كتبت ليندا مشلب في “لبنان الكبير”
في بيانها الوزاري تؤكد الحكومة على رفض توطين الفلسطينيين وتهجيرهم متمسكة بحقهم في العودة وفق القرار رقم 194 وفي إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم وفق مبادرة السلام العربية التي اعتمدتها قمة بيروت عام 2002 وتؤكد حق الدولة اللبنانية في ممارسة كامل سلطتها على الأراضي اللبنانية كافة ومن ضمنها المخيمات الفلسطينية في ظل الحفاظ على كرامة الفلسطينيين المقيمين في لبنان وحقوقهم الانسانية… ماذا يعني هذا الكلام؟ هل فعلاً بدأ العد العكسي لنزع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات؟
منذ عشرات السنين والسلاح الفلسطيني داخل المخيمات يعد من المحرمات (taboo)، إذ لا يجوز المساس به أو حتى التفكير في تنظيمه، وكانت الاشتباكات المتكررة والعنيفة التي تحصل داخل المخيمات بين مختلف الفصائل تنتهي إلى تفاهمات ومصالحات وترقيع أغلبه “بالمونة” من دون حلول جذرية… ومعروف أن هذا السلاح يحميه “اتفاق القاهرة”، الذي سمح للفلسطينيين بإقامة قواعد عسكرية في الجنوب اللبناني، وتشكيل لجان للفلسطينيين ونقاط للكفاح المسلح داخل المخيمات، وتأمين الطرق للمشاركين في الثورة الفلسطينية، وهو ما أعطى شرعية للعمل الفلسطيني المقاوم في لبنان، وامتلاك السلاح في المخيمات. وكانت حكومة الرئيس سعد الحريري عام ٢٠١٦، آخر الحكومات التي أعطت للموضوع الفلسطيني فقرة وازنة في بيانها الوزاري، وجاء في الفقرة المخصصة للملف:
نؤكد على التزام الحكومة بأحكام الدستور لجهة رفض مبدأ توطين اللاجئين وخصوصاً الفلسطينيون ونتمسك بحقهم بالعودة إلى ديارهم. وإلى أن يتم ذلك، على الدول والمنظمات الدولية الاضطلاع بكامل مسؤولياتها والمساهمة بشكل “دائم وغير متقطع” بتمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين واستكمال تمويل إعادة إعمار مخيم نهر البارد.
إن لبنان الرسمي يؤكد على تعزيز الحوار اللبناني- الفلسطيني، لتجنيب المخيمات ما يحصل فيها من توترات واستخدام للسلاح الذي لا يخدم قضيته وهو ما لا يقبله اللبنانيون شعباً وحكومةً.
اما حكومة نجيب ميقاتي الأخيرة “معاً للإنقاذ”، فقد قاربت الموضوع الفلسطيني بجملة واحدة تؤكد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وعدم توطينهم في لبنان.
اليوم عاد ملف السلاح الفلسطيني إلى الواجهة مع تضمن خطاب القسم تعهداً باحتكار الدولة فقط لحمل السلاح على الأراضي اللبنانية كافة وتبني البيان الوزاري لهذه الفقرة.
تقول مصادر متابعة للملف الفلسطيني لموقع “لبنان الكبير” إن ما يحكى عن بسط سلطة الدولة يعني إنفاذ القانون داخل المخيمات، وإنفاذ القانون يعني نزع السلاح الفلسطيني وتعزيز حضور الدولة داخل المخيمات، هذا الأمر يحتاج إلى توضيح واسع من جانب مؤسسات الدولة بالشراكة مع ممثلي القوى الفلسطينية في لبنان، نتحدث هنا عن خريطة طريق شاملة، تحاكي محاذير ضخمة، لأن بسط سلطة الدولة في المخيمات، يعني مخافر وشرطة وأجهزة أمنية وخدمات عامة وبالتالي هذه المسألة تحتاج إلى نقاش عميق، فحتى الآن ليس واضحاً ما قصده رئيس الجمهورية والحكومة، وهل هذا يعني بدء العد العكسي لمصادرة السلاح الفلسطيني لأن هذه الحكومة عمرها سنة و٣ أشهر، فهل ستتمكن من تحقيق هذا الأمر خلال هذه المدة؟
بالنسبة الى لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وضع برنامج يعتمد على الاستراتيجية التي وضعت عام ٢٠٢٢، وتشمل نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات بداية، وهذا الأمر انتهى، وتسلمت الدولة السلاح من ٥ مواقع في قوسايا وحشمش وحلوة والبداوي (شباط ٢٠٢٢) الناعمة على مرحلتين (سلاح ثقيل وعودة ملكيات وعقارات)، وقد تم إقفال الملف بشكل نهائي وأصبح وراءنا، تقول المصادر، أما داخل المخيمات، فالكل متفق على أن الحقوق الانسانية للاجئين الفلسطينين متلازمة مع مسألة بسط سلطة الدولة، (شرعة الحقوق والواجبات)، بما يسمح بحضور انسيابي للدولة، وهذه المسألة يفترض أن يتم نقاشها في إطار تطوير الاستراتيجية التي وضعت عام ٢٠٢٢، بالشراكة مع الفصائل، بالتفاهم والحوار، لا بالقوة بحسب المصادر، إذ لا يمكن بسط سلطة الدولة، عنوة وبالتصادم، هذا الأمر غير مطروح على الاطلاق.
اما في مخيم الرشيدية كونه جنوب الليطاني، فالأمر مختلف، إذ لا يعقل أن يتم تجريد “حزب الله” من سلاحه وترك السلاح في المخيم، وهذا يعمل عليه حالياً، ويتم التواصل مع “حماس” و”عصبة الأنصار”، وهما صاحبا النفوذ الأقوى في المخيم، وأجواء الحوار معهما إيجابية، والسلاح موجود بكميات ومتنوع بين فردي، متوسط وثقيل. وتكشف المصادر أنه تم الاتفاق على أن ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات يفترض خلال عام على أبعد تقدير أن تكون قد تمت معالجته وانتهى، علماً أن المخيمات كان قد تم تحييدها أثناء الحرب الاسرائيلية على لبنان نتيجة اتصالات عملت على حمايتها وتجنيبها الاستهدافات كانت محط جهد كبير منذ بداية حرب الإسناد إلى ما قبل انتخاب الرئيس، بواسطة الأمم المتحدة وجهات دولية عدة.
كان هناك توجه اسرائيلي في الشهر السادس للحرب، الى استهداف المخيمات في لبنان، وقد نجحت لجنة الحوار في منع هذا الأمر مقابل التخفيف كثيراً من المشاركة الفلسطينية في المعركة على الحدود والتعهد بنزع السلاح واقناع الجهات الدولية بأن أي غارة على المخيم ستؤدي إلى مجازر وحجم كبير من الخسائر والضحايا نظراً الى الاكتظاظ، ووجهة النزوح الفلسطيني ومخاطره، ونجحنا في انتزاع ضمانات دولية بتحييد المخيمات، على الرغم من أنها كانت من بنك الأهداف الاسرائيلية.
وتوضح المصادر أن موضوع السلاح ترك بعهدة الجيش اللبناني، على أن تتولى لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، الجانب السياسي والحقوقي، وقد أعطى رئيس الحكومة نواف سلام توجيهات أولية استعداداً للواقع الجديد داخل المخيمات، وتوجهات الفصائل الفلسطينية على اختلافها إيجابي ومتعاون، لكن المصادر أبدت خشيتها من أن يقلب الوضع الغزاوي الطاولة، وعود على بدء… اذ تقول مصادر في الفصائل الفلسطينية لموقع “لبنان الكبير”: ما قبل طلب (دونالد) ترامب تهجير الفلسطينيين في غزة ليس كما بعده، وحالياً هناك عملية تقييم لتداعيات التوجه الأميركي الجديد حول المسألة المرتبطة بالتهجير على كل المناخ الفلسطيني المتعلق بالواقع الفلسطيني في المنطقة وبالتالي الأمور ليست سلسة كما يعتقد البعض، فاستمرار المشروع التوسعي الاسرائيلي فرض مجدداً الحفاظ على السلاح لمواجهة تداعيات الاحتلال الاسرائيلي وبناء مقاومات تقوم على فكر التصدي للمشروع الاسرائيلي والتهديدات بالمخاطر التي يرتّبها هذا الأمر، فهذا تهديد وجودي مباشر في إطار تصفية القضية الفلسطينية وتهديد للدول المضيفة، ولبنان دولة مركزية منها، وسقوط حق العودة حتماً لديه تداعيات لا يبدو أنها إيجابية. نحن حالياً في إطار عملية تقدير موقف بانتظار نتائج اجتماعات الدوحة والاجتماع الطارئ لجامعة الدول العربية في الرابع من الشهر المقبل.
وتوكّد المصادر أنها مسألة شديدة التعقيد، ومن مصلحة الجميع وضع الملف على الرف حالياً، ولا مصلحة لأحد في إثارته، فهذا الأمر لا يمكن أن يقوم باستخدام القوة إنما من خلال التفاهم العريض اللبناني الفلسطيني، تؤخذ فيه في الاعتبار مصلحة اللاجئين الفلسطينيين المرتبطة بالتقييم الجديد في ضوء المشروع التوسعي المستجد.
ما بعد خطاب القسم وقرار الدولة احتكار السلاح، لا يمكن التعاطي مع الملف الفلسطيني كما في السابق، فحضور الدولة داخل المخيمات أصبح حتمياً ووضعت روزنامة له، على قاعدة: حق العودة مقدس، لا توطين ولا دمج ولا سلاح.
فهل يقع لبنان في مستنقع جديد يجد فيه نفسه عالقاً بين كماشة خطاب القسم والمشروع الأميركي الجديد في المنطقة؟