Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر July 30, 2019
A A A
القمة الروحية الاسلامية المسيحية: لمزيد من الوعي والتضامن ازاء التحديات

أكد البيان الختامي للقمة الروحية الاسلامية المسيحية التي انعقدت في دار طائفة الموحدين الدروز بمشاركة رؤساء جميع الطوائف، ان “الوحدة الوطنية التي نشأت بين العائلات الروحية اللبنانية تشكل الأساس الضامن لبناء لبنان الغد”. واعلن المجتمعون “ان المطلوب إزاء التحديات المزيد من الوعي والتضامن الوطني لتجاوز المخاطر التي تتضاعف في ظل ما يحاك من مشاريع ومخططات تستهدف إعادة رسم خارطة المنطقة”، مشددين على ان “عمل الحكومة حاجة ماسة للاستقرار والنهوض الاقتصادي، وندعو الى ايجاد الحل المناسب والسريع لتستعيد البلاد حياتها الطبيعية”.
وتضمن بيان القمة الآتي،” إيماناً بلبنان الوطن السيِّد الواحد أرضاً وشعباً ومؤسَّسات، الذي نُحيي قريباً مئويته الأولى، والمنتظمة مبادئ قيامه وديمومته واستقلاله بالبنود الصريحة الواضحة الواردة في مقدِّمة دستوره وميثاقه الوطني، والذي نشأ على قاعدة تحترم الحريات العامة والخاصة وتقوم على الشراكة الوطنية والعيش الواحد للمواطنين اللبنانيين، باختلاف أديانهم وتوجهاتهم.

وبعد ثبات صيغته الإنسانيَّة الراقية وسط العواصف والأزمات التي تعرَّض لها عبر تاريخه القديم والحديث. وبعد نهوضه من ويلات الحروب ومحنة التطرُّف والإرهاب وتصدّيه المستمر للعدو الاسرائيلي بفعل تضحيات المؤسسة العسكرية ومقاومة شعبه، بقي متمسّكاً بثوابته الوطنيَّة، محافظاً على وحدته، أميناً لرسالته، ومحقّقاً التضامن الوطني.

وفي الوقت الذي لا يزال لبنان يواجه تداعيات أزمات شائكة نتيجة التقاطعات الضاغطة على ساحته وتداعياتها المقلقة على أكثر من صعيد، خُصوصاً في أمنه – وأشدّها خطراً تهديدات العدو الصهيوني – وفي اقتصاده الذي بات موضع ترصُّد دائم وتقييم دقيق من الدول ذات الاهتمام، ومن المؤسسات الاقتصادية الدولية ذات الاختصاص، وفي وضعه الاجتماعي بتفاقم مشكلة النازحين، وتراكم الأعباء المترتّبة عنها في مستويات عدّة لا سيّما الاقتصادي والمعيشي منها.

وفي الوقت الذي يواجه لبنان بتفانٍ التحديات نتيجة للموقف الوطني الجامع برفض التوطين شكلاً ومضموناً. فإن المجتمعِين يرَون أنَّ المطلوب إزاء كل ذلك المزيد من الوعي والتضامن الوطني لتجاوز المخاطر التي تتضاعف في ضوء ما يُحاك من مشاريع ومخططات معلنة وغير معلنة تستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة وفرض أمر واقع جديد على دولها وشعوبها، لا سيما ما يُخطط لتهويد القدس وفلسطين التاريخية.

إن الوحدة الوطنية التي نشأت بين العائلات الروحية اللبنانية على قاعدة المواطنة والميثاقية والعيش المشترك والتعددية، والتي أرسى ثوابتها اتفاق الطائف بتعديلاته الدستورية، تشكل الأساس والضامن لبناء لبنان الغد.

وعلى هذا الأساس فإن أي اساءة للعيش المشترك في أي منطقة من لبنان وبخاصة في الجبل، هي إساءة الى لبنان الفكرة والرسالة، تعرض حاضره ومستقبله للأخطار والأزمات. وإن إطلاق وصف الـ “كنز” على مصالحة الجبل التاريخية هو أبلغ تعبير عن أهميتها في أبعادها الوطنية والمعنوية والميثاقية والمستقبلية، وهو كنزٌ برسم الوطن من أقصاه الى أقصاه. ولا يسع الرؤساء الروحيون إلا أن يعربوا عن ألمهم الشديد لحادثة البساتين المؤسفة التي أدت بنتائجها إلى تعطيل عمل الحكومة الذي هو حاجة ماسة للإستقرار السياسي والأمني وللنهوض الإقتصادي، ودعوا إلى إيجاد الحل المناسب والسريع لكي تستعيد البلاد حياتها الطبيعية.

من أجل ذلك، فإن القمة الروحية المسيحية – الإسلامية إذ تؤكد على التمسك بهذه الثوابت التي أرساها الدستور وأجمع عليها اللبنانيون، تدعو المسؤولين في مواقعهم والقيادات السياسية والمجتمع الأهلي الى حفظ هذه الثوابت في هذه المرحلة التاريخية الفاصلة ترسيخاً لوحدة لبنان وسلامته ورسالته في الاخوّة الإنسانية والعيش المشترك، والالتفاف حول المؤسسات الرسمية الدستورية والإدارية والقضائية والأمنية، وتفعيل عملها ودورها، والاحتكام إليها في كل ما يعترض الحياة الوطنية من أزمات، وإطلاق خطة نهوض شاملة بالوطن ومحاربة الفساد بكل مستوياته وتأمين الحد الأدنى من متطلبات المستقبل الأفضل الذي ننشده لجميع أبنائنا.

ولمناسبة عيد الجيش وجهّت القمة الروحية تحيّة الى المؤسَّسة الوطنيَّة الجامعة التي يجسِّدُها الجيشُ اللبناني الساهر دائماً على سلامة الوطن وأمن شعبه.

وأكدّت القمة المسيحية – الاسلامية على أهمية الأخلاق من حيث هي قيمة إنسانية سامية تشكل العمود الفقري لقيام المجتمعات، ودعت الى التمسك بمحمولها المعنوي وتجنب الابتذال نهجاً وعملاً في كل الأداء السياسي والإعلامي والثقافي والتربوي والأدبي والفني والاجتماعي لكي تبقى الحرية في لبنان مصانة بمفهومها الحضاري الراقي.

إن القمة الإسلامية – المسيحية تؤكّد على أصالة الدور الحيويّ الذي تميّز به لبنان في إثراء الحوار بين أهل الأديان والثقافات المختلفة خصوصاً بعد تحقيق استقلاله. وله في هذا المجال الحضاري مخزونٌ بالغ القيمة والأهمية، يؤهله ليكون مركزاً دولياً للحوار لما يتماهى به من تعدّد ديني وثقافي وإيمانٍ بالكرامة الإنسانية.

وأعرب المشاركون عن رفضهم المُطلق لما تتعرض له مدينة القدس والشعب الفلسطيني برمّته من انتهاكات لحرمة الأديان وكرامة الانسان وحقوقه. وأكدوا بقاء القدس مدينة الديانات السماوية، التي لن تنال منها الاعتداءات والانتهاكات والممارسات الجائرة من الاحتلال الغاصب، ولا الخطط المشبوهة على اختلاف أشكالها وتسمياتها الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، والتي تقوض كل فرص السلام المنشود وتعرض المنطقة لمزيد من العنف والحروب.

وأكد المجتمعون الرفض المطلق للقرار العنصري المسمى بـ” قانون يهودية الدولة” الذي يحمل في مضمونه وأهدافه خطراً وجودياً على فلسطين التاريخية وهويتها العربية، وأدانوا التدمير الممنهج للأحياء التراثية ومنازل الفلسطينيين في القدس بما هو إجراء عدواني لا إنساني، وأعربوا عن تضامنهم مع البطريركية الأرثوذكسية المقدسة في سعيها إلى الحفاظ على ممتلكاتها، وعبّروا عن وقوفهم إلى جانبها في إدانة أي تصرف إسرائيلي بالأملاك الوقفية للكنيسة لمصلحة المحتل الإسرائيلي، والمطالبة باسترجاع ما تم الاستيلاء عليه بطرق ملتوية وغير شرعية.

فالقدس بمكانتها الروحية المقدّسة، لا يجوز التفرد في تقرير مصيرها بقوة الأمر الواقع ولا بقرارات أحادية جائرة، بل هي كانت وستبقى ملك الإيمان البشري المشترك وحقاً تاريخياً للشعب الفلسطيني عاصمةً لفلسطين الدولة المستقلة، إلى جانب كل الحقوق الفلسطينية الأساسية في العودة وبقاء الأرض والحياة الكريمة.

وأدان المجتمعون القرار الأحادي المرفوض في إعلان سيادة مزعومة للكيان الغاصب على الجولان السوري المحتل، مؤكدين أن هذه الأرض العربية لن تتغير هويتها مهما طال ليل الإحتلال.

إنَّ المجتمعِين بما يمثّـلونه في مواقعِهم، وبما يعبِّرون عنه من رمز لتضامن وتعاضُد الأُخْوة في المشترَك الإنسانيّ النبيل الجامع للقيَم الرُّوحيَّة والمُـثُــل الأخلاقيَّة والفضائل السامية التي بها ترقى المجتمعات إلى أنبل الغايات، يُدركُون بإيمانهِم ما يُمكِن لإلهِ المحبَّةِ والنِّعَم، الرحمن الرَّحيم، أن يمُنَّ به علينا جميعاً، وعلى شعبنا وشعوب المنطقة، بالفرَج والمغـفرة والسَّلام، وأن يسلك الجميع في العالم العربي والإسلامي وفي العالم أجمع نهج الحوار والتفاهم ورفض الظلم والعدوان، لتحقيق مبتغى الشعوب وصون إنسانيتها”.