Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر June 7, 2018
A A A
العهد قوي بإحياء الندّية المسيحية لكنه فقد تميّزه الإتيكي
الكاتب: جهاد الزين - النهار

العهد قوي لا شك بذلك. قوي بمعنى أن ميشال عون هو أول رئيس للجمهورية اللبنانية بعد اتفاق الطائف أصبح شريكا كاملَ النديةِ مع الرئاستين الثانية والثالثة وكاملَ النديةِ الطائفيةِ المارونية مع الطائفيات الثلاث الشيعية السنية الدرزية.

لقد عالج ميشال عون خللاً في الندّية في النظام الطائفي عبر كونه رئيس الحزب المسيحي الأول في العدد والانتشار وعبر كتلة نيابية كبيرة كانت تنقص الرؤساء الياس الهراوي وإميل لحود وميشال سليمان. والأخيرون جاؤوا أساسا من غير تركيبة رؤساء الكتل أو الزعماء الشعبيين.

لن يستطيع ميشال عون أن يعيد غلبة رئيس الجمهورية في نظام ما قبل الطائف. ولا يريد ذلك لأنه يعرف أنه لا يستطيع ذلك، لأن نظام ما قبل الطائف الذي تنتمي إليه هذه الغلبة قد انتهى إلى غير رجعة. كان ذلك النظام لا يحيج رئيس الجمهورية إلى صناعة كتلة برلمانية، بل كانت تتشكل أكثريته في البرلمان قبل الحرب بمجرد انتخابه رئيسا. ولهذا فإن “حصة الرئيس” في تشكيل الحكومة بعد الطائف كان إجراء يعبر عن ضعف الرئاسة الأولى لا عن قوتها ونوعا من التعويض يعطيها “زاوية” نفوذ في مجلس الوزراء الذي لا يحق للرئيس حتى التصويت فيه. اليوم مع وجود “العونية” في رئاسة الجمهورية لا مبرر لحصة الضعف (من ضعيف) هذه لأن الرئيس سيكون مسيطرا على الحصة المسيحية الأساسية من الوزراء والوزارات.

لكن الندية العونية، التي يمكن أن تصبح قاعدة ثابتة، كتقليد في النظام بعد 2017، أي الرئيس القوي، تقف عند حدود الداخل ولا تستطيع أن تخرق المعادلة الإقليمية وإن كان يستفيد اليوم، كرئيس مؤيد لمحور إقليمي إيراني بشكل أساسي، من توافق المحورين الإيراني السعودي بإرادة غربية روسية على سلام لبناني متواصل منذ اندلاع الحرب السورية وعلى وجود سعد الحريري الباحث عن مضمون سعوديته الجديدة، وهو لا يمكن إلا أن يكون سعوديا وإلا خرج من الحياة السياسية ولم يضعف فقط.

إذن ميشال عون شريك داخلي كامل التكافؤ في معادلة خارجية ولاؤه فيها لمحور إقليمي ضمن شراكة غربية إيرانية معقدة تدير لبنان ويتقدم فيها الجناح الفرنسي اقتصاديا بعد مؤتمر “سيدر”.

سيظل هذا العهد يغرف من ديناميكية حقيقية هي شراكة رئيسية مسيحية فعلية في النظام الطائفي بعد طول انقطاع فعلي لا مظهري.

عدا ذلك على الرئيس عون أن يتواضع في خطابه الإصلاحي. ومعه خطاب مكافحة الفساد لأنه لا مجال لإصلاح هذا النظام وبالتالي لا مجال لمكافحة الفساد الكبير المُمَأْسَس بعلاقات الطائفيّات وصلة الشبهة الدائمة بالرأسمال الكبير.

لو يقول الرئيس عون:
اعذروني لا أستطيع وحدي إصلاح النظام الذي بلغ مرحلة ربما لم يعد ممكنا فيها إصلاحه، لكان وضعُه الشخصي مفهوما أكثر. وربما محصّنا أكثر.

لو يقول أنا مهمتي إعادة الشراكة المسيحية مع الطائفيات السنية الشيعية الدرزية، الشراكة المؤسساتية والسياسية والديموغرافية، أما إصلاح النظام فأمر يتخطى إمكانياتي. لو يقول ذلك لما تحمّل وزرَ عدد من الممارسات الصادمة للرأي العام، بما يحقق مهمة تصوير العهد أنه بات لا يختلف عن غيره.

هذا ما يحصل في الرصيد الإتيكي السياسي للعهد. فهو يقبل بمبالغات خطاب الإصلاح ومن ضمنه خطاب مكافحة الفساد مما يجعل تناقض القرارت التوافقية لقوى النظام الأساسيّة مع هذا الخطاب، يأكل من رصيده الشخصي. وهي قرارات بعضها، للتكرار، لا يمكن في الاقتصاد والسياسة إلا أن تكون تحاصصية وزبائنية.

أدعو رئيس الجمهورية كما كتبتُ في المقال السابق الثلثاء الماضي إلى سياسة كلامية مختلفة في موضوع الفساد. عليه أن يبدأ بخطة غير كلامية في موضوع الفساد وأن يكون أكثر وضوحا في مخاطبة الرأي العام اللبناني لنقل نقاش مسألة التفكير العملي بالبنية الفسادية للنظام إلى الرأي العام ونخبه.

العهد قوي وسيزداد قوة في المعادلة الطائفية الداخلية ويزداد ضعفه في المعادلة (اللا) إصلاحية. أما في المعادلة الخارجية فليس لديه خيار، وكلنا معه، سوى أن يصلّي، ونصلّي معه، ليستمر التوافق الخارجي على السلام اللبناني وقد بات يعني هنا عدم الانهيار الأمني الاقتصادي.

… في نظام طائفي بلَغَتْ شراهته الدولتية – أي اللادولتية – حدوداً تهدد الأمن الاقتصادي للدولة وبالتالي للمجتمع.

الدولة التافهة في البلد المهم جدا لبنان. بل الدولة التافهة في البلد الرائع لبنان.