Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر March 11, 2024
A A A
«الكابيتال كونترول» لن يُبصر النور… نظرة الحكومة مُختلفة!
الكاتب: جاسم عجاقة - الديار

تُعرّف ضوابط رأس المال أو ما يُعرف بـ “الكابيتال كونترول”، على أنه أي إجراء يتخذه المجلس النيابي أو الحكومة أو المصرف المركزي أو أي هيئة تنظيمية أخرى (بحسب قوانين البلد المعني)، للحد من خروج رؤوس الأموال الأجنبية خارج الاقتصاد المحلي. وتشمل هذه الضوابط بالإضافة إلى القيود على التحاويل عبر القطاع المصرفي، الضرائب والتعريفات والتشريعات والقيود على الحجم والقوى القائمة على السوق. ويمكن أن تؤثر ضوابط رأس المال على العديد من فئات الأصول مثل الأسهم والسندات وتداولات العملات الأجنبية.

 

وتهدف هذه الضوابط إلى تنظيم التدفقات المالية الخارجة من أسواق رأس المال على مستوى المصارف أو الاقتصاد أو قطاع مُعيّن أو صناعة مُعيّنة. وكنتيجة طبيعية لهذه القيود، يتمّ الحدّ من قدرة المواطن على الحصول على الأصول بالعملة الأجنبية. وغالبًا ما توجد هذه الضوابط الصارمة في الاقتصادات النامية، حيث تكون إحتياطيات رأس المال أقل وأكثر عرضة للتقلبات. ويعتقد منتقدو ضوابط رأس المال أنها تُخالف مبدأ “الإقتصاد الحر”، وتحدّ بطبيعتها من النمو الاقتصادي والكفاءة، وبالتالي يتقبّل الفكر الإقتصادي ضوابط رأس المال، شرط أن تكون محدودة في الوقت ومتزامنة مع خطّة إصلاحية.

الأمثلة على ضوابط رؤوس الأموال كثيرة في العالم ولن نذكرها، لأن ذلك يتخطّى إطار هذا المقال. لكن ما يجب معرفته أنه غالبًا ما يتم فرض ضوابط رأس المال، بعد حدوث أزمة اقتصادية لمنع المواطنين المحليين والمستثمرين الأجانب من استخراج الأموال من البلد.

تُشير التحاليل من تصريحات أعضاء حكومة تصريف الاعمال ، كما ومن إجراءاتها وإقتراحات القوانين التي تُقدّمها، إلى أنها لا تريد قانون الـ “كابيتال كونترول”. فالتوجّه يُشير إلى أن الحكومة تعتبر أن الودائع لا يُمكن ردّها إلا إلى قسم بسيط من المودعين، هم عبارة عن فئة صغيرة فقط من المودعين همّ بحاجة فعلًا إلى أموالهم في المصارف، فأغلبية المواطنين “إستطاعت تدبير أمورها”، والبلد يسير بشكل “طبيعي”. وبالتالي لا حاجة لقانون “كابيتال كونترول” الذي قد يضرب ميزة لبنان الأساسية بإقتصاده الحرّ، بالإضافة إلى أن مشروع الـ “كابيتال كونترول” يحتاج إلى خطّة إصلاحات شاملة، لا يُمكن تطبيقها في ظل الظروف السياسية القائمة. لذا كان التوجّه الحكومي – كما أظهره مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي – أن يتمّ شطب المصارف غير القادرة على الإستمرار (حتى ولو على حساب الودائع)، وإعطاء رخص لمصارف جديدة وإعادة إدخال “الكاش” الموجود في السوق إلى القطاع المصرفي. أمّا على صعيد مصرف لبنان، فسيكون هناك بعض التغيرات الشكلية، ولن يكون هناك أي إصلاحات في القطاع العام.

من جهته، تمايز المصرف المركزي عن نظرة الحكومة، من خلال عدم تبنّيه مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، على الرغم من أن نائب رئيس الحكومة أشار أنه تمّت كتابة هذا المشروع من ألفه إلى يائه في المصرف المركزي، وهو ما نكره الأخير مُشدّدًا على أنه تقدّم بالأرقام وبعض المواد فقط لا غير. أيضًا نلحظ هذا التمايز من خلال نظرة حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري إلى الودائع المؤهّلة وغير المؤهّلة، والتي فسّرها (قد يكون بمنظار صندوق النقد الدولي؟!) على قدرة المودع على تبرير مصادر أمواله أم لا. وهذا الأمر هو في صلب المطالب الدولية لمكافحة الأموال غير المشروعة والجرائم المالية.

وهنا تبرز المُشكلة الأساسية بالنسبة للبنان! فالمادة الأولى من القانون 44/2015 (مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب) نصّت على أنه يُقصد بالاموال غير المشروعة الأصول المادية أو غير المادية، المنقولة أو غير المنقولة، بما فيها الوثائق أو المستندات القانونية الناتجة عن إرتكاب او محاولة إرتكاب معاقب عليها، أو من الاشتراك في أي من الجرائم الآتية، سواء حصلت هذه الجرائم في لبنان أو خارجه: زراعة أو تصنيع أو الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية وفقاً للقوانين اللبنانية، المشاركة في جمعيات غير مشروعة بقصد إرتكاب الجنايات والجنح، الإرهاب وفقاً لأحكام القوانين اللبنانية، تمويل الإرهاب أو الأعمال الإرهابية والأعمال المرتبطة بها (السفر – التنظيم – التدريب – التجنيد…) أو تمويل الأفراد أو المنظمات الإرهابية وفقاً لأحكام القوانين اللبنانية، الإتجار غير المشروع بالأسلحة، الخطف بقوة السلاح أو بأي وسيلة أخرى، إستغلال المعلومات المميزة وإفشاء الأسرار وعرقلة حرية البيوع بالمزايدة والمضاربات غير المشروعة، الحض على الفجور والتعرض للأخلاق والآداب العامة عن طريق عصابات منظمة، الفساد بما في ذلك الرشوة وصرف النفوذ والإختلاس وإستثمار الوظيفة وإساءة إستعمال السلطة والإثراء غير المشروع، السرقة وإساءة الإئتمان والإختلاس، الإحتيال بما فيها جرائم الإفلاس الإحتيالي، تزوير المستندات والأسناد العامة والخاصة بما فيها الشيكات وبطاقات الإئتمان على أنواعها وتزييف العملة والطوابع وأوراق التمغة، التهريب وفقاً لأحكام قانون الجمارك، تقليد السلع والغش في الإتجار بها، القرصنة الواقعة على الملاحة الجوية والبحرية، الإتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، الإستغلال الجنسي بما في ذلك الإستغلال الجنسي للأطفال، جرائم البيئة، الإبتزاز، القتل والتهرّب الضريبي وفقاً للقوانين اللبنانية.

وبما أن الثقافة المُنتشرة حاليًا في المجتمع، لا تعتبر بالضرورة كل هذه المواد سببًا لتصنيف الأموال على أنها أموال غير مشروعة، لذا قد ندّخل في نفقٍ لن يكون من السهل الخروج منه، خصوصا مع وجود الكثير من أصحاب النفوذ والأعمال في هذه الخانة.

من هذا المُنطلق، نعتبر أن مشروع إعادة هيكلة القطاع المصرفي عاد إلى خانة الصفر، لا بلّ أكثر من ذلك، وجود المادة 46 (مشروعية الودائع بالعملات الأجنبية) في هذا القانون ستُشكّل عائقا أساسيا لإقرار المشروع. فهل سيستطيع المصرف المركزي بدعم دولي من فرض وجهة نظره فيما يخصّ مشروعية الودائع؟

من المعروف أن لبنان تحت أنظار مجموعة العمل المالي الدولية، والتي تُعنى بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحة الجرائم المالية. ومن المفروض أنه في الأشهر القادمة، سيكون هناك بيان رسمي يصدر عن هذه المجموعة للتقييم الدوري الذي تقوم به المجموعة. وإذا كان قد صدر عن المصرف المركزي بيان منذ أكثر من شهرين، يقول أن المجموعة رأت أن الإجراءات التي قام بها لبنان لمكافحة الإقتصاد النقدي كافية، إلا أن الواقع على الأرض مُختلف تمامًا. فحتى الدولة اللبنانية أصبحت تتقاضى الضرائب والرسوم بـ “الكاش”، كما أن زيارة نائب مُساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون آسيا والشرق الأوسط، والذي زار بيروت الإسبوع المنصرم، دعا السلطات اللبنانية إلى منع تحويل الأموال إلى حماس عبر لبنان. وهذه الأموال بالطبع تنتقل عبر الحدود، وبالتالي تُخالف القانون 42/2015 (التصريح عن نقل الاموال عبر الحدود) اللبناني، والتعهدات اللبنانية تجاه المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الـ GAFI. وتقول مصادر مُطلعة أن الضغوطات الدولية وعلى رأسها الأميركية تدفع بإتجاه السيطرة على إقتصاد “الكاش”، وتنظيف القطاع المصرفي من رواسب السنين الماضية.

التصريح الذي قام به حاكم المصرف المركزي بالإنابة عن مشروعية الودائع، لا يُمكن أن يأتي من العدم، وبالتالي قد نشهد في الأشهر القادمة تغيّرات مُهمّة على صعيد ملف الودائع في المصارف.