Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر October 9, 2024
A A A
القطاعات الاقتصادية على شفا الانهيار… والتدخل الدولي بات مُلِحّاً
الكاتب: جوان العك

كتبت جوان العك في “لبنان الكبير”

يعيش لبنان ظروفاً أمنية صعبة، في ظل فشل المساعي الديبلوماسية في التوصل الى وقف لإطلاق النار بين “حزب الله” واسرائيل، واستمرار القصف العنيف على العديد من المناطق اللبنانية، مع بقاء انعكاسات الحرب السلبية على الوضع الاقتصادي غير محدودة، ومدى خطورتها مجهولة. وحذرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” في دراسة جديدة، من أن لبنان “يقف على حافة انهيار كارثي” بسبب التصعيد الأخير.

نسب الفقر في الجنوب
وتوقعت الدراسة الجديدة، التي تحمل عنوان “الأثر المتعدّد الأبعاد للاعتداءات الاسرائيليّة على لبنان”، أن ترتفع نسبة الفقر إلى 94 بالمئة في محافظة النبطية و87 بالمئة في محافظة جنوب لبنان، وهما المحافظتان اللتان عانتا من وطأة الدمار بعد أن تضرر أو دُمّر أكثر من 23 ألف منزل في أرجائهما.

الخبير في الشؤون المصرفية والباحث الاقتصادي محمد فحيلي، أوضح في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “الحرب تساهم بصورة كبيرة في تفاقم الفقر في المناطق المستهدفة مثل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، حيث أن البنية التحتية تضررت بشدة، والمناطق هذه تعاني بالفعل من نقص في الموارد والخدمات. الحرب تعوق حركة الأفراد والبضائع، ما يزيد من التكاليف ويعمّق الأزمة الاقتصادية. الأثر الأكبر سيكون في تدمير سبل العيش وارتفاع معدلات البطالة، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الاستهلاك الداخلي ويزيد الاعتماد على المساعدات الخارجية. اقتصاد الأفراد سيُصاب بالشلل، وسيؤدي إلى تدهور أعمق في الاقتصاد الكلي”.

أما مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني فأشار في حديث لـ”لبنان الكبير” الى أن “نسب الفقر في الجنوب سترتفع بصورة كبيرة، حتى أن هذه النسبة كانت مرتفعة في كل لبنان قبل الأزمة، وتضاعفت بعد الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2019 ولا زالت مستمرة، وبالتأكيد سيزداد الفقر في لبنان وفي الجنوب خصوصاً لأن قسماً كبيراً من أهل الجنوب كان يعتمد على الزراعة، وتضررت الأراضي الزراعية الجنوبية بنسبة كبيرة بفعل الحرب، كذلك مختلف العاملين في الجنوب الذين نزحوا وفقدوا وظائفهم ومورد دخلهم، ناهيك عن تضرر البيوت وخسارة قسم كبير من الجنوبيين منازلهم وما يحمله ذلك من تداعيات كبيرة على أصحابها، كخسارة المدخرات وغيرها. والأولوية اليوم للدعم الأولي الفوري، فالنازحون حالياً في وضع صعب جداً وبالغ الفقر ولا يملكون أدنى المقومات من مكان سكن وطعام وما الى ذلك، وبالتالي فالتركيز يجب أن يكون على توفير الدعم لهم”.

القطاع الصحي
كذلك أشارت الدراسة إلى الأزمة الإنسانية الحادة المتوقعة، مع اشتداد الصراع، الذي يجر القطاع الصحي “المنهك أساساً”، إلى حافة الهاوية.

والقطاع الصحي الذي كان منهكًا بالفعل قبل الحرب أصبح الآن على شفا الانهيار. تدمير المستشفيات والبنية التحتية الصحية في المناطق المستهدفة، بالاضافة إلى نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، سيؤدي إلى كارثة إنسانية. العديد من المستشفيات تعمل في ظروف شبه مستحيلة، ومع ارتفاع الإصابات والجرحى نتيجة القصف المستمر، يبدو أن القطاع الصحي اللبناني لن يصمد طويلاً من دون تدخل دولي عاجل”، بحسب فحيلي.

وقال مارديني أنه “في لبنان يوجد حوالي 187 مستشفى، 12 ألف سرير، في حرب 2006، 70 بالمئة من المستشفيات تخطت قدرتها الاستيعابية، وبالتأكيد سيزداد الضغط على المستشفيات في الحرب الحالية وعدد الجرحى المرتفع الذي شهدناه في عدة مستشفيات. الفرق بالنسبة للقطاع الصحي بين اليوم و2006، أن لبنان شهد أزمة صعبة جدا أضعفت هذا القطاع بشكل كبير وزادت الضغط عليه وخسر العديد من الأطباء والممرضين الذين هاجروا من لبنان، وبالتالي القطاع الصحي يرزح أصلا تحت أزمة اقتصادية، وستتفاقم أزمته في الحرب نظرا لزيادة الطلب على الخدمات الصحية سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة التي تعاني على حد سواء من نقص في المعدات الطبية والموارد البشرية. هذه الحرب أتت في أسوأ توقيت للقطاع الصحي”.

القطاع السياحي
أما في ما يتعلق بالسياحة، فتوقعت الدراسة أن تفوق الخسائر الـ 3 مليارات دولار. وكانت وكالة S&P Global للتصنيف الائتماني، قد حذرت من أن خسائر السياحة وحدها قد تقلص ما يصل إلى 23 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي للبنان.

وأوضح مارديني أن “القطاع السياحي سيكون أكبر المتضررين لأنه المحرك للاقتصاد اللبناني ويحقق مدخولاً يقارب 6 و7 مليارات دولار سنوياً، وهذه المداخيل تتوزع على القطاعات الأخرى كالاستهلاك والتعليم وغيره. ومع توقف شركات الطيران عن العمل، ما عدا طبعاً طيران الشرق الأوسط، وتراجع الزيارات الى لبنان وتقطع علاقاته مع الخارج، لم تهنأ البلاد سياحياً وكان الموسم السياحي سيئاً جداً، ما ينعكس على مختلف القطاعات”.

هذا القطاع كما قال فحيلي، “كان يواجه أزمة كبيرة قبل الحرب بسبب الأزمة الاقتصادية، والآن مع تصاعد القصف وتدمير المواقع والبنية التحتية، من الصعب تخيل عودة السياحة خصوصاً إذا استمر الصراع لفترة طويلة. السياحة تتطلب استقراراً أمنياً، وهذا غير متوافر في الوقت الراهن”.

القطاعان الزراعي والصناعي
قضت القنابل الفوسفورية على القطاع الزراعي، وحذرت اللجنة في هذا الاطار من تهديد الأمن الغذائي وسبل العيش في المجتمعات الريفية، وبالتالي تصبح جهود التعافي أكثر تعقيداً وتحتاج الى فترات زمنية طويلة في ظل تلوث التربة. ولم يتمكن المزارعون من زراعة 17 مليون متر مربع من الأراضي نتيجة للصراع، منذ آب 2024، فيما يتوقع أن ينكمش القطاع الصناعي بنسبة تزيد عن 50 بالمئة، ما يؤدي إلى خسائر بحوالي 2 مليار دولار.

ولفت مارديني الى أن “نسبة القطاع الزراعي من الناتج المحلي حوالي 3 الى 4 بالمئة، ولا يشكل جزءاً كبيراً، لكن بالطبع الضرر يقع على المستفيدين كافة من هذا القطاع. وتساهم الزراعة بـ 300 الى 400 مليون دولار سنوياً وهذه ستكون الكلفة بين تضرر الأراضي وعدم قدرتهم على الإنتاج. لكن من ناحية الأمن الغذائي فالموضوع يختلف لأن لبنان لا يعتمد على القطاع الزراعي للاستهلاك، بل على الاستيراد، ويصبح الأمن الغذائي مهدداً في حال تعرضنا لحصار ومنع دخول السلع الى لبنان ولا خوف على الأمن الغذائي ما دامت التجارة موجودة”.

وقال فحيلي: “الزراعة تأثرت بشدة ليس بالقنابل الفوسفورية وحسب، ولكن الآن أيضاً بالتدمير المباشر للبنية التحتية الزراعية والأراضي الزراعية في الجنوب والبقاع. احتمالية تعافي القطاع الزراعي تبدو ضئيلة من دون خطط إعادة إعمار طويلة الأمد. القطاع الزراعي، الذي كان أساساً للأمن الغذائي في لبنان، سيتراجع أكثر، ما سيزيد الاعتماد على الاستيراد وبالتالي تفاقم الأزمة الاقتصادية بصورة أكبر”.

وأضاف: “القطاع الصناعي يعاني الآن ليس من نقص الدعم الحكومي وحسب، ولكن أيضاً من الدمار الذي تسببت به الحرب في المصانع والمناطق الصناعية. هذا الانكماش سيؤدي إلى فقدان المزيد من الوظائف وتراجع في الإنتاجية. غياب الدولة وعدم تفعيل خطة إنقاذ واضحة يعزز من هذا الانهيار، وسيكون من الصعب جداً تعافي هذا القطاع من دون دعم دولي وإعادة هيكلة جذرية”.

كذلك لفت مارديني الى أن “نسبة القطاع الصناعي من الناتج المحلي أكبر من الزراعة، حوالي 14 بالمئة لذلك كلفة الضرر عليه ستكون أكبر. وتوقفت الصناعة بالطبع في مناطق الجنوب بفعل الحرب، وهي مشكلة كبيرة في ظل ضعف الحركة الاقتصادية في البلد حتى بقية مصانع لبنان انخفض الطلب على منتجاتها. المشكلة الأكبر التي ستواجهها الصناعة، اذا ما تعثر النقل البحري والاستيراد والتصدير من لبنان واليه، ستكون هنالك مشكلة في المواد الأولية اللازمة للإنتاج كذلك مشكلة في تصريف البضائع، وتحديداً التصدير الى الخارج، الذي يعتبر عنصراً أساسياً وحيوياً للصناعة اللبنانية”.

ونظراً الى كل ما سبق، يصبح من البديهي التساؤل حول مصير هذه القطاعات، خصوصاً أن الحرب لا تزال مجهولة المعالم والأفق، ما يشكل خطراً أكبر على مختلف القطاعات الاقتصادية، فيزداد الضغط عليها وتصعب قدرتها على الصمود. وفي هذا الاطار، أوضح فحيلي أنه “في ظل الحرب المستمرة، يمكن بالفعل الحديث عن تفكك القطاعات الاقتصادية. الحرب تضيف طبقة جديدة من التحديات على ما كان بالفعل اقتصاداً هشاً. القطاع الزراعي والصناعي والسياحي في تراجع مستمر، والدولة في وضع لا يسمح لها بتقديم الدعم الكافي. جهود الحكومة إن وُجدت تبدو عاجزة عن منع الانهيار، وإذا استمر الصراع لفترة أطول، فقد نشهد انهياراً شاملاً للقطاعات الاقتصادية الأساسية في لبنان”.

والحل بحسب فحيلي يكون عبر العمل على مسارين متوازيين: “الاستجابة للأزمة الإنسانية والاقتصادية الناجمة عن الحرب، وتحضير خطط إعادة الإعمار طويلة الأمد بالتعاون مع المجتمع الدولي لمنع انهيار لبنان بصورة كاملة”.

الأمر نفسه شدد عليه مارديني كحلّ يكمن في “الدعم الآني لحاجات النازحين من مأكل ومشرب ومأوى بالحد الأدنى، بالإضافة الى المساعدات الدولية التي نأمل وصولها الى مستحقيها وعدم هدر جزء منها كما اعتدنا من قبل. وبالدرجة الثانية لا بد من الانتباه الى أن النازحين يتواجدون في المدارس، وبدأ العام الدراسي مع عدم قدرة طلاب الجنوب على استكمال تعليمهم بسبب النزوح الى مناطق أخرى، وبالتالي يجب إعادة إطلاق القطاع التعليمي ويمكن أن نلجأ الى تعاون مع المدارس الخاصة، أي حصول طلاب المدارس الرسمية على منح للتعلم في المدارس الخاصة سواء للنازحين أو لمختلف الطلاب الذين أصبحت مدارسهم ملاجئ للنازحين. وعلى الحكومة أيضاً الامتناع عن الانفاق، وهي لا تملك الأموال للإنفاق أصلاً، وأي انفاق تقوم به الدولة سيكون انفاقاً تضخمياً سيؤدي الى ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة، وبذلك نكون قد فاقمنا أزمة النزوح بأزمة ارتفاع الأسعار”.