Beirut weather 16.41 ° C
تاريخ النشر March 3, 2018
A A A
الفوج النموذجي: ما تريده أميركا ولا يريده الجيش
الكاتب: فراس الشوفي - الأخبار

لا توفّر الولايات المتّحدة الأميركية وبعض الدول الغربية جهداً لرفع مستوى حصار المقاومة في لبنان، اقتصادياً وسياسياً وعسكريّاً وأمنياً. من القرار 1559 والحروب الإسرائيليّة المباشرة، إلى الحرب على سوريا، إلى محاولات تأليب اللبنانيين على حزب الله والنصف مليار دولار التي اعترف الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان أمام الكونغرس الأميركي، قبل سنوات، بدفعها لتشويه صورة المقاومة في لبنان، وصولاً إلى رفع سيف العقوبات الاقتصادية ولوائح «أوفاك»، يستمر الضغط وتتطوّر الأساليب، وتنجح المقاومة في كلّ مرّة في الخروج من «الفخاخ» بأقل الخسائر الممكنة.

بعد عقد وأكثر على صدور القرار 1701، وتيقّن إسرائيل وحلفائها من أن تحقيق «منطقة آمنة» في الجنوب اللبناني ليس أمراً وارداً، والفشل في تحويل قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل» إلى أداة في وجه المقاومة، كما حدث عشيّة التمديد لمهمات تلك القوات في آب من العام الماضي بعد الاعتراض الروسي (والقلق الفرنسي ــ الألماني)، يبقى الرّهان الإسرائيلي ــ الأميركي منصبّاً على تغيير مهمات تلك القوات على أرض الواقع، عبر طرق جديدة هذه المرّة، لا تستثني محاولات استخدام الجيش اللبناني، للقيام بما عجزت عنه قوات «اليونيفيل».

فمع أن إسرائيل والولايات المتّحدة فشلتا في تغيير مهمات اليونيفيل بشكل جذري، إلّا أنهما نجحتا في إدخال مصطلح عمليات «التفتيش» أو «التحقّق» (inspections) على مهمات هذه القوات، كما نصّ على ذلك القرار الدولي 2373 الصادر في 30 آب 2017. ونصّ القرار على مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بتعزيز حضور اليونيفيل، عبر الدوريات وأعمال التفتيش والتحقّق ضمن مهماتها وقدراتها بحسب المادة 14 من نفس القرار، أي ضمان عدم استخدام منطقة عملها للقيام بنشاطات تخالف القرار 1701.

الأمر اللافت أيضاً، في نص القرار الدولي، ما ورد في مادته السادسة، لجهة إشادة مجلس الأمن بـ«جهود الحكومة اللبنانية بإنشاء الجيش اللبناني للفوج النموذجي (THE MODEL REGIMENT) ونشر زورق دورية في منطقة عمليات اليونيفيل». هذه «اللفتة» نحو الفوج النموذجي، تعبّر عن رؤية أميركية في اعتبار الفوج المدخل المناسب لقيام الجيش اللبناني بما تعجز عنه قوات الطوارئ الدولية، لناحية القيام بعمليّات التفتيش المرجوّة في جنوب الليطاني، بحثاً عن أسلحة أو مستودعات أو أماكن «مشبوهة»، كتلك التي لا تنفّك إسرائيل توجّه رسائل لقوات اليونيفيل بشأنها.

ويقول مسؤول دولي رفض ذكر اسمه إن «مبدأ التدقيق والتفتيش الذي أضيف إلى نص القرار 2373، يرتبط بشكل مباشر بمهمات الفوج النموذجي الذي تحمّس له الأميركيون».

تربط واشنطن بين ميزانية اليونيفيل وتنفيذ الأخيرة للمهمات المطلوبة أميركياً

ويشير إلى ما يسمّيه «أريحية الجيش اللبناني في التعامل مع الأهالي في الجنوب على عكس قوات الطوارئ الدولية»، ويتوقف عند ضغوط تمارسها إسرائيل على اليونيفيل للقيام بعمليات تحقّق استناداً إلى معلومات إسرائيلية عن مسلّحين ومخازن أسلحة، وحين نتعاون مع الجيش ويتبيّن عدم وجود أخطار أو أن الأسلحة التي يتمّ الحديث عنها هي أسلحة صيد، يعترض الإسرائيليون ويعتبرون أن اليونيفيل إما متواطئة أو أنها لا تستطيع القيام بمهماتها بأريحية». ومع أن كلام المسؤول الأممي مثبت في التقرير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة في تشرين الثاني الماضي، الذي يشير إلى أنه من بين 251 حالة اعتراض إسرائيلية على وجود أسلحة، تبيّن أن 240 حالة منها كانت لمواطنين يحملون أسلحة صيد، إلّا أن «الأميركيين يعتبرون أن عمليات التحقيق غير كافية واليونيفيل لا تستطيع الوصول إلى كل الأماكن في الجنوب، ولذلك يعوّلون على قيام الفوج النموذجي المنوي تشكيله بمهمات التحقيق والتفتيش تلك».

رواية المسؤول الأممي يدعمها كلام مسؤول غربي في بيروت، عن أن «التركيز الأميركي على الجيش اللبناني هدفه في نهاية المطاف تشكيل قوة ردع داخلية بوجه حزب الله». ويقول إن «الفوج النموذجي شبيه بمشروع أفواج الحدود البرية (الشمالية والشرقية)، إلّا أن الطموح الأميركي يتعدى ذلك إلى قيام هذا الفوج بتفتيش مستودعات حزب الله في الجنوب والوصول إلى الوديان والأراضي والمحميات التي لا تقترب منها اليونيفيل، أو يقوم أهالي القرى بتحريض من حزب الله بمنع القوات الدولية من الوصول إليها».

في المقابل، ترى مصادر عسكرية لبنانية أن تشكيل الفوج النموذجي عبارة عن «مشروع لبناني قديم». وتقول لـ«الأخبار» إن «الجيش اللبناني يستفيد من الدعم الغربي والأميركي تحديداً لتطوير قدراته، والجيش يقوم بمهماته في الجنوب على أكمل وجه، والحدود في الجنوب من أهدأ الحدود في العالم. لكن بعض الطموحات الدولية بترتيب مهمات للجيش لأهداف سياسية، لن تعرف طريقها إلى أرض الواقع». وبحسب المعلومات، فإن الجيش شرع في تشكيل الفوج النموذجي ليكون سنداً لقواته العاملة في الجنوب، المكوّنة من لواءين وفوج التدخل الخامس الذي انتقل مؤخراً إلى جنوب الليطاني، لكن العمل على الفوج النموذجي لا يزال في أطواره الأولى (قرار بتشكيله ومن ثم تعيين قائد له هو العميد كرم حذيفة).

أما على مستوى عمل اليونيفيل، فلا تزال الضغوط الإسرائيلية والأميركية مستمرّة على قيادة هذه القوّات، لدفعها إلى تحقيق «نتائج أفضل في كبح جماح حزب الله»، وفق مصطلحات الديبلوماسية الأميركية في أروقة مجلس الأمن الدولي. ترى واشنطن أن «أيّ انكفاء لقوات اليونيفيل عن ممارسة دورها الأساسي (ضد حزب الله) يضعها أمام ضغوط كبيرة، بينها العمل على تغيير قيادتها، وهي مهمة وصلت إلى مراحل متقدّمة». وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن الأميركيين يدفعون باتجاه تغيير قائد قوات اليونيفيل الجنرال الإيرلندي مايكل بيري في أسرع وقت ممكن، حتى قبل انتهاء مهماته (في الصيف المقبل). ومن المرجّح أن تعود قيادة هذه القوات إلى جنرال إسباني كما يطالب الإسبان الذين يسهمون بعدد كبير من الجنود في القوة الدولية. وكان سبق لإسبانيا أن رشّحت أحد جنرالاتها لتولّي هذه المهمّة، لكنه فشل في اجتياز المقابلة التي تُجرى لتحديد إمكانات المرشّح، إلّا أن المعلومات تفيد بأن الإسبان سمّوا الضابط الذي ستؤول إليه مهمّة هذه القوات. وبحسب المعلومات أيضاً، فإن تخفيضاً مالياً جديداً قد يطال هذه القوات، وإن مفاضلة تجري بين خفض عدد الجنود أو عدد القطع البحرية بغية التناغم مع الموازنة الجديدة، التي تحاول الولايات المتحدة ربطها بمدى قدرة اليونيفيل على القيام بمهماتها، وفق المعايير الأميركية.

الفوج النموذجي وروما 2
تحت خانة «المفاعيل العملانية المطلوبة ــ 1701» في خطة الجيش اللبناني للأعوام 2018 ــ 2022، يرد «الفوج النموذجي». وتقول الخطة إنه «في تطبيق متطلبات القرار 1701، سيعمل الجيش على نشر فوج نموذجي وزورق دورية في منطقة عمليات اليونيفيل (القرار 2373)». ويبدو الفوج النموذجي، بحسب مصدر عسكري مطّلع، أبرز المشاريع التي ينوي الجيش تنفيذها في الخطّة، والتي قد تنال دعماً مالياً خلال مؤتمر روما 2 المنوي عقده في العاصمة الإيطالية منتصف الشهر الحالي، بهدف الحصول على دعم للجيش اللبناني من الدول المانحة. في المقابل، تقول مصادر أخرى إن الفوج النموذجي الذي يحظى باهتمام أميركي كبير، سيُعمل على تمويله بغضّ النظر عن روما 2، على غرار أفواج الحدود البرية التي تمّ تمويلها وتجهيزها أميركياً وبريطانيّاً، ليكون استكمالاً لأفواج الحدود في الجنوب، بعد الفوج الحدودي الرابع الذي من المفترض أن يغطّي الحدود الشرقية من جنوب المصنع حتى مزارع شبعا.