لمونديال 2006 بين إيطاليا وألمانيا. ربما شكّل ذاك اللقاء منعرجاً في تاريخ العلاقة الكروية بين البلدين، فالأحداث التي جرت على هامشه زادت من منسوب الحساسية “الكروية” الموجودة أصلاً. حساسيةٌ أُفرغت بطرق ووسائل مختلفة، تعدت إطار المنافسة الرياضية إلى ما هو أبعد من ذلك.
عامذاك تخطت ألمانيا نظيرتها الأرجنتين في الدور ربع النهائي في مباراة شهدت في نهايتها تشنجاً بين اللاعبين، فقامت محطة “سكاي سبورت” الإيطالية ببثّ مشاهد تظهر لَكْمَ لاعب وسط “المانشافت” تورستن فرينغس لمهاجم “التانغو” خوليو كروز، لتخرج صحيفة “بيلد” الألمانية بعنوان رئيسي “الإيطاليون يريدون توقيف فرينغس، هل هم خائفون منّا إلى هذا الحدّ؟”. بعدها فتح “الفيفا” تحقيقاً في الموضوع وحرم الألماني المشاركة في مباراة نصف النهائي.
لم يكن هذا الحدث هو الوحيد الذي أزّم الأمور، فاستضافة ألمانيا للقاء، ووجود أكثر من نصف مليون إيطاليّ يعيشون هناك، ورغبة الطرفين في بلوغ النهائي الحلم، جعلت الإثارة خارج الميدان تبلغ حدودها القصوى. وكالعادة، كان لتعامل وسائل الإعلام مع الموضوع تأثيرٌ كبيرٌ في صبّ الزيت على النار، فتسبُّب “سكاي” بمعاقبة فرينغس استفز الألمان، فيما الصفحات التي أفردتها “دير شبيغل” و”بيلد” للحديث عن القمة، جعلت الإيطاليين يشعرون بالكثير من الامتعاض.

قاطع الألمان البيتزا والباستا بسبب الطليان

“بيلد” عمدت في كتابتها للقاء إلى استعمال عناوين على غرار “السباغيتي سيعودون إلى ديارهم” و”وداعاً إيطاليا”، هذا عدا دعوتها إلى مقاطعة البيتزا، إضافة إلى وضعها لاعبي تشكيلة منتخب إيطاليا الأساسيين على هيئة بيتزا يتناولها اللاعبون الألمان. أما “دير شبيغل” فذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث وصف الصحافي أكيم أكيليس الإيطاليين بالطفيليين و”أولاد الماما”، فهم لا يفعلون شيئاً سوى غسل سيارات الفيات الخاصة بهم وأكل الباستا، وحين يبلغون الـ 30 من العمر يتزوجون وتصبح زوجاتهم “ماكينات للطبخ”. هذا عدا وصف لاعبي إيطاليا بممارستهم للغشّ والتمثيل، فهم “يقعون أرضاً عند أول احتكاك مع الخصم”.
وحدهم إيطاليّو ألمانيا شعروا بالكثير من الامتعاض، لكن رجلاً واحداً أخذ بالثأر. ذاك الرجل لم يكن إلا المهاجر الإيطالي نيللو دي مارتينو حارس مرمى هيرتا برلين الأسبق. هو رافق حينها بعثة منتخب بلاده كمترجم للألمانية، وعرف حادثة شهيرة. ففي النفق المؤدي إلى ملعب “فستفالن”، وحين كان لاعبو المنتخبين جنباً إلى جنب، قال بيرند شنايدر محفزاً زملائه: “هم يشعرون بالخوف”، ليجيبه دي مارتيو بالألمانية: “كلا، نحن لا نشعر بالخوف”، وسط دهشة فيليب لام، سيباستيان كايل، وشنايدر نفسه. لاحقاً، كرّمته الجالية الإيطالية في برلين، ووضعت صوراً له حاملاً كأس العالم في العديد من المطاعم والمقاهي الإيطالية هناك.
أهمية ذلك الفوز لخّصها معلق قناة “سكاي”، فابيو كاريسا، الذي قال قبل البداية: “600 ألف إيطالي يعيشون في ألمانيا، منهم من ولد هناك، لكنهم لم يتخلوا قط عن وطنهم الأم. لقد فهم لاعبونا ما يهمّ هؤلاء اليوم، لقد رأوا ذلك في عيونهم. هناك سبب آخر للقتال من أجله، خصوصاً من أجل من يعيش هنا. واليوم أن تكون إيطالياً، فذلك يعني أكثر. من ملعب “فستفالن” في دورتموند، نحن على موعد مع التاريخ”.
انتصار إيطاليا في تلك الليلة خلّف الكثير من المشاكل، ولا سيما مع عزوف الكثير من الألمان عن الذهاب إلى المطاعم ومحال البيتزا الإيطالية لمدة طويلة، ما دفع بعض أصحاب هذه المحال إلى عدم التكلم عن المباراة، وذلك احتراماً للرواد الألمان.
في مباراة الليلة تبدو الحساسية موجودة، ولكن بدرجة أقل، نظراً إلى تفاوت المستوى، فإيطاليا المتواضعة الأسماء ستواجه ألمانيا بطلة العالم. هي فرصة أمام “المانشافت” لتحقيق أول انتصار له في البطولات الكبرى على “الجدّات الإيطاليات المنتهيات والميؤوس منهن”، بحسب ما وصفتهم صحيفة “بيلد”. أما في حال انتصار “الآزوري”، فربما سنشاهد اللافتة التي رُفعت بعد انتصار الطليان في “يورو 2012” والتي تقول: “معكم لم نخسر إلا عندما كنا حلفاء”، في إشارة إلى الحلف الألماني الإيطالي في خلال الحرب العالمية.