Beirut weather 24.1 ° C
تاريخ النشر July 5, 2024
A A A
العدو أمام الاختبار: هل يُفشل «بيبي» الاتفاق مجدّداً؟
الكاتب: يحيى دبوق

كتب يحيى دبوق في “الأخبار”

تنتقل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى ما بات يعرف بالمرحلة الثالثة، التي يجري التفاوض على شكلها وماهيّتها بلا انقطاع بين الجانبين، كلّ وفقاً لأوراق القوة التي لديه، ووسط تجاذب بين خيارَين: وقف القتال مع إمكانية العودة إليه وفق ما تريده إسرائيل، أو وقف دائم لإطلاق النار تتطلّع إليه المقاومة الفلسطينية. وفي سياق هذا التجاذب، سرّبت إسرائيل، ليل الأربعاء – الخميس، الشيء ونقيضه، بعد ردّ المقاومة الفلسطينية على المقترح المعدّل المقدّم إليها، والذي اشتغل الأميركيون على سدّ جزء من الثغرات التي حالت إلى الآن دون بلورة اتفاق، من خلاله. إذ قال مصدر إسرائيلي «مطّلع على المفاوضات»، في حديث إلى الإعلام الأميركي (CNN)، إن «إسرائيل وحماس على وشك التوصل إلى اتفاق إطاري يتضمن وقف إطلاق النار، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة»، مضيفاً أن «ثمة اعتقاداً بأن رد حماس الأخير سيمكّن الطرفين من الدخول في مفاوضات مفصّلة للتوصل إلى اتفاق». إلّا أن هذا الموقف سرعان ما لحقه آخر، على لسان «مسؤول أمني رفيع المستوى» تحدث إلى الإذاعة الإسرائيلية، مفاده أن «هناك ثغرات أخرى لم تُسَدَّ بعد».وما بين الحديثَين، يبدو الأول أكثر تعبيراً عن موقف إسرائيل، وإن جاء الثاني ليطوّقه ويمنعه من إلزام إسرائيل بأي نتيجة «إيجابية»، من دون دفع المقاومة الفلسطينية مسبقاً إلى تليين إضافي في مطالبها، وهو المعتاد في حالات كهذه من الجانب الإسرائيلي، سواء بهدف الاستحصال على مزيد من المكاسب في المفاوضات السياسية، أو بغرض تعطيل هذه الأخيرة نفسها، الأمر الذي لا يفتأ يتكرّر منذ أشهر طويلة. على أن العِبرة هي أن الموقفين كليهما ليسا متعارضين في الجوهر، بل يكمل بعضهما بعضاً، بما يؤدي إلى النتيجة التالية: إسرائيل مستعدة للقبول بالردّ بشكله الحالي، لكنها ستعمل ما أمكن على كسب تنازلات أخرى. وهنا، يُطرح السؤال: هل تستمر تل أبيب في محاولات التحايل تلك إلى الحدّ الذي يعيد نسف العملية التفاوضية؟
سلوك إسرائيل، في خلال أشهر التفاوض الماضية، يدفع إلى احتمال قيامها، هذه المرة أيضاً، بإحباط أيّ مشروع اتفاق جديد

سلوك إسرائيل، في خلال أشهر التفاوض الماضية، يدفع إلى احتمال قيامها، هذه المرة أيضاً، بإحباط أي مشروع اتفاق جديد. ولكن، هنا، ثمّة تطوّران ميدانيان طرآ على مسار الحرب، ويمكن أن يدفعا إلى أداء مختلف: أولهما، انتهاء مرحلة القتال المكثف بعد العملية البرية الأخيرة في منطقة رفح، والانتقال إلى مرحلة جديدة يراد لها أن تكون شبيهة بالعمليات العسكرية التي تشهدها مدن الضفة الغربية وبلداتها، وإن على نحو أكثر شدّة (توغلات وقصف جوي مركز)؛ وثانيها، تحوّل جبهة الشمال إلى استحقاق أول يوجب على تل أبيب التعامل معه بلا إبطاء، كون هذه الجبهة تضغط عليها عسكرياً وسياسياً، في الداخل كما في الخارج، فضلاً عن أن من يقودها، أي «حزب الله»، يربط توقفها بتوقف الحرب في غزة.
على أي حال، تتجه الأنظار الآن إلى ما سيصدر عن المجلس الوزاري المصغر بعد التباحث حول رد حركة «حماس»، والذي سبقته مشاورات بين رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، ومستشاريه، علماً أن المرجّح أن القرار سينحو إلى طلب مزيد من التنازلات من «حماس»، من دون أن ينعى، عملياً، المقترح الجديد. وبالنتيجة، فإنه بعد تسعة أشهر من الحرب، لا تزال طاولة القرار في إسرائيل رهينة السؤال نفسه: هل ترضى بما يمكن التوصل إليه بالمعطيات الحالية، أو تواصل الحرب إلى أن يتبلور واقع آخر، تتمكن من خلاله من أن تحقق أهدافها؟ الأكيد، هنا، أن أسئلة ما بعد القتال المكثف في غزة ستكون أكثر حضوراً في تل أبيب، فيما المفترض أن تدفع الأخيرة إلى البحث عن تسويات تتفاوت التقديرات في شأنها، وخاصة أن التهديدات تتعاظم على إسرائيل من خارج جبهة غزة، مستجلبةً استحقاقات طال انتظارها، ولم يعد بالإمكان ترحيلها أكثر.