Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر December 31, 2024
A A A
العد العكسي لحسم الخيارات الرئاسيّة ينتظر الجولة الديبلوماسيّة الأخيرة قبل جلسة الانتخاب
الكاتب: محمد بلوط - الديار

على بعد ايام من جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في ٩ كانون الثاني، ما زالت اجواء السباق الرئاسية ضبابية على صعيد مواصفات وهوية الرئيس العتيد.

وعلى حد قول احد النواب، يستمر كل فريق في موقف المتربص بالآخر حتى اللحظة الاخيرة، ويسعى الى اخفاء ورقته الحقيقية بانتظار ما ستحمله الايام القليلة الماضية والحركة الديبلوماسية المتصلة بهذا الاستحقاق وبالوضع العام في لبنان، بما فيه مصير اتفاق وقف النار في ظل مخاطر الاعتداءات والتهديدات الاسرائيلية.

واذا كانت طبخة الصناعة اللبنانية لرئيس الجمهورية لم تنضج او تنتقل الى الطبق الجاهز، رغم ضيق الوقت الذي يفصلنا عن هذا الاستحقاق، فان التوجهات الخارجية بدورها تشهد نوعا من التجاذب حتى اللحظة الاخيرة استنادا الى الحسابات المضروبة مع التوازنات الداخلية اللبنانية.

الشيء الذي صار شبه مؤكد ان جلسة ٩ كانون الثاني ستنتج رئيسا جديدا للجمهورية في دوراتها المتتالية، لا سيما ان فشلها سيحدث هزة قوية اكثر من اي وقت مضى، وسيكون لها ارتدادات خطرة. كما ان فكرة تأجيلها او تطييرها غير سالكة، وهذا ما عكسه كلام البطريرك الماروني الاخير بشارة الراعي.

وفي هذا الاطار، صار مؤكدا ان الرئيس بري عازم على الذهاب الى جلسة ٩ كانون الثاني لانتخاب رئيس الجمهورية، بعد ان اعطى الاطراف والكتل النيابية فترة طويلة كافية ووافية لحسم خياراتها، وسلوك هذا التوجه بعيدا عن اللجوء الى المزيد من المناورات والمماحكات والرهانات، ومهّد لمبادرته بالتخلي عن فكرة الحوار المسبق، والدعوة الى انتخاب رئيس لا يشكل تحديا لاحد متطابقا في الرأي مع “اللجنة الخماسية”.

ورغم الترحيب الداخلي والخارجي بموقفه، فان هناك من تعامل مع هذا الموقف على انه نقطة ضعف، يمكن استثمارها لممارسة لعبة ابتزاز مقرونة بالرغبة في الاستقواء بالظروف الخارجية المستجدة، لفرض ايقاعه على الاستحقاق الرئاسي. وهناك من وجد فيها مناسبة لتحسين موقعه كلاعب مؤثر في المشاركة بتسمية الرئيس خارج الاصطفافات الرئيسية.

ويقول مصدر سياسي مطلع ان الرئيس بري عندما حدد موعد جلسة الانتخاب، واعطى مهلة طويلة لانضاج ظروف نجاحها، استند الى امور كثيرة متصلة بالعوامل الداخلية والخارجية. وابرز هذه العوامل انتهاء مسعى “اللجنة الخماسية” للمساعدة في انتخاب الرئيس الى خلاصة واضحة وصريحة، تفتح الباب امام الاطراف لحسم امرها وفق العنوان العريض الذي حددته بالدعوة لانتخاب رئيس جامع لا يشكل تحديا لاي فريق او طرف.

كما اخذ بعين الاعتبار موقف بكركي والحاحها على الدعوة لعقد جلسة الانتخاب، بالاضافة الى الحماس الظاهر للافرقاء المسيحيين، لتعيين موعد لانعقاد الجلسة في اقرب وقت، والمشاورات المكثفة التي جرت بين الكتل والقوى السياسية.

ويرى المصدر انه عندما دعا بري الى انتخاب رئيس لا يشكل تحديا لاحد، اعطى اشارة صريحة وواضحة الى انفتاحه ومن يمثل على ملاقاة الآخرين عند خيار جامع. لكن البعض لا سيما “القوات اللبنانية” تعاملت مع هذه الدعوة على انها نقطة ضعف، ورفعت سقفها لا سيما بعد التطورات الاخيرة وسقوط النظام السوري، لتنتقل الى مرحلة اخرى بالسعي الجاد لدخول المعركة الرئاسية مباشرة من خلال ترشيح رئيسها سمير جعجع من دون اعلان رسمي، تحت شعار ردده مؤخرا وهو اسقاط المنظومة التي حددها بالثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر.

وعلى الصعيد الخارجي، صار معلوما ان هناك تباينا بين الدول المؤثرة او المنخرطة في المعركة الرئاسية. فواشنطن والرياض تميلان الى تأييد انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون، الا انهما لا تقفلان الباب امام اسم آخر يمتلك المواصفات الطلوبة، ويحظى بفرصة داخلية كافية وواسعة لانتخابه.

وفي حين تسعى الادارة الاميركية الى ممارسة بعض الضغوط لتحسين فرصة انتخاب عون، تتهيب السعودية سلوك هذا النهج انطلاقا من القاعدة التي رسم ولي العهد خطوطها في السياسة تجاه لبنان، والتي ترتكز على الوقف عند مسافة واحدة من الجميع، والانفتاح على كل المكونات اللبنانية. وتقول مصادر مطلعة ان المملكة التي لا تخفي اعجابها بالعماد عون، تضع في حساباتها اسماء اخرى، اذا توافرت ظروف انتخاب احدها وفق الاصول الدستورية.

ويبدو ان فرنسا، التي تعاملت ايجابيا مع ترشيح عون بعد زيارة الرئيس ماكرون للسعودية، ما زالت تأخذ موقفا وسطيا، وتشجع وتؤيد مرشحين آخرين منهم سمير عساف، الذي تعتبرة شخصية سياسية معتدلة واقتصادية ناجح في مسيرة الاصلاحات المنشودة، على حد مصدر نيابي مقرب من الاجواء الباريسية.

من جهتها، لا تعارض قطر عون بل تؤكد انها تدعم عون اذا ضمن الرصيد الجامع الذي يحتاج اليه لانتخابه رئيسا للجمهورية، لكنها تؤيد وصول شخصيات أخرى من ضمنها مدير عام الامن العام اللواء بيسري.

وفي الداخل صار معلوما ان الثنائي الشيعي وبعض الحلفاء لم يتخلوا عن ترشيح سليمان فرنجيه، ما دام الآخرون لا سيما المعارضة لم تسمِّ مرشحا آخر، منذ ان تقاطعت مع التيار على جهاد ازعور.

ويعرف من اختبر الرئيس بري انه الاول في التعاطي مع الاستحقاقات ومنها الاستحقاق الرئاسي، وانه لا يبوح بسره الرئاسي لاقرب المقربين الى حين اللحظة المناسبة وفي اللحظة الاخيرة.

اما “القوات اللبنانية”، التي اخذت ترفع سقفها الى حدود السعي الى انتخاب رئيسها سمير جعجع، فهي تتمنى التريث وترحيل جلسة الانتخاب الى حين انضاج ظروف نجاح خيارها، لا سيما انها تعتقد ان التطورات المتتالية في الداخل والخارج تصب في مصلحتها على حساب خصومها. ويخوض جعجع معركته الرئاسية بحساباته الجديدة، لكن بقفازات تفاديا لانزلاقة غير محسوبة.

وهناك فريق نيابي اخذ ينشط ويجري لقاءات واجتماعات مؤخرا لتكوين كتلة وسطية ثالثة مؤثرة. وطمح البعض من هذا الفريق الى توسيعها وتكبيرها ليزيد عدد نوابها على ال٤٥ نائبا، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق هذا الطموح، بعد اعلان “اللقاء الديموقراطي” تأييده للعماد جوزف عون، وتريث عدد من النواب في حسم خياراتهم.

ورغم محاولات هذا الفريق النيابي، الذي يأخذ الساعون اليه بعين الاعتبار انه سيجمع “اللقاء التشاوري المستقل” و”الاعتدال الوطني” وعددا من النواب المستقلين و “التغييريين”.

بلورة خيار رئاسي خارج الاصطفاف بين المعارضة والثنائي الشيعي وحلفائه. لكنهم لم يتوصلوا حتى الآن الى تسمية مرشح او اثنين او ثلاثة.

واذا كان العماد عون يشكل بنظر مؤيديه نموذج المرشح القوي والاصلاحي، استنادا الى تجربته في قيادة الجيش، فان الكثير من المرشحين يعتبرون انفسهم مؤهلين لقيادة المرحلة المقبلة، لا سيما على صعيد الاصلاح الاقتصادي والمالي والاداري. لذلك كثر مؤخرا التداول بمروحة من الاسماء المعروفة بدءا من رئيس لجنة المال ابراهيم كنعان، مرورا بنعمة فرام، وسمير عساف، وفريد هيكل الخازن. والبارز ايضا عودة التداول بشكل لافت باسم الوزير السابق جهاد ازعور.

ويستخلص من الاجواء السائدة حتى الآن ان عملية خلط الاوراق مرشحة للاستنفاذ في الايام القليلة المقبلة، وان الحركة الديبلوماسية المكثفة التي تسبق موعد الجلسة ستحصر دائرة الخيارات، بانتظار فتح صندوقة الاقتراع تحت قبة البرلمان.