Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر January 4, 2024
A A A
العاروري مفكِّك “شيفرات” العقل الإسرائيلي خسارة فادحة لـ”حماس” وحركتها الخارجية
الكاتب: رضوان عقيل - النهار

لا يختلف اثنان على جسامة الخسارة التي مُنيت بها حركة “حماس” بتمكّن اسرائيل من اغتيال نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية. ولم تكن رسالة هذه العملية فلسطينية فحسب، بل طاولت “حزب الله” ايضاً. ولم يكن رحيله سهلاً على قواعده ومحبيه بهذه الطريقة التي كان يمهد لها في احاديثه بالوصول الى هذه الخاتمة حيث بدأ برسم خطوات مشواره في مضمار المقاومة والمواجهة في الضفة الغربية وفي محيط القدس، تلك الارض التي عشقها وكلّفته تمضية أعوام مديدة في السجن. وظل يقارع المحتل اينما حل من دون هوادة، وكان بلا منازع مؤسس المواجهة العسكرية ضد الاحتلال وفي المكان الذي نشأ وترعرع في ربوعه وعلى ارض اجداده في عارورة. وسبق لـ”حماس” ان تجرعت مثل هذه الكأس لكنها كانت قاسية عليها ومُرّة المذاق هذه المرة من دون التقليل من أهمية الكوادر التي سبقته. ولم يكن تنفيذ اسرائيل لهذه العملية إلا من باب “اعلان الحرب” على لبنان وكل من يساند المقاومة او يتقاطع معها بعد شريط اخفاقاتها في غزة. وبعد اغتيال العاروري تكثر الاسئلة داخل “حماس” والمحور الذي يحتضنها واستمرار مشروعها ومستقبل حضورها خصوصا في العمق الاسرائيلي في الضفة الغربية التي تبقى مادة القلق الاولى عند الجهات الدينية المتطرفة التي لا تقبل العيش الى جانب الفلسطينيين وتعمل على ترحيلهم من أرض تبقى على صفيح ساخن بفعل ارادة اهلها وصمودهم بعد حصادهم ما زرعه العاروري في بلداتها وطلائع شبانها. ولم يكن الرجل بعيدا عن مسار حركته في غزة والهجوم الكبير الذي نفذته في السابع من تشرين الاول الماضي والذي احدث زلزالاً سياسياً وامنياً في اسرائيل. وماذا عن ارتدادات هذا الاغتيال على جبهة لبنان، ولا سيما ان “كتائب القسام” تشارك في الجنوب في اكثر من عملية كانت تنفذ باشراف من العاروري ومساعده سمير فندي ابن مخيم الرشيدية الذي سقط معه الى خمسة آخرين؟ من يعرف طبيعة “حماس” وهرميتها القيادية يدرك انها قادرة على استيعاب هذا النوع من الضربات والاغتيالات رغم الثقل الذي أحدثته في هذا التوقيت إذ يمكنها ملء الفراغ الذي حصل من دون التقليل من شخصية في وزن العاروري وما يمثلها عند “القسّاميين” في الضفة وغزة ومخيمات الشتات. وشكلت الميزات التي يتمتع بها الرجل عوامل جمع في الشارع الفلسطيني.

 

ويقول عارفوه إنه رغم تمسكه بالخط الاسلامي انطلاقاً من تربيته ودراسته علوم الشريعة وتشبّعه بأيديولوجية “حماس”، الا انه كان يغلّب اللغة الوطنية في أدبياته ولقاءاته مع الفصائل الاخرى. وقبل ايام كان يتحدث في اجتماعات للفصائل عن إعداد ورقة فلسطينية جامعة من غير استبعاد حركة “فتح” عن مندرجاتها ليظهر امام الاسرائيلي اولاً وكل من يعنيه الامر بهذه القضية ان الفلسطينيين يشكلون جسماً واحداً، مع معرفته والآخرين حجم “حماس” وتمددها لدى مكونها حيث تزداد شعبيتها باعتراف الجميع ولا مفر من اشراكها في صنع قرار الفلسطينيين ومستقبلهم بدءاً من غزة. واراد نتنياهو وفريقه الامني التخلص من العاروري لتحقيق جملة من الاهداف وليخفف وطأة ما تعانيه حكومته. وتصف الحلقة القريبة من العاروري ومن خبروه من كوادر فلسطينية بانه اول من يفكك “شيفرات” العقل الاسرائيلي، ليس من زاوية اتقانه اللغة العبرية فحسب بل من فهمه العميق لواقع الاحداث وتحليلها في الداخل الفلسطيني مع ابراز ايمانه بان شعبه صاحب قضية لا تموت وانه يقدر على مواجهة المحتل رغم كل الدعم الذي تتلقاه تل ابيب. وتقول مصادر قيادية في “حماس” ان “لا احد يقلل من رمزية العاروري باعتراف العدو الذي شغّل ادواته الامنية سنوات طويلة، لكن في النهاية نحن نقدر على المواجهة واستمرارية هذا الخط لحركة فلسطينية مقاومة لن تتوقف. ومن سيخلفه في الموقع الذي كان يشغله على مستوى مهماته في الضفة ولبنان وسوريا واستمرار علاقاته مع قيادات محور المقاومة سيتابع النقاط والخلاصات التي انتهى اليها والانجازات التي تحققت”.

 

ومن هنا يعتز مريدوه من “القسّاميين” بمدرسته النضالية التي استعد وتدرب لها جيدا في صفوفها “السجنية” على مدار سنوات صقلت شخصيته التي طبعها على مفاصل “حماس” واعدادها، ولا سيما في الملفات الكبرى التي كان يتولاها، فضلاً عن اشراكه والوقوف على رأيه وخصوصاً في اطار مسؤولياته عن ملف الضفة في القرارات الكبرى التي يتخذها والسيد حسن نصرالله ومع القيادات الايرانية. ويصفه مرجع لبناني بالقيادي الذي يمتاز بهدوء كبير حيث كان يتمتع بأسلوب محبب من دون تعقيدات.