Beirut weather 13.54 ° C
تاريخ النشر December 6, 2024
A A A
القطاع الخاص يواجه تحديات مستمرة رغم بوادر التحسن
الكاتب: هدى علاء الدين - لبنان الكبير

شهد أداء القطاع الخاص في شهر تشرين الثاني الماضي تحولاً طفيفاً بعد شهور من التراجع المستمر، بحيث أظهرت البيانات الاقتصادية بعض المؤشرات الايجابية التي تبعث على الأمل على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها السوق المحلي والاقليمي. يأتي هذا التحسن المحدود مدفوعاً بتحركات نقدية داخلية وانتعاش نسبي في الأسواق الخارجية، ما أعطى بعض الأمل في تخفيف حدة الأزمات المتراكمة. ومع ذلك، يبقى الطريق نحو التعافي محفوفاً بالمخاطر في ظل تصاعد التوترات الاقليمية واستمرار الضغوط على القدرات الانتاجية والطلب المحلي.

وفي التفاصيل، ارتفع مؤشر مديري المشتريات الرئيسي، الصادر عن بنك “لبنان والمهجر” التابع لـ “ستاندرد آند بورز”، إلى 48.1 في تشرين الثاني مقارنة بـ 45 في تشرين الأول، وهو أدنى مستوى له في 44 شهراً. ويعتبر هذا الارتفاع أول تحسن منذ أربعة أشهر، ما يشير إلى تخفيف نسبي في حدة التدهور الاقتصادي. ويعود هذا التحسن إلى بعض الانتعاش في الصادرات وزيادة الطلب المحلي، حيث ساعدت إعادة تكوين المخزونات وتدفقات السيولة بالدولار من مصرف لبنان في دعم النشاط الاقتصادي جزئياً.

ويقيس مؤشر مديري المشتريات أداء القطاع الخاص، ويستند إلى استطلاع يشمل 450 شركة في مجالات التصنيع والخدمات والبناء والتجزئة. ويُعتبر المؤشر مركباً يتم حسابه كمتوسط مرجح لخمسة مكونات فرعية هي: الطلبات الجديدة (30 في المئة)، الإنتاج (25 في المئة)، التوظيف (20 في المئة)، أوقات تسليم الموردين (15 في المئة)، ومخزونات المشتريات (10 في المئة). وتشير القراءة التي تتجاوز 50 إلى تحسن في ظروف الأعمال مقارنة بالشهر السابق، بينما تشير القراءات التي تقل عن 50 إلى تدهور.

العوامل الداعمة للارتفاع
ساهمت الأسواق الخارجية في تقليص تراجع المبيعات غير المحلية، ما دعم الاقتصاد بصورة طفيفة. كما شهدت السوق الداخلية تحسناً بفضل زيادة السيولة، ما سمح للشركات بإعادة تكوين مخزوناتها للافادة من التحسن الموقت في النشاط الاقتصادي. بالاضافة إلى ذلك، ساهمت التدفقات النقدية بالدولار الأميركي من المصرف المركزي في تعزيز قدرة الشركات على مواجهة التحديات الاقتصادية.

التحديات المستمرة
على الرغم من هذا التحسن النسبي، لا تزال الأنشطة التجارية تواجه صعوبات كبيرة نتيجة للتحديات المستمرة. أولاً، ساهم التصعيد المستمر في الصراع بين إسرائيل و”حزب الله” في تفاقم المخاوف الأمنية، الأمر الذي أثر سلباً على مناخ الاستثمار. ثانياً، يعاني السوق حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي، بحيث تضعف الثقة بسبب التحديات الاقليمية والمحلية المستمرة. ثالثاً، يواجه السوق انخفاضاً في القدرة الشرائية للمستهلكين المحليين، مقلصاً بذلك قدرة السوق على استيعاب الطلبات الجديدة. وأخيراً، سجلت مشتريات المدخلات والمخزونات تراجعاً للشهر الخامس على التوالي، ليعكس بذلك حالة من ضعف النشاط التجاري.

المؤشرات السلبية الأخرى
تفاقمت أوقات تسليم الموردين لتصل إلى أعلى مستوى لها في 20 شهراً، ما يشير إلى وجود عراقيل كبيرة في سلسلة التوريد. كما استمر التراجع الطفيف في أعداد الموظفين نتيجة لانخفاض الطلب وتراجع النشاط التجاري. وفي الوقت ذاته، أدى ارتفاع تكاليف الانتاج إلى لجوء الشركات إلى رفع الأسعار للشهر السادس على التوالي، ما يزيد من الضغوط على المستهلكين ويؤثر على قدرتهم الشرائية بصورة أكبر.

تفاؤل مشروط
يبقى التفاؤل، في ظل هذه الظروف الصعبة، محدوداً بسبب استمرار المخاوف المتعلقة بالتصعيد الاقليمي وتأثيراته السلبية على النظرة المستقبلية للشركات. فقد كانت الحرب أحد العوامل الرئيسة التي أدت إلى تراجع نشاط القطاع الخاص في لبنان، حيث أسهمت في تدهور سلاسل التوريد وارتفاع التكاليف، ما أثر سلباً على قدرة المستهلكين الشرائية. ومع ذلك، هناك بعض العوامل الذي قد يساهم في دعم الانتعاش إذا تحقق، أبرزه توفير السيولة واستقرار سعر صرف الدولار. كما أن التحسن المحتمل في البيئة الاقليمية قد يسهم في تعزيز الثقة في الاقتصاد اللبناني من جديد.

وإذا تحقق الاستقرار الأمني والسياسي الذي يحتاج اليه لبنان في الوضع الراهن، فقد يتمكن الاقتصاد من تعزيز القطاع الخاص وتحسين بيئة الاستثمار، ما يخلق فرصاً جديدة للنمو ويزيد من التفاؤل بشأن المستقبل. وهنا لا بد من الاشارة إلى أن من المهم أن يلعب القطاع الخاص دوراً محورياً في عملية إعادة الاعمار بعد الحرب، إذ يتمتع بالقدرة على تحفيز النمو الاقتصادي من خلال استثماراته ودوره في استعادة الإنتاجية وتحفيز الأسواق المحلية والدولية. ويمكن للمؤسسات الخاصة أن تساهم في تعزيز الثقة من خلال استثمارات طويلة الأجل، التي تخلق فرص عمل وتزيد من تدفق رأس المال إلى الاقتصاد اللبناني. وعليه، يمثل القطاع الخاص ركيزة أساسية في عملية استعادة الاستقرار الاقتصادي من خلال إحياء القطاعات الانتاجية وزيادة قدرتها على توفير السلع والخدمات. وفي حال اعتماد استراتيجية شاملة للاصلاحات ودعم بيئة الاستثمار، فإن مؤشر مديري المشتريات قد يحقق تحسناً ملحوظاً في الأمد المتوسط.