Beirut weather 26.41 ° C
تاريخ النشر June 1, 2025
A A A
“العطاءات” المالية للعسكريين.. و”بوق البغال”!
الكاتب: مارسال الترس

كتب مارسال الترس في موقع “الجريدة”:

أربع وعشرون ساعة فقط فصلت بين قرار مجلس الوزراء بزيادة العطاءات المالية، التي لا تدخل في صلب الراتب، للعسكريين في الخدمة الفعلية، وآبائهم وإخوانهم المتقاعدين، وبين الزيادات على المشتقات النفطية التي طالت كل صفيحة من المحروقات بمئة ألف ليرة، أي بأكثر من دولار أميركي. ما يعني فعلاً أن ما أعطته لأبنائها العسكريين بيدها اليمنى، قد استردته زيادة بيدها اليسرى. في وقت بدأ فيه موظفون في القطاع العام تبرّمهم من التمييز بين متساوين.

هذه المعطيات تشير الى أن الحكومة الأولى لعهد رئيس الجمهورية “الواعد” العماد جوزاف عون، والتي يرأسها نواف سلام، لن تختلف عن الحكومات اللبنانية الأخرى، وتحديداً ما بعد اتفاق الطائف، التي كانت تبيع المواطنين كلاماً منمقاً، وتغرقهم بالمقابل في الديون والسياسات المالية العقيمة، التي ظهرت أبهى صورها بما اقترفه حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، الذي يقبع في السجن منذ أكثر من سنة على أمل محاكمته التي يبدو أنها ستظل في خبر كان نظراً لتشعباتها.

وهذا الأداء يشبه ما يذكره المؤرخون عن “سياسة الاستبغال” التي كانت تعتمدها السلطات العثمانية، حيث تورد إحدى الروايات عن إحدى سفن الشحن إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت من اسطنبول إلى مرفأ “أم قصر” في جنوب العراق والتي كانت محملة بـ”البغال”، أهم وسائل النقل حينها، لزوم قطعات الجيش العثماني في تلك المنطقة. حيث كان يتم إخبار المسؤول عن إطعام البغال بواسطة “بوق” على السفينة الضخمة. فعندما يسمع مسؤول إطعام البغال صوت البوق يبدأ بفرش العلف للبغال. وقد استوعبت البغال أيضاً أنه بعد صوت البوق سيأتي الطعام…

وعندما اضطرت السفينة للتأخر في إبحارها نتيجة للعوامل الطبيعية، قلّ الطعام، فقرر ربان السفينة تخفيض الوجبات من إثنتين الى واحدة في اليوم…

وعندما بدأت البغال بالطرق بحوافرها على أرض السفينة وازداد غضبها وهياجها ونهيقها، وخوفاً من أن يؤدي ذلك إلى غرق السفينة، عمد أفراد الطاقم الى فكرة تقضي بإطلاق البوق كلما هاجت البغال، فتظن أن الطعام آت لاحقاً، فتستكين إلى حين تقديم وجبة واحدة في اليوم.

ويقول المؤرخون إن تلك الخطة بدأ تطبيقها على الشعوب المقهورة التي تجد ضعفاً في الخدمات، أو فساداً، أو أجوراً لا تكفي قوت يومها… وما الى ذلك. وعندما تبدأ بالصراخ ومحاولة النزول الى الشوارع للإحتجاج، تُطلق الأبواق بزيادة صورية لا تغني ولا تذر، لأن الضرائب تواكبها، إذا لم تسبقها!

المدافعون عن الحكومة يبررون ما يحصل بأن ما تركته الحكومات السابقة من “عهر سياسي ومآسي وضعف إمكانيات الدولة” لا يسمح لها بأن تتصرف بأكثر ما تقوم به، لحين استعادة الدولة حضورها كاملاً في جميع المجالات الانتاجية والاستثمارية ليعود التوازن إلى أدائها.

والمنتقدون يذكّرون بما جاء في إحدى مسرحيات الأخوين رحباني من أن “الأطفال الجياع والمقهورين، لا يستطيعون انتظار الدولة لكي تقف على رجليها” وهي التي أخذت أكثر من فرصة وأفشلتها!