Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر December 14, 2018
A A A
الضمان صامد رغم عوامل “الضغط المالي والإداري” بحقه
الكاتب: إلهام سعيد فريحة - الأنوار

هناك مفارقة في إدارات الدولة، وهي مفارقة تعكس الإنفصام الإداري الذي يعرقل شؤون الناس:
إدارات تنهش لحم المواطن.
وإدارات “تقاتل باللحم الحي”، من أجل حقوق المواطن.
الصنف الأول كثير ومعروف ولا حاجة إلى تكراره، فمعظم الإدارات تشكل عبئاً على المواطن وعبئاً على خزينة الدولة، تكفي معرفة التخمة في التوظيف ليكتشف المواطن كم ان الأعباء كبيرة.
الصنف الثاني يمكن وصفه بأنه “الجندي المجهول” المطلوب منه أكثر من طاقته فيما كوادره البشرية أقل بكثير مما هو مطلوب. (اليست مفارقة إضافية أن هناك تخمة في التوظيف في أماكن، في مقابل شح وظيفي في أماكن أخرى؟) ينطبق هذا الأمر على “الضمان الإجتماعي” إذ ليس مبالغة القول ان هذه المؤسسة تعمل “باللحم الحي” سواء على مستوى العناصر البشرية أو على مستوى أموالها التي تضع الدولة العين عليها لصرفها في وجهات أخرى.

ولكي لا يُصنَّف الكلام من باب العواطف أو الإنفعالات، فإن الأرقام هي الحكم الذي يفصل في التنازع ويفصل بين العقل والعاطفة وبين العلم ووجهة النظر.
الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي يؤمن الغطاء الصحي لما يقارب مليوناً ونصف مليون لبناني على الأقل، في هذه الحال يكفي تصور عجز الصندوق عن تأمين الخدمات للمضمونين، فماذا يحدث في هذه الحال؟
وجهة التساؤل ان الدولة مُقصرة في الإيفاء بمتوجباتها للضمان. فللضمان في ذمة الدولة ما يفوق الالفين والخمسمئة مليار ليرة (2500 مليار ليرة) عن أعوام سابقة، وتسديد ما هو متوجب متوقف منذ زمن.
هذا الواقع ينعكس سلباً على فروع أساسية في الضمان ومن أبرزها فرع المرض والأمومة وفرع التقديمات العائلية، ويُخشى ان يصل الى فرع تعويضات نهاية الخدمة.
هذا الواقع دفع المدير العام للضمان الدكتور محمد الكركي إلى إطلاق الصرخة تلو الصرخة، ودق نواقيس الخطر، ولكن “على من يقرأ مزاميره”؟
إذ لا يكفي ان الدولة لا تدفع متوجباتها بل تتجه الى ما هو أخطر: فمنذ نحو أسبوع غرَّد أحد المستشارين السابقين لمسؤول رفيع جدا، بما يلي: “صحيح انه منذ نحو 15 شهرا لم تحول الحكومة اللبنانية أي قرش من مستحقات الضمان؟
وصحيح انها الآن تضغط عليه حتى يحول 500 مليار ليرة من أموال المضمونين، لتغطية الخزينة؟ ان هذا الأمر يمكن ان يعرض للخطر حقوق المتقاعدين وحتى الدواء والاستشفاء؟!”… انتهت التغريدة منذ نحو أسبوع، وحتى اليوم لم يعلق على مضمونها الخطير جداً أي من المعنيين والمسؤولين، علماً ان كاتبها لديه موقع قادر من خلاله على ان يكون على اطلاع واف على ما في بعض الإدارات الحساسة.

بالإضافة الى “الضغط” على أموال الضمان، هناك محاولات متواصلة “لقطع يد” ملء الشغور في الضمان خصوصاً ان الوضع فيه بلغ أعلى درجات النقص البشري. ان نسبة الشغور في الكوادر البشرية في الصندوق تتجاوز الخمسين في المئة. العاملون اليوم في الصندوق لا يتجاوزون الألف فيما الكادر البشري للضمان مؤلف من أكثر من ألفي موظف.
هنا يُطرح سؤال أساسي: كيف يتم التوظيف في قطاعات غير منتجة، وبالآلاف، فيما لا تسهل الدولة توظيف ما يحتاج اليه الضمان؟
ان النقص في الكوادر البشرية من شأنه أن يؤخَّر معاملات المواطنين.
في هذه الحال ان المعاناة ستتواصل، ولا يد للضمان فيها لأن القرار يجب ان يتخذه مجلس الوزراء، ولكن أين مجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف أعمال وفي ظل التعثر المتمادي في تشكيل حكومة جديدة قادرة على عقد جلسات واتخاذ قرارات؟