Beirut weather 18.54 ° C
تاريخ النشر December 19, 2017
A A A
“الفيتو” الأميركي.. صَفعةٌ لعَرب الاعتدال
الكاتب: عبد الباري عطوان - رأي اليوم

“الفيتو” الأميركي في مَجلس الأمن صَفعةٌ لعَرب الاعتدال.. لماذا نَخشى من زِيارة عباس الثانية للسعوديّة؟ وهل ما زالت إسرائيل “العَدو العاقِل” في نَظَر بَعض المُطبّعين العَرب؟

لم يُفاجئنا، والكَثيرون غَيرنا، استخدام الولايات المتحدة الأميركيّة لحَق النّقض “الفيتو” لإجهاضِ مَشروعِ قرارٍ تَقدّمت بٍه الحُكومة المِصريّة، يَعتبر “أن أيَّ قراراتٍ تَخصْ وَضع مدينة القُدس المُحتلّة ليس لها أثرٌ قانونيّ، ويَجب سَحبها”، كرَدٍّ على اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالمَدينة المُقدّسة كعاصِمَةٍ لإسرائيل ونَقل السّفارة الأميركيّة إليها.

لم يُفاجِئنا لأنّه لم يُخالِجنا أدنى شَك بحَجم الحِقد العُنصري العُدوانيّ الذي تَكنّه الإدارة الأميركيّة الحاليّة للعَرب والمُسلمين، وانحِيازِها المُطلق للحُكومةِ الإسرائيليّة وكُل سِياساتِها العُنصريّة والإرهابيّة والاستيطانيّة في الأراضي المُحتلّة.

نيكي هيلي، مَندوبة أميركا في الأُمم المتحدة، أكّدت أنّها ستَستخدم “الفيتو” لأن قرار مَجلس الأمن بإدانة الاستيطان الذي صَدر في آخر أيّام إدارة الرئيس باراك أوباما “كان وَصمةَ عارٍ لأميركا لن نَرتكب هذا الخَطأ مُجدّدًا”.

هذا “الفيتو” الأميركي جاء “هَديّةً” للمُنتفضين في الأرض المُحتلّة، والمُحتجّين المُتضامين مَعهم في مُختلف أنحاءِ العالم الإسلاميّ، مِثلما جاءَ صَفعةً للحُكومات العَربيّةِ “المُعتدلة” التي اتّخذت مَواقِف “رَخوةً” تُجاه قرارِ الرئيس ترامب، ومَنعت أيَّ احتجاجاتٍ في عواصِمها ومُدنِها، وأصْدَرت تَعليماتٍ إلى أجهزة إعلامِها بتَجاهل فعاليّات الانتفاضةِ في القُدس المُحتلّة.

نَخشى من هذا “الغَرام” السعوديّ المُفاجِئ نَحو الرئيس الفِلسطيني محمود عباس الذي سيَشُدّ الرّحال اليوم الثلاثاء إلى الرياض تَلبيةً لدعوةٍ رسميّةٍ من العاهل السعوديّ ووليّ عَهدِه، هي الثّانية في أقل من ثلاثةِ أسابيع.

في الزّيارة الأولى، مِثلما ذَكرت صُحف أميركيّة نَقلاً عن مَسؤولين أميركيين من بَينها “نيويورك تايمز″، طالبَ الأمير محمد بن سلمان الرئيس الفِلسطينيّ بالتّنازل عن القُدس، والقُبول ببلدة “أبو ديس″ عاصِمةً للدّولة الفِلسطينيّة المَوعودة، والقُبول بالصّفقة الأميركيّة الكُبرى التي يَطبُخها الرئيس ترامب وصِهره جاريد كوشنر، ومحورها القبول بدولة فلسطينية في قطاع غزة، بعد تَسمينها بإضافةِ أراضٍ من سيناء إليها، مَرفوقةً بعَرضٍ ماليٍّ سَيحصل عليه الرئيس عباس مِقداره عشرة مليارات دولار، ولم يَصدر أيَّ نَفيٍ رَسميٍّ سُعوديٍّ لهذهِ التّقارير حتى الآن.

لا نَعرف ما هو العَرض السعودي الجديد الذي يَنتظر الرئيس عباس في زيارتِه الثانية، فهل سَيكون السّؤال عن ردّه فيما يتعلّق بالعَرض الأوّل، أم أن هُناك “تحسينات” جديدة جَرى إدخالها عليه، لجَعلِه أكثرَ جاذِبيّةً وقُبولاً.

المملكة العربيّة السعوديّة لا تعتبر إسرائيل عَدوًّا، وفي برنامج في مَحطّة “بي بي سي” التلفزيونيّة العَربيّة، كُنت أحد ضُيوفِه (الأحد)، أكّد الدكتور أنور عشقي، حامِل ملف التّطبيع بين بِلاده وتل أبيب، أن القِيادة السعوديّة تَعتبر إيران هي العَدو الأوّل، ولا تَرى أن إسرائيل كذلك، ووَصف في مُقابلةٍ أُخرى إسرائيل بأنها عَدو “عاقِل”، بينما وَصف إيران بالعَدو “الجاهِل”، والأخيرة أكثرَ خُطورةً، ونَاقشته في برنامج “حديث الساعة” في المَحطّة نَفسها يوم الأربعاء الماضي، في هذا التّصريح، وقُلت له، وبكُل هُدوء، كيف يَصف إسرائيل بالعَدو العاقِل وهي التي قتلت آلاف العَرب والمُسلمين، وتَحتل القُدس وكل أرض فِلسطين، وهَضبة الجولان ومَزارع شبعا، واعتدت على قِطاع غزّة ثلاث مرّات، وجنوب لبنان، واحتلّت بيروت، وارتكبت مَجزرتين في قانا راحَ ضحيّتهما 500 إنسان، مُعظمهم من النّساء والأطفال احتموا بمَركز للأُمم المتحدة للنّجاة بأرواحِهم.

ربّما يَختلف الكثيرون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولا يَثقون بكَلامِه، ولكن تَحذيره قبل أيّام من أن ضياعَ القُدس المُحتلّة وتَهويدِها قد يَكون مُقدّمةً لضَياع المَدينة المُنوّرة ومكّة المُكرّمة، ولكن ما قاله في هذا المِضمار صحيح، والأطماع اليهوديّة في هاتين المَدينتين المُقدّستين مُوثّقة، والمَسألة مَسألة وَقت وتَوقيت، ومن يُجادل بغَير ذلك لا يَعرف التّاريخ، ولا يَعرف اليهود أيضًا، فمَن يَدّعي أن له حَق في فِلسطين يَعود لثلاثة آلاف عام، لن يُفرّط بوجودِه في خيبر قبل 1500 عام.

مِثلما كان قرار الرئيس ترامب بتَهويد القُدس مُفجّرًا للانتفاضة، والصّدمة غير المُتوقّعة، لإيقاظ الأمّتين العَربيّة والإسلاميّة من سباتِهما، وحال الضّياع التي نَعيشها، فإنّ هذا “الفيتو” الصّفعة هو تأكيدٌ إضافيٌّ على العَداء الأميكيّ، والحاجةِ إلى ضَخْ دِماء الكرامةِ المَطلوبة في عُروقِهما المُتسيّبة.

نَعم.. ومِثلما قُلنا سابِقًا “قد يَأتي الخَير من باطِن الشّر”، وهل هُناك خَيرٌ أفضل من هذهِ الانتفاضةِ المُباركة، ومُشاركة سَبعة ملايين مُسلم في احتجاجات جاكرتا وَحدها تَضامنًا مَعها وانتصارًا للقُدس، ناهيكَ عن مَلايين مَلأوا الشّوارع والمَيادين غَضبًا في مُعظم العواصِم العَربيّة والإسلاميّة؟

الفِلسطينيون ومَعهم العَرب والمُسلمين خَسِروا كُل فِلسطين ومُقدّساتِها التي باتت تحت الاحتلال، ولم يَبْقَ لهم ما يَخسرونَه، ولا نُبالغ إذا قُلنا أن خسارة إسرائيل والأميركان قد بَدأت، وسَتكون مُكلفةً وباهِظةً جِدًّا.. والأيّام بَيننا.