Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر October 14, 2022
A A A
“الكوليرا” في لبنان… لا داعي للهلع… فقط نظافة ومياه مغليّة و”كلوروكس”!
الكاتب: يمنى المقداد - الديار

يبدو أن الأزمات على أشكالها لا تزال تدور في فلك لبنان، وجديدها اليوم أزمة “الكوليرا”، التي تزورنا للمرة الأولى منذ العام 1993، حيث سجّل لبنان أول إصابة في محافظة عكار، رجّح وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور فراس الأبيض، في حديث لوكالة “رويترز”، أن تكون قد جاءت نتيجة تفش الوباء في منطقة حدودية سورية.

هذا في وقت، حذّر فيه رئيس فريق الكوليرا وأمراض الإسهال الوبائي بمنظمة الصحة العالمية، الدكتور فيليب باربوزا، من أنّ معدلات تفشي مرض “الكوليرا” تشهد زيادة مقلقة عالميا بعد سنوات من الإنخفاض، وذلك في مؤتمر صحافي في جنيف يوم الجمعة 30 أيلول 2022 .

 

 

وكشف باربوزا أنّ الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي وحده شهدت إبلاغ 26 دولة بالفعل عن تفشي “الكوليرا” مقارنة مع أقل من 20 دولة في المتوسط بين عامي 2017 و2021، وأكد أن العالم لا يشهد فقط المزيد من الفاشيات، ولكن الفاشيات نفسها أكبر وأكثر فتكا.

وأوضح أن معدل الوفيات الناجمة عن الإصابة بـ “الكوليرا” تضاعف في العام 2021 ثلاث مرات تقريبا مقارنة بالسنوات الخمس السابقة خصوصا في إفريقيا، لافتا بأنّه على الرغم من أن “الكوليرا” يمكن أن تقتل في غضون ساعات، إلا أن علاجها بسيط، لكن كثيرين ليست لديهم إمكانية الوصول إليه في الوقت المناسب.

متى تؤدّي “الكوليرا” للوفاة؟

المتخصص في الأمراض الجرثومية الدكتور سامر صقر، شرح لـ”الديار” بأنّ سبب مرض”الكوليرا “بكتيريا جرثومية وليس فيروسا، ومن عوراضه الإسهال الحادّ الذي يسبّب خلال 24 ساعة خسارة ليتر من سوائل الجسم، وإذا اذا لم يتم تدارك الأمر على فترة يومين أو ثلاثة، فإنّ خسارة كمية كبيرة من السوائل سيؤدي تدريجيا إلى فشل كلوي، وغياب عن الوعي (الكوما)، وتوقف وظائف القلب، وصولا إلى الوفاة.

كيف تنتشر؟

وفق صقر تنتشر هذه الجرثومة عبر شخص مصاب لديه إسهال، وتتكاثر في مياه الصرف الصحي، لأنّها تحبّ المحيط المائي المالح، وإذا لم تكن مياه الصرف الصحي معالجة كما في لبنان، ستتنقل الجرثومة إلى البحر وتتكاثر هناك، ما سيعرّض من يسبح للإصابة بالكوليرا، وفي حال كانت المياه التي تستعمل للشرب أو الجلي أو غسيل الفواكه والخضروات، بجانب مياه الصرف الصحي كما في بعض مخيمات اللاجئين، فإنّها ستحمل الجرثومة ما يسبب انتقال المرض، والحال نفسه إذا كانت مياه الصرف الصحي تستعمل لريّ الخضر والفواكه، والتي ستحمل الجرثومة على سطحها، وإذا لم تغسل بالطريقة الصحيحة، ستعرّض للإنتقال والإصابة.

ليست الحلول بهذه الصعوبة، وفق شروحات صقر، فالمياه المغلية تقتل الجرثومة، فإذا أضفنا بعض قطرات “الكلوركس” إلى ليتر مياه، وتركناها من 10 الى15 دقيقة، ستكون المياه صالحة للشرب أو لغسيل الفواكه والخضر التي يمكن تناولها بعد نقعها لنفس المدة، مشددا على أنّ المياه لا يجب أن تكون باردة بل فاترة.

وتابع أنّه بحال التعرّض للإصابة، فإنّ الحرارة لا تكون مرتفعة، ولكن الإسهال يكون حادا جدا، لدرجة يسمّونه” إسهال الماء”، حينها لا بدّ من إعطاء “مصل” لتعويض السوائل والملوحة التي نقصت من الجسم، وهذا أمر أساسي جدا، وإعطاء المضادات الكيميائية إذا لم يتحسن المريض خلال يومين أو ثلاثة أيّام، وشدّد صقر على ضرورة القيام بحملات توعية، فالحلول المنزلية بسيطة بغياب الحلول الجذرية الخاصة بمعالجة مياه الصرف الصحي في المدن والقرى ومخيمات اللاجئين.

لا تحتاج كلّ الحالات الى مستشفى

رئيس لجنة الصحة النيابية النائب الدكتور عاصم عراجي لفت لـ “الديار” أنّ وباء الكوليرا منتشر منذ فترة طويلة وسببه بكتيريا إسمها “Vibrio cholera”، وينتج عن تلوّث المأكولات والمياه من براز شخص مصاب، أو أن تسقى بمياه ملوثة بهذا “الميكروب” الذي يسبب عادة إسهالا مائيا شديدا وغثيانا، ونقصا في سوائل الجسم بشكل كبير جدا، وبعض الأمور المهمة في الدم مثل البوتاسيوم والصوديوم، ويؤدي بالتالي إلى جفاف قوّي يؤثر على وظيفة الكلى، وهناك إحتمال كبير جدا أن يصاب مرضى “الكوليرا ” بفشل كلوي.

عراجي أكّد على أنّه لا تحتاج كلّ الحالات إلى مستشفى، فهناك الخفيفة والقوية، ويمكن أن تتّم بعض العلاجات في المنزل من خلال إعطاء المريض سوائل كثيرة، ومحاليل توجد في الصيدليات تحتوي على “صوديوم” و”بوتاسيوم”، بينما تحتاج الحالات الشديدة الى مستشفى، ويعتمد نفس البروتوكول، أي المصل والسوائل الكثيرة، ويفترض في الحالتين إعطاء مضاد حيوي للتخفيف من مضاعفات البكتيريا على الجسم، ويتعافى المريض بسرعة.

الوقاية… ثم الوقاية…ثم الوقاية

طريقة تشخيص الإصابة بـ ” الكوليرا” سهلة جدا، وفق عراجي، فالإسهال المائي الشديد عارض مهم بالتشخيص، الى جانب عمل زرع للبراز، ما يظهر البكتيريا المسبّبة، وهناك “بي سي آر” خاص.

وفيما خصّ اللقاحات، لفت عراجي إلى أنّ إصابات ” الكوليرا” تحدث في بعض دول العالم على مدار العام، حيث يكون المرض متوطّنا فيها، ويفترض بديهيا على كلّ قادم من تلك البلاد أن يكون ملقّحا، مشيرا إلى أنواع كثيرة من اللقاحات منها ما هو على شكل حبوب كما في الولايات المتحدة الأميركية.

وجزم عراجي أنّ أهم شيء في المرض هو الوقاية، مشدّدا على دور السلطات المعنيّة التي يجب أن تأخذ دورها في هذا الوقت تحديدا، بأن تراقب المأكولات وكذلك المياه عن طريق الكشف الدوري عليها، وكإجراءات شخصية يفترض عدم تناول الأكل الملوث والمياه الملوثة، وأن تغسل جيدا الخضار والفواكه، إضافة إلى غسل اليدين بشكل مستمر كطريقة “كورونا”، وهناك ضرورة لعزل المصاب مع أسرته، خشية من أن يكونوا مصابين ولم تظهر عليهم العوارض، خاصة أنّ فترة الحضانة تمتّد من يومين إلى خمسة أيّام.

وشدّد أنّ الوقاية أمر أساسي لمنع انتشار المرض، لافتا إلى أنّ “الكوليرا” ضربت دولا كثيرة في كلّ أنحاء العالم، وأدّت إلى وفيات كثيرة فيها، ولغاية اليوم لا يزال هذا المرض متوطّنا في هذه الدول، وكلّ عام تحدث فيها إصابات تترواح بين مليونين و3 ملايين إصابة، يتوفّى منها حوالي 50 ألف شخص، أمّا في لبنان فهناك حالتان مشخّصتان(حتى 8 تشرين الأول)، وفي سوريا أكثر من 10 آلاف إصابة، ولأنّ التنقل بين البلدين سهل جدا، يفترض تشديد المراقبة على الحدود.

لا خوف من انقطاع الدواء

طمأن عراجي أنّ وضع “الكوليرا” لا يزال غير مخيف إذا اتبعنا الإجراءات اللازمة، كما أنّ الأدوية متوافرة لأنّ هناك عدة أدوية يمكن إستعمالها، ولا خوف من انقطاع الدواء وهناك “أمصال” ومعامل لإنتاجها في لبنان، مشدّدا أن ينتبه الناس وضرورة ” التناظف زيادة عن اللزوم”.

في المقابل، حذّر من أنّ القطاع الصحي يعاني الأمرّين، متمنيّا أنّ لا يحصل انتشار للمرض في لبنان، خصوصا أنّ لا قدرة لجزء كبير من اللبنانيين على دخول المستشفى، فنسبة ممن يقبعون تحت خط الفقر يبلغ بحدود 70% ، فيما المستشفيات بدورها غير قادرة بسبب النقص الكبير في طاقمها الطبي والتمريضي، لذا يفترض أن يتحلّى الناس بالوعي، مشددا على حاجتنا الماّسة إلى برامج توعوية في وسائل الإعلام المختلفة كي يعرف الناس كيفية التصرف في حال ازدياد الحالات عمّا هي عليه اليوم.

خلاصة القول.. كما سواه من الأعمال الرقابية الواجبة خصوصا في ظروف صعبة كهذه، يصعب على الدولة حاليا القيام بدورها الرقابي الوبائي على مستوى مراقبة المياه والغذاء المسببين الرئيسيين لمرض الكوليرا، نظرا لقلة العديد البشري من ناحية، وارتفاع أسعار الفحوصات المخبريّة من ناحية ثانية، ليبدو أن هذه المهمة ستكون كما سابقاتها ملقاة على عاتق المواطن، ولكن ليس من جيبه، إنّما من خلال وعيه ونظافته هذه المرّة!