Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر August 24, 2023
A A A
القضاء أمام اختبار تقرير الفاريز ومرسال..؟
الكاتب: اللواء

تقرير «الفاريز ومرسال» وضع القضاء اللبناني أمام اختبار جديد وحاسم، يتوقف على نتائجه تحديد سمعة ومكانة القضاة المعنيين بمتابعة التحقيق، في الوقائع والمعلومات الواردة في التدقيق الجنائي الذي أنجزت صيغته الأولية الشركة العالمية.
القضاة الذين كلفوا من النيابة العامة التمييزية أمام خيارين لا ثالث لهما: إما فتح أبواب المحاسبة والعقاب على مصراعيها، إنطلاقاً من الإتهامات الصريحة والمبطنة التي ذكرها التقرير الأولي، والتي يمكن أن يؤدي توسع التحقيق القضائي في ملابساتها إلى توضيح الكثير من الخفايا والتجاوزات التي أدت إلى إفلاس الدولة، وتطيير أموال المودعين في المصارف، والتي كانت تُقدر بحوالي ١٢٤ مليار دولار.

وإما أن يختار القضاة سلوك درب التخاذل والتواطؤ مع المنظومة السياسية الفاسدة، فيصبح مصيرهم مرتبطاً بما ستؤول إليه أوضاع أهل الفساد، على ضوء التحقيقات الدولية الجارية في نيويورك وباريس وعواصم أوروبية أخرى، في ملفات رياض سلامة وعائلته والمقربين منه.
مرجعيات قانونية مرموقة تعتبر أن هذا الإختيار هو فرصة مهمة لكبار القضاة ليثبتوا جدارتهم وإستقلاليتهم عن المنظومة السياسية، لأن الخوض في استقلال القضاء تحوّل إلى مجرد شعار في البازار السياسي، في الوقت الذي كان فيه أهل السياسة يشددون قبضتهم على القضاء، ويتدخلون في التعيينات، ويضغطون في التحقيقات، ويحصلون على الأحكام والقرارات التي تُناسب مصالحهم، وتخدم زبائنيتهم.

المحاولة الجدّية التي يخوضها حاكم المركزي بالإنابة وسيم منصوري ونوابه، في تأكيد إستقلالية المؤسسة النقدية الأولى، ورفض التعاون العشوائي مع السلطة السياسية على حساب مالية الدولة، وأموال المودعين، تستحق أن تكون نموذجاً للقضاء، خاصة وأن توجهات الحاكمية الجديدة تحظى بتأييد شعبي واسع، وبتشجيع خارجي مؤثر في تغليب كفة الإصلاح والحد من الإنهيارات، على ما كان سائداً في عهد الحاكم السابق، من فساد وسرقات وسوء استعمال للسلطة، لتحقيق منافع شخصية بمئات الملايين من الدولارات.
ما تم تداوله من معلومات وردت في ذلك التقرير الأولي، هو غيض من فيض، والنسخة الأصلية باللغة الأنكليزية حافلة بكمٍّ من التجاوزات، يصح وصف العديد منها بالفضائح المخزية، لأن وقائعها تفوق أسوأ التوقعات إحتمالاً بأن تحصل مثل هذه الممارسات، من حاكم أمضى ثلاثين سنة في مركزه، وكان يحرص أن يظهر بصورة المنقذ والمدبّر، والمتفوّق باستنباط الحلول المناسبة في الأزمات.
التحقيق الجنائي اقتصر على الفترة الممتدة بين ٢٠١٥ و٢٠٢٠، وبقي في إطار المستندات التي سمح سلامة بوصولها إلى محققي «الفاريز ومرسال»، ولكن ماذا لو امتد التحقيق للسنوات الأخيرة من ولايته، وفتحت الحاكمية الجديدة خزائن المستندات أمام التحقيق الجنائي؟