Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر June 10, 2021
A A A
الكلفة الباهظة للفراغ بدأت قبل الارتطام الكبير؟
الكاتب: سابين عويس - النهار

كل يوم يمر من دون معالجة للازمات المتفجرة تباعاً يضاعف الاكلاف الباهظة على البلد وناسه ويدفعهم الى مستوى جديد من هاوية لا قعر لها، وسط حال من الانكار تعيشها سلطة لا يفقه المسؤولون فيها شيئاً في السياسة او الاقتصاد او حتى في ادارة التفليسة التي وبجرأة غير مسبوقة، خاضوا غمارها بقرارات عشوائية متسرعة غير مقرونة بأي بعد نظر او رؤية واضحة.

القلق من الانزلاق المتسارع نحو الارتطام الكبير لم يعد له ما يبرره، بعدما تكشفت النوايا في شكل واضح حيال ما تم تخطيطه للبلد وتنفيذه بعناية فائقة تراءت للمراقبين بأنها حال من انكار للواقع او عجز عن تشخيص مخاطره، في حين كانت في الواقع ترجمة عبر تغييب القرارات والاجراءات وصولاً الى ما وصلت اليه البلاد من تدهور اقتصادي ومالي، بحيث اصبح اللبنانيون، الذين اعتادوا في العقود الاخيرة بعد الحرب على نمط حياة تفوق قدراتهم، مستعدين للقبول بالحدود الدنيا التي تعيد اليهم بعضاً من حياة رغيدة استمتعوا بها رغم كلفتها الباهظة عليهم.

لا تشي اجواء الاجتماعات الاخيرة الحاصلة على مستوى تأليف الحكومة، ويقودها المعاونان السياسيان لرئيس المجلس النيابي النائب علي حسن خليل وللأمين العام لحزب الله حسين خليل ومسؤول الارتباط في الحزب وفيق صفا، بأي تقدم، رغم الأجواء الإيجابية التي جرت إشاعتها عن ان الاجتماع الذي دام ثلاث ساعات مع رئيس “التيار الوطني الحر”جبران باسيل كان إيجابياً وخلص الى التوافق على التشكيلة وتوزيع الوزراء، على ان ينقل علي حسن خليل المسودة الى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. ذلك ان مصادر الوفد الذي التقى باسيل اكدت ان العقد لم تذلل كلياً لا سيما عقدة الوزيرين المسيحيين، ما يستوجب المزيد من التشاور.

في هذا الوقت، تترقب الاوساط السياسية بقلق كبير الايام القليلة المقبلة وما ستسفر عنه على المستوى الحكومي، بعدما اضحى جلياً بأن هذا الاسبوع سيكون حاسماً على المستوى الاقتصادي والمالي والاجتماعي. فإما تكون الامور قد بلغت خط النهاية، فتتفجر الاوضاع في وجه الجميع، وإما يُسحب صاعق التفجير عبر إنضاج تسوية حكومية تقي البلاد شر الانفجار.

مصادر سياسية متابعة لا توافق كثيراً على توصيف الايام المقبلة بأنها ستكون حاسمة، وتعزو ذلك الى ان العمل جارٍ راهناً على سبيل سحب الصواعق وشراء المزيد من الوقت. ويقود هذا التوجه “حزب الله” الذي أطل امينه العام السيد حسن نصر الله اول من امس ليعطي امر اليوم للقيمين على الملفات المتفجرة. فإلى جانب تحذيره من مغبة الاستمرار في التغطية على تخزين المواد والادوية والمستلزمات الطبية، اعلن عزمه كحزب على التفاوض مع الحكومة الإيرانية لشراء بواخر البنزين والمازوت وإدخالها الى لبنان عبر مرفأ بيروت، متحدياً بذلك سيادة الدولة اللبنانية ومؤسساتها، كما العقوبات الاميركية المفروضة على طهران في هذا الشأن، وما يمكن ان يحمله هكذا قرار من تضييق إضافي على لبنان.

لا تعول المصادر كثيراً على كلام نصر الله الذي تضعه في سياق الضغط والتهديد، سيما وأنها ليست المرة الاولى التي يلجأ فيها الى التهديد بالتوجه نحو طهران لاستيراد النفط. لكنها ترى ان كلامه فعل فعله، وان ثمة عدم رغبة خارجية بمنع اي ازمة من ان تؤدي الى الانفجار، كما حصل في مرحلة أولى مع ملف الاعتمادات المجمدة للكهرباء، بحيث صدرت موافقة استثنائية على فتح الاعتماد خلافاً لقرار مجلس الشورى، كما حصل ايضاً مع اعلان حكومة العراق اول من امس عن موافقتها على دعم لبنان بالنفط الخام وزيادة الكمية من ٥٠٠ الف طن الى مليون طناً، اي ما يوازي نسبة خمسين في المئة من حاجة لبنان السنوية من هذه المادة.

تجدر الاشارة الى الحزب كان يتجه الى دعوة كوادره الى النزول الى الشارع ولكنه عدل عن هذا القرار بعدما تمت الموافقة على فتح الاعتماد الاستثنائي للكهرباء.

شراء الوقت ايضاً انسحب على الملف النقدي، حيث نفٓس حاكم المصرف المركزي الاحتقان بإبرة مخدرة رأسمالها ٤٠٠ دولار شهريا نقداً وما يعادلها بالليرة اللبنانية على سعر المنصة.

ولكن الحقن التخديرية لم تمنع الدولار من الاستمرار في التحليق رغم بدء العمل بالمنصة على السعر المحدد من المصرف المركزي بـ١٢ الف ليرة. ما يدفع الى السؤال من يقف وراء التلاعب بسعر الصرف. وقد بدا واضحاً في اليومين الماضيين ان الطلب على الدولار ذو خلفية سياسية ضاغطة، ولكن المسألة المقلقة والخطيرة التي تحصل ويتلمسها المواطنون ان الاسعار ترتفع على الدولار، ما يفقد الاقتصاد اي ميزة تنافسية امام القادمين اليه، كما يمعن في أضعاف القدرة الشرائية لأهل البلد، والعذر الدائم ان الاسعار ترتفع في بلد المنشأ.

وأمام هذه الموجات المتدفقة من الارتفاعات غير المسبوقة للاسعار، ينزلق البلد يومياً نحو هاوية من دون قعر، فيما ينزلق بالتوازي نحو برنامج ممنهج نحو الفراغ المؤسساتي لن يعي اللبنانيون المتكيفون اليوم مع بعض حقن الانعاش والموعودون بصيف منتعش يعوض بعضاً من الخسائر، ان حقن البنج والتهدئة لا يدوم مفعولها طويلاً !