Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر November 30, 2019
A A A
“اللهيب” يطال أسعار السلع والمنتوجات.. ماذا يشتري اللبناني هذه الأيام؟
الكاتب: ريجينا الأحمدية - النهار

بعد موجة الحرائق التي ضربت أحراج لبنان، استمر اللهيب ليطال ارتفاع أسعار السلع والمنتوجات، وتهدد موجة الغلاء بالقضاء على قدرة المواطن الشرائية وخاصة شراء المواد الأولية والأساسية.
على وقع ارتفاع سعر صرف الدولار وانتشار الأخبار حول غلاء السلع وفقدان بعضها، تهافت الناس إلى محال البقالة والسوبر ماركت من أجل التموّن. وفي جولة لـ”النهار” على بعض الأسواق في الأشرفية وخلدة ومنطقة الجبل، تبيّن أنّ معظم الناس يتفقون على انخفاض قدرتهم الشرائية، بينما تنقسم الآراء حول وجود جميع السلع أو فقدان بعضها من الأسواق.
ويتهافت زبائن أحد المخازن الكبرى في الأشرفية إليه، لشراء حاجاتهم الأساسية. وقبل وضع المنتج أو السلعة في سلة التبضع يدققون في سعرها، وينظرون إلى نوعية أخرى علّها تكون أرخص. فيقول داوود أبي عاد، وهو من سكان الأشرفية وزبون محالها، إنّ “الأسعار ارتفعت إلى ما يقارب الـ 50 في المئة وخاصة سعر الأرز والسكر”. ويضع اللوم على “عدم وجود الاعتمادات في السوق”، ما يؤثر على فرق العملة وارتفاع الأسعار. ويؤكد داوود الذي يبلغ الـ 71 من عمره على “عدم مرور هكذا أزمة عليه حتى في ثورة الـ 58، حيث كان كل شيء متوفراً والسيولة أفضل”.
وبما أنّ عدداً كبيراً من الشباب اللبناني يعمل في بلدان الاغتراب، فمن الطبيعي أنّ يقارنوا بين تسعيرة بلدان عملهم وتسعيرة بلدهم الأمّ. فيستغرب أحد زبائن هذا المتجر “الغلاء الفاحش مقارنة بأوروبا أو قبرص”، مضيفاً أنّه يملأ “السلّة بمختلف المنتوجات التي يدفع ثمنها أقل من 50 أورو، وفي لبنان غرضان أو ثلاثة تكون بقيمة 100000 ليرة لبنانية، فاللبن في ألمانيا ثمنه 30 سنتاً أمّا هنا 8000 ليرة”. ويوضح أنّ “تفاقم أزمة الغلاء في بلدنا يعود إلى عدم وجود الرقابة على السلع واضطرار الشعب إلى تسديد ديون سلطته من جيبه”.
ولأننا في خضم أزمة اقتصادية هالكة، لا بد من أنّ نستوضح سبب غياب بعض المنتجات الأساسية عن رفوف بعض المحال. وفي هذا السياق، يعتبر مدير فرع إحدى التعاونيات أنّ “هناك أصنافاً فًقدت بسبب عدم تسليمها من قبل التجار، وأخرى غير معروفة باتت تلعب دور البديل مكان الذي فُقد”، مؤكداً أنّ “موضوع الغلاء الذي طال المواد الأولية التي يستهلكها المواطن، ليس بسببهم لأن سعر تسليمها لنا بات أغلى من السابق وبدورنا سنبيع وفقاً للتسعيرة الجديدة”.
كما أنّ أصحاب المؤسسات والمحال يواجهون بدورهم معاناة اقتصادية، كتلف الكماليات التي استغنى عنها الزبون، خاصة تلك المتعلقة في موسم الأعياد أو المنتوجات الأجنبية. حيث قال مدير الفرع نفسه إنّها “تواجه الـdrop sales” أي انخفاض مبيعها، مضيفاً أنّ “أقسام التعاونية تعاني من اللخبطة بسبب تلف بعض المنتجات”.
أمّا ماري بو جبرايل، فتقف مصدومة أمام الرفوف وقد اشتكت لـ”النهار” أنّ “الأرز ما بقى بينشرا، أصبح الكيلو الواحد منه بـ 5000 ليرة”. ولأنها لم تصدق ما تراه، توجهت للاستفسار من الموظفين. أضافت: “اعتقدت بأن الأسعار خطأ لكنهم أكدوا لنا أنّها صحيحة، يجب أنّ نتموّن قبل أن ترتفع الأسعار أكثر”.
وقد اعتذرت إحدى التعاونيات التجارية في خلدة من زبائنها بوضعها لافتة على مدخلها الأساسي، بسبب عدم تواجد بعض الأصناف “التي رفضت استلامها من التجار الذين بادروا برفع أسعارها، ولعدم قناعتهم بضرورة هذه الزيادة”. وحرصت على عدم زيادة الأعباء على المواطنين. وقد أوضحت سهى، وهي من سكان المنطقة، “أنّها وجيرانها في البناية قاموا بالتمون قبل فقدان أصناف أساسية من بعض المخازن”. ورغم الغلاء الذي يواجهونه يقومون بدفع الثمن المطلوب لأنهم كسكان الساحل لا يملكون تدابير أخرى: “نشتري على السعر الجديد لأننا لا نمتلك خياراً آخر، فليس لدينا مساحات كي نزرع مثلاً”.
كما أعلن أحد مستودعات البيع بالجملة بأنه أوقف تسليم السجائر للتعاونيات لأنها لا تحقق حداً أدنى من الأرباح. فقال أنطوني عون، المسؤول عن المستودع، إنّ “الدخان صار خسارة لأننا ندفع ثمنه بالدولار ونقوم ببيعه بالليرة، مثلاً نشتري العلبة بـ 4$ ونسعّرها بـ 5500 ليرة، الأمر الذي يؤدي إلى الخسارة”.
وتتفاوت القدرات الشرائية للمواطنين وفقاً لعوامل تتعلق بالأجور التي يتقاضونها أو لفقدان السلع من المتاجر بسبب بعدها عن مراكز التسليم. بالإضافة إلى تلاعب بعض الوكلاء بالأسعار. وقد أوضح أحد أصحاب المتاجر في منطقة الجبل أنّ “زبائنه تعاني من مشكلة شرائية خطيرة، وهناك شركات أساسية ما زالت تسلّم الكمية المطلوبة من البضائع وسعر الدولار لديها 1500 ليرة، لكن بسبب عدم وصولها إلى المناطق النائية والبعيدة، تسلّمها إلى تجار الجملة الذين يشترون السلع على أساس 1515 ليرة/للدولار، ويسلمونها إلى أصحاب المتاجر بـ 2350 ليرة/للدولار أو أكثر”. وكسائر سكان المناطق اللبنانية، يحاول سكان الجبل تأمين اكتفائهم الذاتي وشراء ما يلزمهم من المواد الأولية: “التركيز على الحبوب التي يقوم مستوردوها، وهم تجار وليسوا شركات رسمية، بالتلاعب بسعر صرف الدولار كما يحلو لهم، فيفرضون على التجار الصغار الدفع بالليرة اللبنانية ولا يهمهم المستهلك”.
بين التقنين في توفير المواد الأولية في السوق اللبنانية، وبين غلاء الأسعار التي لا تتناسب مع رواتب المواطنين، ومع ارتفاع سعر صرف الدولار، تمرّ حاجيات الفرد من “هالك لمالك لقبّاض الرواح”. فماديات اللبناني محدودة جداً والمستوى المعيشي يتراجع. ولا يخفى أنّ الفقر تربص خلف معظم الأبواب. والنفَس الوحيد الذي ما زال يستمده المواطن، هو من التفاؤل الجزئي والأمل البسيط بغدٍ أفضل، إلى جانب التفكير بالهجرة.
و”المشكلة لا ترتبط فقط بالتجّار أو سوبرماركت فردي بل مشكلة قطاع بكامله، خصوصاً الأصناف التي لديها “دورة Turnover” سريعة، كالحبوب والطحين إذ لا يمكن أن تُخزّن بكميات كبيرة وفقاً لما قاله، رئيس نقابة السوبرماركت في لبنان نبيل فهد لـ”النهار” في وقت سابق. وذكر أنّ مراقبي وزارة الاقتصاد تزور المحال التجارية بشكل مستمر وبانتظام لمقارنة الأسعار وتسطير المخالفات، مؤكداً: طالبنا بأن تشمل السلع الأساسية كالحبوب والطحين وغيرها آلية دعم من ناحية سعر صرف الليرة كباقي القطاعات مثل الأدوية والمحروقات، لكن لا جواب حتى الآن”.
ويرى فهد أنّ الرغبة بشمل هذه الأصناف بآلية دعم وإنقاذ غير موجودة حالياً، لذلك فالحل بعيد المنال ويبقى المواطن ضحية ارتفاع الأسعار. أما دور وزارة الاقتصاد – حماية المستهلك فرقابي في هذه الأزمة، إذ أنّها لا تستطيع معاقبة المخالفين بل تُسطّر محاضر ضبط، على القضاء اتخاذ القرار النهائي فيها. وخلال جولاتهم على المحال التجارية والسوبرماركت في مختلف المناطق اللبنانية، يُقارن موظفو الوزارة أسعار الشراء مع سعر المبيع ونسبة الأرباح، وتُقارن مع أسعار الشراء مع سعر المبيع ونسبة الأرباح ما قبل الأزمة.
ومن جهتها، شددت مدير عام الوزارة عليا عباس على “أنّه من المفترض أن لا يستغل التجّار الأوضاع الراهنة، ويرفعون من نسب الأرباح، بالعكس من المفترض أن تكون الأرباح أقل”. وأوضحت عباس أنّ “الجميع يعاني من الأزمة، وعلى الجميع تحمّل نتائجها وليس المواطن فقط، لذلك يحرص موظفو الوزارة على تسطير محاضر ضبط بحق المخالفين”.