Beirut weather 15.41 ° C
تاريخ النشر January 3, 2021
A A A
الـPerfect Storm في 2021: لا دعم… لا ودائع!
الكاتب: ملاك عقيل - أساس ميديا

قِلّة من الشعوب تسير نحو المجهول بكامل وعيها “المشترك” كما يحصل في لبنان. رئيس الجمهورية يسمّيه “الجحيم”. القوى المتناحرة تتقاطع عند حدّ تسميته بـ”الانهيار الشامل”. صدقاً التسمية لم تعد تهمّ. ثمّة خوف كبير من أنّ الأعظم… لم يأتِ بعد. وكأنّ كلّ ما حَدث لم يكن إلا تمهيداً لما هو أعظم. من لم يسمع بالـ”perfect storm”؟!

لا يمكن طلب الكثير من حكومة تصريف الأعمال والتي أخذت قرارها النهائي: “لا اجتماعات لمجلس الوزراء لو مهما كان السبب حتّى لو طال أمد التأليف سنوات”. هي الإدارة بالمعنى الضيّق لـ”اللازم”، مع فيتو كبير. حكومة حسّان دياب لن ترفع الدعم بل سترشّده بقدر المستطاع، وان استطاعت قبل الرحيل، تسطير إنجاز البدء بالتدقيق الجنائي، وصنع “معجزة” الإتيان بالنفط العراقي الخام مكرّراّ كي يتفادى اللبنانيون كارثة صفيحة بنزين بـ100 ألف واستجداء الدفء والدخول في نفق الفوضى الاجتماعية. سيسرق الفقير فقيراً آخر طالما غريزة البقاء هي المُلهِمة!

العجز السياسي الكامل عن فعل أي شيء أفرز حالة تدجين شعبي مع الأمر الواقع. مَن تَمَرّدَ على 6 دولار كضريبة على مكالمات “واتساب”، بات أسير منظومة يومية من الذلّ والاستنزاف واللاعدالة والقهر والإفقار من دون أيّ ردة فعل. وإن تولّدت ردّة فعل فتكون على شاكلة ردّ الضربة عن الخاصرة، فيما الجسد في حالة احتضار كامل!

آخر كلام لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي لم يُبلّغه رسمياً لرئيس حكومة تصريف الأعمال وسمعه حسان دياب، كما يؤكّد الأخير بـ”الإعلام”، رسا على الآتي: السيولة من الاحتياطي القابلة للاستعمال هي أكثر من مليارين دولار “وبحسب الخطة للحكومة الراهنة أو الجديدة نقدّر مدّة وأوجه استخدامها”. يؤكّد سلامة أنّ”مصرف لبنان لديه سيولة متوفّرة ومودعة لدى المصارف في الخارج تساوي 17 مليار و800 مليون دولار. هذا عدا الذهب المقيّم بـ 18 مليار دولار”.

مفارقة تستحق التوقف عندها مع التضارب الواضح في الارقام عبر تأكيد المصرف المركزي في آب الماضي وجود ملياريّ دولار تكفي لحاجات الدعم حتى نهاية العام فقط . ثم يفاجئ النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان سليم شاهين النواب في جلسة اللجان النيابية المشتركة في 3 كانون الاول بإن المتبقّي هو 800 مليون دولار فقط، ليعود ويرتفع الاحتياطي القابل للاستخدام في الدعم الى مليارين!

يوضح الخبير المالي والمصرفي حسن معتوق لـ “أساس” “مع انخفاض حجم الودائع بالعملات الاجنبية في المصارف انخفض حجم الاحتياطي الالزامي من 17.8 الى تقريباً 16 مليار. وبالتالي توافر للحاكم إضافة الى رصيده أكثر من ملياريّ دولار أصبحوا ملكه ويستطيع أن يستعملهم في عملية الدعم. فالاحتياطي الإلزامي هي النسبة الإجبارية التي يحدّدها مصرف لبنان من ودائع العملاء لدى كل مصرف وتودعها المصارف لدى المصرف المركزي، وتبلغ هذه النسبة في لبنان 15% من إجمالي الودائع بالعملات الأجنبية”.

يضيف معتوق “سلامة قال لديّ 17,8 مليار دولار، ولم يقل حجم الاحتياطي 17.8 مليار. وبلغة أبسط قال باستطاعتي التصرّف بالأموال الخاصة الى الحدّ الذي أصل فيه الى الاحتياطي الإلزامي للمصارف الذي لن أستطيع المسّ به. مع التذكير أن الاحتياطي الإلزامي للمصارف لدى مصرف لبنان ورصيده من العملات الاجنبية هو دائماً سرّ من أسرار الحاكم”.

و”مصرف رياض سلامة” لن يكون صاحب القرار برفع الدعم: “هذا قرار حكومي. دور البنك المركزي هو بيع دولارت بسعر 1500 ليرة وهو السعر الذي نتعاطى فيه مع المصارف ويحوز على الجزء الأكبر من السوق”.

يشدّد سلامة في معرض الدفاع عن نفسه: “لا أريد أن يتوقّف دعم المواد الأساسية من محروقات وطحين وأدوية للبنانيين. وهذا واقع يوازي بأهميته عدم المسّ بالاحتياطي الإلزامي”.

والمتّهم الأول بالتفريط بأموال المودعين، يقول في حديثه الأخير لقناة “الحرّة”: “أموال المودعين ليست في البنك المركزي. عمليات الاستيراد التي تمّت منذ 2017 لليوم بلغت أكثر من 65 مليار دولار، إضافة الى العجز المتراكم في خزينة الدولة، وهذا ما أدّى إلى تراجع السيولة بالدولار في القطاع المصرفي. أموال المصارف موّلت الاستيراد عملياً. وحين “تخربطت” هذه العجلة بعد إقفال المصارف حصلت أزمة سيولة وهي تخفّ اليوم تدريجاً”. بالطبع، لن يقول سلامة أنّه كان المشرف الأول على دولة استوردت… حتّى الانتحار، فيما المصارف كانت وسيلة لا أكثر.

يظنّ سلامة أن مجرّد قدرة اللبنانيين على استخدام الأموال المحجوزة بالدولار لشراء عقارات، يسمح بالقول إنّ “أموال المودعين ما طارت وهي بخير”.

كلام الحاكم يبيّض صفحة البنك المركزي ويلقي المسؤولية على سياسات الحكومات والمصارف، لكن لا يغيّر في الواقع التعيس لدولة منهارة مقبلة على انهيار أكبر.

الخبراء يتقاطعون عند القول أنّ الحلّ لا يكون بالانتقام من المصارف وفرض إعلان إفلاسها بعدما عاشت النكسة على طريقتها. انحلال النظام المصرفي لن يعني سوى الفوضى الشاملة، وعدم إمكانية الدخول إلى المستشفى والتعليم وشراء “القدرة على الصمود” وتكبيل المطار وتحويله الى “زاروب” مقارنة بمطارات العالم. ويعني أيضاً دفن مرفأ بيروت لصالح مرفأ حيفا الذي ازدادت نسبة التشغيل فيه 23% بعد ضربة مرفأ بيروت. ويعني سقوط الأمن الغذائي والاجتماعي والدوائي والاستشفائي وزعزعة أعمدة القضاء والأمن، آخر “حصن” في الدولة المنهارة…

لكن كيف يمكن لمصارف متعثّرة، برأسمال سلبي، أن تستمر وتقدّم الخدمات بشروطها المفروضة من البنك المركزي. هي مصارف تتحايل على الأمر الواقع، برأي كثيرين، وتعكس حقيقة سقوط نموذج مالي – اقتصادي –نقدي – سياسي غير قادر على إعادة تكوين الودائع وإعادة الثقة، مع ضرورة قيام نموذج آخر بديل.

الدولة الفاشلة إياها غير قادرة اليوم على تحديد خارطة طريق إعادة إنعاش القطاع المصرفي من دون أن تكون على حساب المغلوب على أمرهم، ضحايا النظام الريعي وسياسات الانتفاع والمحاصصة وسَحل الطبقات الفاقدة للحماية الاجتماعية.

عملياً، التدقيق الجنائي ولجم السوق السوداء وإعادة الثقة المفقودة بالنظام المالي والتوافق على خطّة التعافي والتفاوض مع الدائنين وأي خطوة حكومية في سياق الخروج من “جهنم” لا تستوي إلا مع وضع تصوّر لمصير القطاع المصرفي.

فأيّ نموذج للدولة الخارجة من نكبتها؟ هل أصلاً هناك قدرة للمصارف على الاستمرارية مع استمرار تعثرها واشتداد الازمة الاقتصادية؟ وكيف سيتصرّف حاكم المصرف المركزي مع المصارف العاجزة أو تلك لا تريد الالتزام أو لا تستطيع حتّى نهاية شباط بالتعميم رقم 154 بزيادة رأسمالها 20%”؟

يقول سلامة: “المصارف مُلزمة بإعادة الرسملة وفي بداية آذار سننظر بوضع كل مصرف على حِدة”. يقابل هذا القرار اعترافه بأنّ الودائع في المصارف لن تردّ إلى أصحابها بالدولار تشبّهاً “بدول العالم، حيث لا يسحب المودعون من المصارف أموالهم بعملة سوى العملة الوطنية، والمصارف تضع سقوفاً للسحوبات”!!

هذه ورقة قوة بيدّ المصارف التي تنتظر إقرار خطة تعافي مالية اقتصادية واضحة لتدبّر بيتها الداخلي “على نور” وتعيد الأموال المحجوزة كما استلمتها. هي المصارف نفسها التي بإمكانها أن تنظر “العين بالعين” بوجه الحكومات المتعاقبة لتقول لها: “تعاملنا مع دولة فاشلة لم تستطع الاستفادة من تثبيت سعر الصرف على مدى سنوات لتؤسّس لقطاعات إنتاجية وتخفّف من كلفة الاستيراد وتقوّي خطوط التصدير حتّى، حين تقع الكارثة، يكون البديل متوافراً للبنانيين”!!

ويقدّم حاكم مصرف لبنان حقيقة أخرى للبنانيين مشكوك بأمرها لدى كثيرين: “منذ سنة إلى اليوم سُحبت ودائع بقيمة 30 مليار دولار من المصارف، لكنّ 20 ملياراً منها استخدمت لتغطية الديون. فقد انخفضت محفظة الديون من 55 مليار إلى 35 مليار، واستُخدم جزء منها لشراء عقارات وجزء آخر بشكل نقدي. مع تقديرنا بوجود ما يقارب 10 مليار دولار عملة نقدية مع اللبنانيين في منازلهم أو في الخارج… لا نعرف”.

واللبنانيون أيضا، حتّى اللحظة،ً لا يعرفون إذا كان قد طار جنى عمرهم وخسروا “الحيلة والفتيلة”. مع التسليم بأن أباطرة المنظومة الحاكمة وأزلامهم وكل من يدور في فلكهم “دبّر رأسه” وحوّل أمواله أو سحبها مؤمّناً الحماية لها من أبشع عملية استيلاء على حقوق الشعب في تاريخه.