Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر October 3, 2020
A A A
“الصندوق السيادي” أمّ المعارك التشريعية
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

عقب سحبه من التداول بعد اقفال البئر في “البلوك 4” في نيسان الماضي، عاد ملف النفط ليطل من باب عين التينة. فالترسيم البحري مع العدو الاسرائيلي الذي أطلقه رئيس مجلس النواب نبيه بري ووضع إطاره العملي، “فيه خلاص لبنان”، كما قال. وأي عاقلٍ قد يرفضه، والبلد يغرق في رمال الازمة المالية المتحركة، فيما فواشة الانقاذ لا تحتاج سوى إلى تحريرها من ثقل الخلاف على الحدود.

كل ما فعله الرئيس بري هو قص حبل فواشة النفط التي “ستساعد في سداد ديننا” برأيه. خصوصاً ان “الاستكشافات في البلوكين البحريين رقم 8 و9 تشير إلى انهما يزخران بالمواد اللازمة”. إنما على عكس المبررات السياسية التي يجري سوقها، فان الصاق حجة ترسيم الحدود بالاقتصاد تعوزه الأطر العلمية. فعلى الرغم من ان الترسيم البري والبحري مطلب سيادي، فان التحجج به لحل المشكلة الاقتصادية فيه الكثير من ذر الرماد بالعيون، واستمرار وضع عربة الحل قبل حصان الاصلاحات.

شعبوية الوعود

إغداق الوعود بالبحبوحة المبنية على العائدات النفطية ليس بجديد، فلطالما استُخدم النفط كشماعة لتعليق كل المشاكل الاقتصادية، وتخدير الرأي العام. حتى ان البعض ذهب في ما مضى إلى التطمين بانه حتى أموال سلسلة الرتب والرواتب ستؤمنها عائدات النفط والغاز. لكن بهذه الطريقة “نكون نرتكب الغلطة الاكبر، ونصبح كمن يعبئ الماء في سلة مثقوبة”، تقول الخبيرة في إدارة وحوكمة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هاياتيان. “فالعائدات النفطية في حال كانت النتائج ايجابية يجب ان تستخدم في تكبير الاقتصاد وتحريك عجلته وجعله منتجاً ومدراً للعوائد. ومن هذه العوائد يجري دفع الديون والمستحقات”. وبرأي هاياتيان فان “الوعود الشعبوية قد تكون رنانة، إلا انها لا تصلح لادارة قطاع بهذه الضخامة والاهمية”.

“الافتراض الايجابي بوجود ثروة نفطية يجب ان يترافق مع ورشة اصلاحية في القطاع العام تبدأ بحوكمته وتحديث القوانين وتطوير القضاء وتطبيق احكامه، وإلا نكون امام سيناريو طاقة رقم 2″، بحسب الخبير النفطي والرئيس التنفيذي لشركة الطاقة والبيئة القابضة رودي بارودي. “واذا لم نتعلم من تجربة قطاع الطاقة والكهرباء في لبنان الذي أشبه ما يكون إلى سلة من دون بطن، فان العائدات النفطية الوفيرة ستزيد الفساد وتذهب هدراً وتقاسماً ومحاصصة”. وبالتالي فان الاولوية يجب ان تعطى، برأي بارودي “للحوكمة وتعيين المجالس الفاعلة. وإلا فان مصير القطاع محكوم بالفشل”.

الصراع على الصندوق السيادي

من بعد الانتهاء من وضع الاطار التفاوضي على ترسيم الحدود فانه من المتوقع ان ينقل الرئيس نبيه بري المعركة إلى المجلس النيابي حيث سيجري في الفترة المقبلة وضع القوانين والتشريعات التي تتعلق بالصندوق السيادي. وعلى أرض هذا الصندوق ستكون أم المعارك. فبحسب القوانين الموضوعة فان العائدات النفطية يجب ان تذهب مباشرة إليه. ومن هناك تتفرع إلى خطط، اهداف ومشاريع. وبالتالي فان من يضع يده على هذا الصندوق يسيطر على القطاع النفطي.

“الكتل النيابية بدأت التحضير الفعلي للمعركة، حيث يلحظ ارسال ثلاث كتل نيابية مشاريع قوانين تتعلق بالصندوق إلى المجلس”، تقول هاياتيان. “فالصراع الاولي في هذا النظام الفئوي التحاصصي الضيق سيكون على من يملك الغلبة وكلمة الفصل في هذا “الصندوق”، وكل الباقي المتعلق بكيفية استثمار الاموال وقواعد الايداع والسحب والحرص على انشاء مجلس إدارة كفوء وشفاف هي تفاصيل برأيهم، لا توازي بأهميتها أهمية تحديد من يشرف على هذا الصندوق”.

في الوقت الذي يزحف فيه المواطنون تحت نيران الازمة الاقتصادية، تتركز مهام الكتل النيابية على حسم مشروع الصندوق السيادي. فهذه فرصة بالنسبة لهم لا تفوت. و”هي تمثل آخر الملفات العالقة لاكمال الصورة التشريعية لقطاع النفط والغاز”، من وجهة نظر هاياتيان. “فيما عين الصواب هو ترك اقرار هذا الموضوع إلى المجلس النيابي الجديد. ذلك ان المجلس الحالي فاقد الثقة وعليه الكثير من الاعتراضات. وهناك شك كبير بان يرسم بموضوعية وحرفية مصير الصندوق السيادي الذي يعتبر مفصلياً بالنسبة إلى الملف النفطي ولمستقبل الاقتصاد اللبناني”.

الامل الضائع

الاخطاء في مسك هذا الملف لا تقتصر على الاساسيات والتقنيات، بل تتعداها إلى الذهاب بعيداً في الشعوبية وبناء الآمال من دون اسس واقعية. وبرأي هاياتيان فان “الرئيس بري وقع في خطأ رئيس الجمهورية، ووزير الطاقة السابق جبران باسيل، عندما وعد بان هناك امكانيات نفطية زاخرة وكبيرة في عمق المياه. فيما المطلوب التعلم من الاخطاء السابقة وعدم تكرارها. فالتوقع بكميات الغاز والنفط قبل إجراء عمليات الحفر والاستكشاف تندرج في خانة التبصير، واذا لم تصح، كما حصل مع البلوك رقم 4، تزيد احباط المواطنين وتفقدهم ثقتهم أكثر بالبلد ومستقبله. وتكون لها انعكاسات خطيرة، بدلاً من استغلالها بايجابية”.

عندما بدأت التحضيرات لورشة النفط، كان الاعتقاد بأن بناءه على أسس متينة، قد يحيمه من منظومة الفساد المحيطة به، إلا ان “الطريقة التي تدار بها الملفات وتحكّم الطبقة السياسية بأبسط التفاصيل وتجذّرها في كل القطاعات أحبطنا وغيّر المسار”، تقول هاياتيان. “وطالما المؤسسات ضعيفة ولا توجد رؤية اقتصادية والبلد منخور بالمحاصصة والفساد، فان قطاع النفط مصيره الفشل مثله مثل كل القطاعات”.

هناك ورشة كبيرة يجب التحضير لها قبل بدء مراحل الاستكشاف اللاحقة. ومن الممكن ان يكون التأخير في هذا الملف لصالحنا وليس العكس.