Beirut weather 16.94 ° C
تاريخ النشر December 4, 2025
A A A
الفاتيكان يتحرّك لخدمة الاستقرار والعدالة
الكاتب: فادي عيد - الديار

لا تزال الساحة الداخلية في أجواء الزيارة التاريخية، التي قام بها البابا لاون الرابع عشر إلى لبنان، والتي رسمت أفقاً جديداً أمام البلاد على أكثر من مستوى. وقد وجد السفير السابق لدى الفاتيكان أنطونيو عنداري، أن “زيارة البابا لاون الرابع عشر إلى لبنان، قد أعادت وضع لبنان على الخارطة الدولية، في لحظة كان فيها غارقاً في العزلة، فالبابا لاون قدّم رواية جديدة عن لبنان، وهي أنه بلد لا يُختَزَل بأزماته، إنما بدوره وبرسالة عيش الشرْكة فيه، فهذه النظرة تعيد الثقة بالكيان اللبناني وبقدرته على النهوض، وهي رسالة يحتاج اللبنانيون والعالم إلى سماعها”.

تناول عنداري تعامل الفاتيكان مع الأفكار التي سمعها البابا من المسؤولين اللبنانيين، ليؤكد لـ”الديار” أن “الفاتيكان بطبيعته لا يتعامل مع ردود فعل آنية، بل يضع ما يسمعه ضمن مسار طويل من المتابعة الهادئة. والمعروف عن الفاتيكان أنه القوة الهادئة، وهذا ما لمسته من خلال وجودي في السفارة. لذلك، فإن الأفكار التي سمعها البابا، سواء عن الإصلاح أو عن حياد لبنان أو الأزمة الإجتماعية، ستدخل كلها في الآليات الديبلوماسية التي تتدرّج من التواصل مع القوى الدولية المؤثّرة، إلى تعزيز الحضور الاجتماعي والإنساني للكنيسة محلياً، وصولاً إلى بلورة مقاربات جديدة تُطرح في اللحظة المناسبة، فالفاتيكان يطرح فكرة أولاً، ثم يبني خطواته على ما يخدم الاستقرار والعدالة، وليس المصالح الآنية”.

وهنا، يضيف أنه “علينا ألا ننسى أن البابا لاون أميركي الأصل، ويدرك تماماً كيف يخاطب العقلية الأميركية، وهو وضع لبنان من جديد على المسرح الدولي، وأستطيع التأكيد على أنه سيستمر في تواصله مع القوى الفاعلة، التي يمكن أن تؤثر في الوضع اللبناني، ولا سيما أن المجتمع الدولي يصغي لكلام البابا عندما يتكلم، خصوصاً بالملفات التي تهدّد السلم والعيش المشترك والكرامة الإنسانية”.

وعن الخرق الذي قد يحدثه الفاتيكان اليوم في جدار الأزمة اللبنانية، يقول إن “الخرق سيحصل، لأنه تحدّث كثيراً عن السلام الذي لا يحصل من دون حوار، سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، أو عبر لجنة الميكانيزم أو غيرها، ففي النهاية الخرق سيتحقّق بالتحاور وبالإرادات الدولية، وفق فكرة واضحة تتمحور حول حماية لبنان من الانهيار الكامل، لأن الفاتيكان يمتلك قدرة نادرة على جمع المتناقضين حول طاولة واحدة، حيث إن علاقاته معروفة من السعودية و “إسرائيل” وأميركا وإيران، خصوصاً عندما يكون الهدف إنسانياً، وهذا سيدفع القوى الدولية إلى التفاهم على الحد الأدنى لإنقاذ المؤسّسات، وسيدعم أي مبادرة عربية أو أوروبية أو أميركية محدّدة، وسيفتح باب الحوار الداخلي برعاية معنوية لا تُلزِم الأطراف، إنما هي ستحرجهم معاً أمام الرأي العام العالمي في حال لم يسيروا بالحوار”.

وعن تعيين السفير السابق سيمون كرم لترؤس لجنة “الميكانيزم”، يعتبر أن هذا التعيين هو “من دلالات زيارة البابا والنتائج التي ستسفر عنها بالنسبة للتفاوض، بمعنى أن خطوة التعيين لم تأتِ من العدم”.

أما بالنسبة لعقد لقاء منفرد بين البابا والقيادات المسيحية، فرأى أنه “كان من الممكن أن يحمل هكذا لقاء رمزية مهمة، لكنه ليس شرطاً أساسياً لنجاح الزيارة، لأن البابا يتجنّب إعطاء الانطباع بأنه ينحاز إلى طرف ضد آخر، ولو داخل البيئة المسيحية نفسها، لأن تاريخ هكذا لقاءات لا يبشّر بالقدرة على تحقيق أي تقدّم، كما حصل في لقاءات بكركي التي جمعت الأقطاب المسيحيين. لذلك، فإن الفاتيكان يفضّل أن يبقى مرجعية جامعة، وليس وسيطاً سياسياً مباشراً للقيادات السياسية، وللقيادات المسيحية خاصة، وهذا الأمر قد ظهر بوضوح سواء عبر الكلمات، أو اللقاءات التي أجراها البابا لاون، حيث إن المهم ليس اللقاء بحدّ ذاته، بل المهم هو استعداد القيادات المسيحية لالتقاط الرسالة”.

وحول الرسالة التي وجّهها إلى الحبر الأعظم حول ملف محاكمة الأب منصور لبكي، أوضح عنداري أن حديثه عن الظلم “يرتبط فقط بالظلم في مجريات المحاكمة التي حصلت، وليس الظلم بالنسبة لما تم ارتكابه، لأنه ليس لدي أي معلومات عما إذا كان بريئاً أم لا، فهذا الأمر بين الأب لبكي وبين ربّه، إنما وجراء متابعتي لهذا الملف وسير المحاكمة، إن في الفاتيكان أو في باريس أو في لبنان، تبيّن أن الأب لبكي لم يحظَ بفرصة للدفاع عن نفسه، أو حتى استماع المحكمة لشهود من مصلحته، وهذا ما حملني على الاعتراض وتوجيه الرسالة حول هذا الموضوع”.