Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر October 28, 2020
A A A
الشيخ دريان: مسعى الحريري لتشكيل حكومة إنقاذية فرصة على الجميع انتهازها

 

وجه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين لمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، قال فيها:

“الحمد لله، الذي أضاء الوجود بنور النبوة والرسالة، وأرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى والحق المبين، قال تعالى: “لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين”، وأرسله سبحانه وتعالى للناس كافة شاهدا ومبشرا ونذيرا، قال تعالى: “يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا* وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا* ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله، وكفى بالله وكيلا”.

فالحمد لله تعالى على إسباغه النعم، وإغداقه العطايا والمنن. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، سيد الخلق أجمعين، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، والشفاعة العظمى، القائل: (إنما أنا رحمة مهداة)، والقائل: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، أرسله تعالى بالهدى والنور والخير والرحمة، وأزال به الجهل، وأضاء به الظلام.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد. أيها المسلمون: تهل علينا في شهر ربيع الأول من كل عام، ذكرى المولد النبوي الشريف. وهي ذكرى يحتفي بها المسلمون، في مشارق الأرض ومغاربها، وتحوطها إشراقات الفرح والسعادة، والبهجة والحبور، بقدر ما يجل المسلمون نبيهم، صلوات الله وسلامه عليه، النبي الرسول، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركنا صلوات الله وسلامه عليه، على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يضل عنها إلا هالك، إلى يوم تشرق الأرض بنور ربها.

في شهر ربيع الأول، أنعم الله على الدنيا كلها، بمولد خاتم رسله وأنبيائه، محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله رحمة للعالمين، وشاهدا بين الناس بالحق، ومبشرا لأهل العدل والإيمان، ونذيرا لأهل الشر والظلم والعدوان، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وفي يوم مولد الرسول المصطفى، من كل عام، اعتدنا نحن المسلمين أن نلتقي في رحاب نبينا الكريم، عليه الصلاة والسلام، نتزود من سيرته العطرة، ونتأسى بخلقه العظيم، مجددين إيماننا بالرسالة الخالدة، التي ختم الله بها كلماته الهادية لأهل الأرض، وتوج بها مسيرة الخير والعدل والسلام، أفضل تتويج.

أيها المسلمون، في ذكرى مولد نبي الرحمة محمد رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، نتذكر معا قوله تعالى في حقه، وفي معنى رسالته: “وإنك لعلى خلق عظيم”، وقوله تعالى: “محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما”، وقوله تعالى: “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين”.

هذه هي شهادة الله سبحانه وتعالى في رسوله المصطفى، وهو القائل: (إنما أنا رحمة مهداة)، فهو صلوات الله وسلامه عليه، رسول الرحمة والهداية والنور. وقد اصطفاه رب العزة للقيام على هذه الدعوة المباركة، التي كونت أمة عظيمة، فنحن المسلمين شديدو الحب له، ويمثل شرفنا وكرامتنا، وركنا من أركان ديننا. فقد جاء في الحديث الصحيح: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان).

ولذلك، هالنا نحن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، الحملة على الإسلام من جهة، والإصرار على الإساءة إلى نبينا نبي الرحمة والمكرمة، باسم حرية الرأي والتعبير، وغيرها من غرائب الأفكار والتصرفات، مما يشكل عدوانا مستمرا على جميع المسلمين في العالم، ويستفز مشاعرهم تجاه التمادي في الإساءة لدينهم ونبيهم.

إننا في دار الفتوى نؤكد موقفنا الثابت والحازم، من مكانة رسولنا الأعظم، ومقامه الرفيع العالي عند الله عز وجل، وعند كل مسلمي العالم، الذين هم اليوم في موقع الدفاع عن نبيهم وعن عقيدتهم ودينهم، وهذا لا يعني أنهم ضعفاء، بل هم أقوياء بقوة الله، لأنهم ينتصرون لأكرم خلق الله، وأجلهم عند الله تعالى، الذي وعده ووعده الحق النافذ، بقوله سبحانه، في القرآن الكريم: “إنا كفيناك المستهزئين”، هذا هو دفاع الله عن نبيه، ونحن بدفاعنا عنه إنما ندافع عن عقيدتنا، وديننا الإسلامي الحنيف، وانتمائنا إلى هذا النبي الأكرم الذي به نعلو ونسمو وننتصر.

انطلاقا من ذلك، ننبه إلى أن كل من يمس بالسوء والإهانة الإسلام ورسوله سيد الخلق، فإنه يضع نفسه في مواجهة كل المسلمين في العالم ، لأننا أمة الإسلام نقتدي بنبينا خلقا وسيرة وإيمانا، ولا نفتري على أحد، ولا نرضى في الوقت عينه أن يفتري علينا وعلى ديننا وعلى نبينا أحد، مهما علا شأنه.

إن دار الفتوى حريصة كل الحرص على التواصل والتعاون مع المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، داخل لبنان وخارجه، وتبادل الرؤى والأفكار، بما يحقق الأمن والسلام، وتسعى جاهدة لترسيخ قيم التعايش المشترك، ونبذ العنف، ومواجهة التطرف والإرهاب، الذي لا دين له ولا عرق، وإرساء دعائم ثقافة المواطنة والتنوع.

أيها المسلمون، أيها اللبنانيون،
لقد انقضى عام وأكثر على الانهيار الاقتصادي الذي هد عيش اللبنانيين، وضرب السكينة في حياتهم، وصيرهم مثلا بين الأمم، على سوء التقدير والتدبير. ولذلك، فإن المسعى الحالي من جانب دولة الرئيس سعد الحريري، لتشكيل حكومة انقاذية قادرة وفاعلة، هي فرصة يكون على الجميع انتهازها، لإخراج البلاد من أزماتها من جهة، والالتفات إلى مأزق مدينة بيروت المنكوبة بانفجار المرفأ، على مشارف فصل الشتاء. لن يهب أحد لمساعدتنا إن لم نساعد أنفسنا في هذه الظروف المصيرية، التي يعاني فيها اللبنانيون معاناة عز نظيرها.

إن التعاون البناء والمخلص مع الرئيس المكلف، يسهل مهمته في تشكيل حكومة تنقذنا مما نحن فيه، من انهيار على الصعد كافة، وهو مطلب جميع اللبنانيين الحرصاء على وطنهم. وتقديم التسهيلات، والتعاون لإنجاح مهمته، مسؤولية القوى السياسية، لإنقاذ لبنان من براثن الأزمات التي أغرق فيها. والمناخ السائد في البلاد، يتجه نحو الإيجابية والمرونة، لولادة حكومة تشكل فريق عمل متجانس، بعيدا من المناكفات السياسية، وتبدأ بحل مشاكل المواطنين المتراكمة، الذين ينتظرون بشائر انفراجات على المستوى السياسي، ينقصها الإسراع في تشكيل الحكومة، لتعود الثقة إلى نفوس اللبنانيين، وتكتمل فرحتهم في إعادة النهوض بوطنهم اقتصاديا واجتماعيا ومعيشيا وإنمائيا، وبمساعدة ودعم أشقائهم العرب، والدول الصديقة.

أيها اللبنانيون، إننا نتطلع إلى عمل جاد ومخلص، وتعاون بناء، على صعيد مؤسسات الدولة الشرعية، انطلاقا من التزام أحكام الدستور، وتطبيق القوانين المرعية الإجراء، في معالجة مشاكل الناس الحيوية.

لا نريد بعد الآن، أن نسمع خطابات طائفية أو مذهبية أو مناطقية من هنا وهناك، ولا نريد لأي فئة أن تعتبر هذا الموقع أو ذاك حكرا عليها، فالوطن للجميع، والجميع في خدمة الوطن والمواطن، الذي آن له أن يستريح بعد هذه المعاناة الطويلة، التي لم يتسبب بها ولم يسع إليها، لا بد من أن يشعر المواطنون أن أولي الأمر، في المجالين الاقتصادي والسياسي يحسون بالأزمة الكرب، النازلة بالوطن والمواطنين، ويسعون بالمرونة والعقل الناشط، وتجاهل الحزبيات والطائفيات، لإخراج البلاد والعباد من أهوال هذه الكارثة، أو التخفيف منها.

آن لنا بعد مئة عام من ولادة لبنان، أن نبني وطن العدالة والمساواة والرقي، لجميع أبنائه من دون تمييز أو تفريق بين اللبنانيين، الذين يستحقون الحياة والسلام، والازدهار والعيش بكرامة وأمن واستقرار.

يا أيها المسؤولون
لبنان الوطن، بحاجة إلى عناية مشددة ليتعافى مما هو فيه، وهذا لا يكون إلا بإعادة الثقة، وترجمتها بالإصلاحات الموعودة من الحكومة، التي يطالب بها الشعب اللبناني، والدول الشقيقة والصديقة، المتحمسة لرؤية إصلاحات قولا وفعلا، حتى تفي بوعودها في تقديم المساعدات التي يحتاج إليها لبنان، للخروج من أزماته. إنها أمانة، والأمانة نسأل عنها يوم القيامة، فاللهم اشهد أني قد بلغت.

أيها المسلمون،
في ذكرى مولد الرسول الخاتم، التي يحتفل بها المسلمون من أكثر من ألف عام، نقول ما قاله القرآن الكريم: “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”، إن النهج الإسلامي والإنساني في التعامل بين الناس، هو التعارف، وهو التعاون على البر والتقوى، وهو البر والقسط.

إن الإساءات كثيرة، وآتية من جهات مختلفة، ولا بد من التعامل معها بصراحة وحزم ودون عنف، ويكون علينا أن لا ننسى دائما أن ثلث المسلمين في العالم اليوم، يعيشون في مجتمعات أكثرياتها غير مسلمة، وعلينا أن لا نتسبب بتأثيرات سلبية عليهم. ولا بد من أن ينتهي هذا العنف والعنف المضاد، فالعيش معا في العالم، لا يحتمل هذه الضربات المتبادلة، التي لا يبقى معها سلم ولا عيش مشترك. وهو الأمر الذي ينبغي أن نتنبه له نحن في لبنان، مسلمين ومسيحيين، الذين شاركنا في صناعة العيش المشترك، في هذا العصر، وفي كل العصور إن شاء الله.

تحية لك يا رسول الله، مقرونة بالصلاة والسلام عليك، في ذكرى مولدك، وكما قال القرآن الكريم: “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم”، كما أنه عزيز عليك يا رسول الله ما ينزل بأصحابك وأمتك، فإنه يعز علينا أن يصل إليك وإلينا هذا الأذى، من أناس لا خلاق لهم.

سنبقى على نهجك ودينك، والكلمة السواء، التي بعثك بها المولى عز وجل للتبليغ . أنت البشير النذير، والسراج المنير، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

قال تعالى: “قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون”.

كل مولد وأنتم أيها المسلمون، وأيها اللبنانيون بخير”.