Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر May 26, 2024
A A A
الفقر ينهش اللبنانيين… 44% تحت الخط
الكاتب: هدى علاء الدين

كتبت هدى علاء الدين في موقع “لبنان الكبير”

يُلقي الفقر المتزايد في لبنان بظلاله القاتمة على المجتمع، حيث بات عدد متزايد من الأشخاص يعيش تحت خط الفقر، ضحيةً لأزمة مالية واقتصادية خانقة تُرخي بثقلها على البلاد منذ سنوات. فمنذ بداية الأزمة في العام 2019، شهد لبنان تدهوراً اقتصادياً هائلاً، بحيث تراجعت قيمة العملة المحلية بصورة كبيرة وارتفع معدل التضخم إلى مستويات قياسية، ما أدى إلى تقلص حاد في الناتج المحلي الاجمالي. وتأثرت البنية التحتية والخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والصحة والتعليم، بطريقة سلبية، ما زاد من الضغوط على الأسر اللبنانية، وخصوصاً الفئات الأكثر فقراً وضعفاً.

ومع تزايد معدلات البطالة وتراجع فرص العمل وارتفاع عدد الأشخاص الذين يلجؤون إلى العمل في وظائف غير مؤهلة وغير مستقرة، ازدادت حدة الفقر التي أعاقت فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

إلى جانب ذلك، يتسم الفقر في لبنان بالتفاقم المستمر، بحيث يتزايد العبء على الأسر بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة والخدمات الأساسية، وتقلص الدعم الاجتماعي والحكومي، ما يجعل الأوضاع أكثر صعوبة للفئات الضعيفة والمهمّشة في المجتمع.

كما أن استضافة عدد كبير من اللاجئين السوريين، الذين فرّوا من الحرب في بلادهم، شكل عبئاً إضافياً على موارد لبنان المحدودة، خصوصاً أن تأثيرهم على معدلات البطالة وسوق العمل كان ملحوظاً، ما أدى إلى منافستهم للعمال المحليين. وقد ساهم ذلك في تقليص فرص العمل أمام اللبنانيين، لا سيما في القطاعات التي يعمل فيها اللاجئون بصورة أساسية، مثل البناء والخدمات اليدوية. بالاضافة إلى ذلك، غالباً ما يُعتبر اللاجئون السوريون عمالة متاحة بتكلفة أقل من العمالة اللبنانية، ما يجعلهم خياراً جذاباً لبعض أصحاب العمل. وقد أدت هذه المنافسة السعرية إلى انخفاض أجور العمال في بعض القطاعات، وزيادة ضغط البطالة وانخفاض مستويات الدخل للعمال اللبنانيين.

الفقر يتضاعف ثلاث مرات
وفي هذا الاطار، أصدر البنك الدولي تقريراً صادماً كشف فيه عن تفاقم أزمة الفقر في لبنان، مشيراً إلى أن الفقر تضاعف ثلاث مرات على مدى عقد من الزمن شهد انزلاق الدولة المتوسطية الصغيرة إلى أزمة مالية طويلة الأمد.

وخلص التقرير الذي استند إلى دراسة استقصائية شملت نسبة 60 في المئة من السكان في خمس من أصل ثماني محافظات شملت عكار وبيروت والبقاع وشمال لبنان ومعظم جبل لبنان، إلى أن “واحداً من كل ثلاثة لبنانيين في هذه المناطق طاله الفقر في العام 2022”.

وأشار البنك الدولي إلى أن نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفعت من 12 في المئة في العام 2012 إلى 44 في المئة في العام 2022.

وقدمت البيانات نظرة عامة تفصيلية عن الظروف الاقتصادية لسكان لبنان منذ بداية الأزمة في العام 2019، على الرغم من أن البنك أشار إلى أنها غير مكتملة بسبب عدم إمكان الوصول إلى ثلاث محافظات في الجنوب والشرق.

وكشفت النتائج عن اختلافات كبيرة في مستويات الفقر بين مناطق مختلفة وبين المواطنين اللبنانيين والسوريين المقيمين في لبنان. ففي محافظة بيروت، انخفض معدل الفقر من 4 في المئة إلى 2 في المئة، بينما ارتفع في منطقة عكار من 22 في المئة إلى 70 في المئة، حيث يعمل معظم السكان في قطاعي الزراعة والبناء.

وأظهرت النتائج أن معدل الفقر بلغ 33 في المئة بين اللبنانيين و87 في المئة بين السوريين في العام 2022. وتبين أن العديد من اللبنانيين لا يزال يعمل في وظائف ماهرة، بينما تقوم غالبية السوريين بأعمال غير ماهرة.

ولفت التقرير إلى أن حوالي 73 في المئة من اللبنانيين و100 في المئة من السكان غير اللبنانيين يعتبرون فقراء وفقاً لمعيار “الفقر متعدد الأبعاد” الذي يأخذ في الاعتبار الوصول إلى الخدمات الأساسية.

وأجبرت الأزمة الاقتصادية، وفق التقرير، “الأسر على اعتماد مجموعة متنوعة من استراتيجيات التكيف، بما في ذلك خفض معدل استهلاك الغذاء والنفقات غير الغذائية، فضلاً عن خفض النفقات الصحية، مع ما قد يترتب عليه من عواقب وخيمة على المدى الطويل”.

خطوات عاجلة
يتطلب واقع الفقر تدخلاً عاجلاً وجاداً من الحكومة والمجتمع الدولي، لتحقيق التنمية المستدامة وتوفير فرص العمل والحد من التفاوت الاقتصادي والاجتماعي. يهدف هذا التدخل إلى بناء مجتمع يتسم بالعدالة والازدهار لجميع شرائح المجتمع اللبناني. ولتحقيق ذلك، ينبغي اتخاذ إجراءات عاجلة، بما في ذلك:

تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية: معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية، بما في ذلك خفض الإنفاق العام ومكافحة الفساد وتحسين بيئة الاستثمار.
تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي: توسيع نطاق برامج المساعدة الاجتماعية وتقديم الدعم للمحتاجين.
خلق فرص العمل: الاستثمار في مشاريع خلق فرص العمل، خصوصاً للشباب.
تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية: ضمان حصول جميع اللبنانيين على الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.