Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر August 2, 2024
A A A
العدو يهرب إلى الأمام: تصعيد لا يفتح أفقاً
الكاتب: يحيى دبوق

كتب يحيى دبوق في “الأخبار”

أدخلت إسرائيل نفسها ومعها المنطقة في مستوى آخر من المواجهة، يتعذّر من الآن تقدير الحد الذي سيصل إليه. والحرب الشاملة التي كانت مستبعدة حتى الأمس القريب، باتت في هذه المرحلة أقرب مما كانت عليه، على رغم أنها، وهنا المفارقة، لا تشكّل مخرجاً من التحدّيات الماثلة أمام الأطراف فيها، بل من شأنها أن تزيدها تعقيداً. وكيفما اتفق، فإن إسرائيل رفعت مستوى التحدّي الذي يواجهها بمعية الجانب الأميركي، الراعي للسياسات والاعتداءات الإسرائيلية، ليس في لبنان فحسب، بل في مواجهة إيران واليمن والعراق، الأمر الذي يُفترض بالرد عليه من جانب محور المقاومة، أن يحدّد مسار الأمور واتجاهات تصاعدها، وذلك في انتظار الرد الإسرائيلي على الرد، والذي سيكون، هو الآخر، من محدّدات المرحلة المقبلة من المواجهة.اللافت إلى الآن، وهو ما حكَمَ الفعل الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول الماضي، أن خطوات تل أبيب تتقرّر آنياً، وفق مقدّمات غير سوية، مشبعة بغريزة الانتقام وإنكار الواقع وغرور القوة، من دون استراتيجيات وبحث في المصالح والمخارج والاستثمار الأسلم للخطط وتنفيذها. لكن ما هو رهان إسرائيل وما هي الفائدة التي تجبيها من سياساتها واعتداءاتها، التي تنتقل بها من مستوى إلى آخر؟ الأكيد أن الأمور غير واضحة لديها، وهي تريد مزيداً من التأزيم، ليس لأنها تراهن عليه في تحقيق مصالحها، بل لأنه لا مخرج لديها من التأزيم نفسه، وهي عالقة فيه منذ بدء المواجهة. بكلمات أخرى، إسرائيل غير قادرة على تحقيق مصالحها كاملة، لكنها عاجزة عن تقبّل ذلك، ولهذا السبب، فهي عالقة في الأزمة والمواجهة بلا مخارج.
هل تراهن تل أبيب على إمكانية احتواء تصعيد محدود، أو ما بات يُصطلح عليه بـ»الأيام القتالية»، على أن يجري اختتام هذه المواجهة بتسويات، تخرج عبرها إلى جمهورها لتدّعي انتصارها؟ إذا كان الأمر كذلك، وهو ما يستبعده الكثيرون، فإن المخاطرة كبيرة جداً، خاصة أن بدء المواجهة، المحدودة أو غير المحدودة، يستلزم قراراً من طرفيها المباشرين والمتدخّلين والمؤثّرين فيها، وتحديداً في الحالات التي يكون معلوماً فيها أنه لا منتصر مطلقاً في مواجهة كهذه. الواضح إلى الآن، مع ترجيح عال جداً، أن الرد على اعتداءات إسرائيل في ساحات المواجهة، مقبل لا محالة، ومن شأن مستواه أن يحدّد ما سيليه، مع ترجيحات أيضاً بأن تكون إسرائيل معنية بالرد على الرد، وإن مع ضوابط تفرضها القدرة ومتطلبات الميدان، فضلاً عن اتساع ساحات المواجهة وتعدّدها.
المنطقة تنتظر الرد على الاعتداءات، وكذلك الرد على الرد

لكن هل هناك قرار إسرائيلي برفع المعركة إلى أقصاها؟ قد يكون كذلك، وفي المؤشرات ما قد يفيد بتقدير كهذا، لكن في الوقت نفسه، يشير تعدّد الاعتداءات في أكثر من ساحة إلى أن إرادة الحرب منخفضة، الأمر الذي يعيد التقدير إلى النقطة التي كان عليها: تريد إسرائيل أن ترفع سقوف التحدي، علّها تجبي فائدة، تدفع إلى بلورة مخارج غير منظورة الآن. وهذه من أسوأ الاستراتيجيات التي قد تقدم على تفعيلها الكيانات والدول، لأن قدر المخاطرة والتهديد على الذات فيها، مساو لقدر التهديد على الآخر، مهما كانت القدرة لدى الأول – على إمكانية احتواء التطوّرات اللاحقة – معتدّاً بها، خاصة أن الثاني لديه في المقابل القدرة على الإيذاء بما لا يقاس على المواجهة في قطاع غزة.
على أي حال، تنتظر المنطقة الرد على الاعتداءات، ومن ثم الرد على الرد، ومن ثم ما يليهما من سلاسل ردود يتعذّر تقدير حجمها، وإن كانت ستبقى في مستويات تحت سقف المواجهة الشاملة. ورغم أن خطاب الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، في تشييع الشهيد القائد فؤاد شكر، كان حازماً وحكيماً في الوقت نفسه، بالتناسب مع المقام، وقد يسمح بتفسيرات من هنا وهناك، إلا أن ذلك لا يلغي أن ثمة استحقاقاً مقبلاً حتماً، يصعب من الآن استشراف مآلاته.