Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر May 4, 2023
A A A
القرار اتّخذ… والإخراج قيد التحضير
الكاتب: طارق ترشيشي - الجمهورية

لا يعكس بعض المواقف المعلنة من الاستحقاق الرئاسي بما تعبّر عنه من تعقيدات حقيقة ما يدور في الكواليس المهتمة به ويركّز على الاسراع في إنجازه، ومع انطلاق السفير السعودي في لبنان وليد البخاري في جولته الاولى بعد الاتفاق السعودي ـ الايراني على المرجعيات والقيادات السياسية والدينية، ينتظر ان تتّضِح الصورة اكثر في قابل الايام في ضوء المعطيات التي عاد بها من الرياض، وهو استهلّ هذه الجولة أمس برئيس مجلس النواب نبيه بري ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.

يتوقف المراقبون في قراءتهم للاحداث والمعطيات التي ترافق الاستحقاق الرئاسي اخيراً، خصوصاً في الفترة الزمنية اللاحقة للاتفاق السعودي ـ الايراني، وللتقارب السعودي ـ السوري، إذ انّ مجمل المعطيات الداخلية معطوفة على المعطيات الخارجية لا بد له من ان يوصِل الى نتيجة واحدة لا محالة: سليمان فرنجيه رئيساً للجمهورية.

واستناداً الى ما تقدم يلاحظ هؤلاء المراقبون تفنيداً الآتي:

ـ أولاً، انّ الموقف الاميركي لا يزال على حاله وهو ان ليس للولايات المتحدة الاميركية اي مرشح تدعمه لأنها لا تريد ان تتحمّل مسؤولية عمله في ظل الواقع اللبناني الداخلي المعروف، وبالتالي هي تحرص على الالحاح بوجوب إجراء انتخابات رئاسية سريعاً في لبنان بغضّ النظر عن نتيجة هذه الانتخابات وانها ستتعامل بصورة طبيعية مع الرئيس المنتخب، اذ انّ جُل ما يهمها هو عدم تفجير الوضع في لبنان لأنه إن حصل ذلك فهو يعاكس اجندتها الاقليمية خصوصاً لجهة المحافظة على إنجاز ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وهي تطمح ايضاً الى ترسيم الحدود البرية بعد ان تبتّ الدولتان اللبنانية والسورية مسألة التنازع حول الاراضي على الحدود اللبنانية ـ السورية الجنوبية، اي منطقة مزارع شبعا. فواشنطن لا تلتفت الى هوية رئيس الجمهورية وانتمائه السياسي، والدليل الى ذلك هو ما أنجزته في ظل وجوب رئيس تفرض عقوبات على صهره ومناوئ لِخطّها السياسي كما انها لا تتوقف اطلاقاً عند هواجس وعواطف سبق ان رَعتها واختبرتها، وما سجن رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتورسمير جعجع ونفي العماد ميشال عون في تسعينات القرن الماضي سوى دليل دامغ على ذلك.

ـ ثانياً، بالنسبة الى ما يتعلق بفرنسا فإنها تتعاطى مع الاستحقاق الرئاسي بمنتهى البراغماتية، إذ انها تَعي تماماً عدم إمكانية انتخاب رئيس لا يأخذ في الاعتبار موازين القوى في الداخل اللبناني والخارج الاقليمي، ويكفي ان تكون على تَماس يومي مع المملكة العربية السعودية ومع «حزب الله» لكي تختبر نياتهما الحقيقية وهما الفريقان الاكثر فعالية في الداخل اللبناني، كيف لا وهي التي طرحت مسألة توزيع الرئاسات بين الفريقين المتخاصمين. ومن هنا فهي تراكم الايجابيات في هذا الملف ويشتد إيمانها بخريطة الطريق التي رسمتها وما من رادع لها في عملية التوصّل الى الخواتيم السعيدة المرجوة.

ـ ثالثاً، إن العوامل السياسية التي تحرك السياسة الخارجية السعودية ترتبط بسياق تنفيذ الاتفاق السعودي ـ الايراني الذي رَعته الصين وبارَكته الولايات المتحدة الاميركية، وكذلك ترتبط بالمسار السعودي ـ السوري حيث ترى المملكة انّ تسوية المسألة السورية هي من الاولويات في عملية تصفير المشكلات وإنجاز المصالحات العربية ـ العربية ورعايتها والذهاب اكثر الى الاستقرار الاقليمي تمهيداً لإطلاق فكرة «اوروبا الجديدة» التي يعمل عليها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان. وبالتالي، فالمملكة تأخذ في الاعتبار كل ما من شأنه تحسين العلاقات اللبنانية ـ السورية ومن اهم العوامل المساعدة لذلك انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يستطيع إنجاز هذا الامر.

ـ رابعاً، لا يقلّ الدور الروسي فعالية عن الادوار الاخرى لارتباطه بالمسألة السورية وذلك بسبب العلاقات السورية ـ الروسية المتقدمة والتي من شأنها مساعدة السعودية على انجاز مخططها في الاستقرار، كونه يشكل عاملاً مسهلاً ولا يتعارض مع الاجندة الروسية في المنطقة.

ـ خامساً، انّ دور ايران، خصوصاً بعد الاتفاق السعودي ـ الايراني لا يقلّ شأناً عن غيره في مسألة الاستقرار الاقليمي خصوصاً انه يأتي خارج رعاية الادارة الاميركية، فإيران تستطيع من خلال علاقاتها مع سوريا وفي الداخل اللبناني ان تساهم في هذا الاستقرار. وفي هذا السياق لن يكون هناك من مبرّر في ان تقدم السعودية على معاكسة حلفاء ايران في لبنان، خصوصاً اذا ما تم الاخذ بملاحظاتها. كما انه لا يمكن تصوّر ان تكون الانتخابات الرئاسية اللبنانية عائقاً فعالاً امام الجريان السريع للاتفاق الايراني ـ السعودي.

ـ سادساً، السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المضمار هو: هل يستطيع المعارضون لانتخاب فرنجيه ان يعطّلوا ترجمة هذه الاجواء الاقليمية ـ الدولية؟ وهل أحسَنَ هؤلاء قراءة المعطيات وتجاهلوها؟ وهل هم فعلاً مستعدون للذهاب الى النهاية في مواجهة هذه التسوية؟

ثمة من يعتقد انّ التاريخ خير دليل الى ذلك، إلا انّ الظروف السابقة تختلف عن الظروف الحالية، حيث كان يسود المدفع، امّا اليوم فإن الامر يختلف تمام الاختلاف، فالكتل المعارضة هي صناعة خارجية بنسبة مئة في المئة، وبالتالي ان محاولة هؤلاء المعارضين الذين يتقاطعون سلباً يحاولون خلق مناخ استباقي امام الموقف السعودي المُستجِد، وكأنّ الضحيح في إمكانه إيقاف ما اتفق عليه الى حد انّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع وصلَ به الامر الى ما وصفه البعض بـ»تمييع» الاتفاق السعودي ـ الايراني والتقارب السوري ـ السعودي ضارباً عرض الحائط ألف باء العمل السياسي الذي يبدأ بالواقعية السياسية ويلتزم مقولة انّ «السياسة هي فن الممكن»، وبالتالي ان هذا السلوك من شأنه ان يتبدّد، كيف لا وهؤلاء المعارضون عجزوا عن الاتفاق على اسم مرشح واحد يُنازل فرنجية في مجلس النواب، لا بل اكتفوا بالمعارضة السلبية من دون اي تبرير سوى انهم يرفضون ان يكون فرنجية امتداداً لعهد الرئيس ميشال عون وانهم يريدون رئيساً غير فاسد وغير مُنخرط في المنظومة القائمة.

 

وهنا يتوقف المراقبون عند جملة من الامور ويختصرونها بالتساؤلات الآتية:

كيف يمكن لمَن أوصلوا عون الى رئاسة الجمهورية ووقّعوا تسوية تحاصصية معه ان يحمّلوا فرنجية مسؤولية عهده؟ وكيف يمكن لمَن لم ينتخب عون ان يتحمّل وزر عهده في حين ان من يتهمه بذلك هو من صنع هذا العهد؟ وكيف يمكن لآخر ان يروّج لرئيس قادر على بناء الدولة في حين انّ الدولة انهارت تحت قيادته؟ وكيف لمَن فاوضَ فرنجية عام 2016 ان ينتخبه مقابل مكاسب معينة ان يعود ويعتبره غير صالح لبناء الدولة وينتمي الى محور ممانع يعبث بالدولة علماً ان فرنجية ينتمي الى هذا المحور منذ ايّام جده الرئيس الراحل سليمان فرنجيه؟

ويضيف المراقبون «ان الدخول اكثر في التفاصيل يظهر في وضوح ان التقاطع السلبي بين هذه القوى يعني انها غير متفقة على مرشح، وهذا يعني ايضاً انه لو سلّمنا جدلاً من خلال احصاء وتصوّر بسيطين انه لو ترشّح كل من جعجع ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل وفرنجية وفتحت ابواب المجلس وتم الاقتراع لهؤلاء الاربعة، تكون النتيجة كالآتي:

تفوّق فرنجيه بالبعد الوطني، وشِبه تعادل في الاصوات المسيحية بين الاربعة. وبالتالي، انّ محاربة فرنجيه غير موفقة استناداً الى كل هذه المعطيات، وبالتالي سواء تغيّرت استراتيجية الفريق المعارض او لم تتغير، فإن فرنجيه هو رئيس جمهورية لبنان المقبل، فلقد سبق السيف العزل، القرار اتخذ والاخراج قيد التحضير.