Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر August 6, 2020
A A A
الشوارع الأثرية تتحوّل إلى “دمارية” والخسائر بالمليارات
الكاتب: باتريسيا جلاد - نداء الوطن

“الشوفة فعلاً مش مثل الحكي”، والشوارع الأثرية والسياحية في منطقة بيروت وتحديداً في مارمخايل والجميزة التي كانت لا تزال تفتح أبوابها لروّادها رغم الأزمة المعيشية والإقتصادية والمالية الصعبة متغنّية بتاريخها الجميل كونها مقصداً للسيّاح، أضحت منكوبة مدمّرة بالكامل تتطاير من نوافذ أبنيتها البرادي الممزقة والملابس وألواح الـ”أباجور”. فكم بلغ حجم خسائر أصحاب المحال والمطاعم والمقاهي والمباني… التي تتغنّى بدقًّتها القديمة –الجديدة؟

السير في أزقة منطقة الأشرفية صعب ومحفوف بالمخاطر، ومعبّد بالركام والزجاج وبالأشجار المكسّرة. نكبة حقيقية بكل ما للكلمة من معنى، لم تسجّلها ذاكرتنا في أشدّ أيام الحرب يوم كنا نخرج من الملجأ عندما يهدأ القصف السوري، ونرى الأسلاك الكهربائية في الشوارع والمباني مدمّرة. أما السيارات فحدّث بلا حرج عن الخراب اللاحق بها.

من هنا الخسائر تفوق الخيال، هي بملايين الدولارات ومن المبكر تقديرها في الوقت الراهن، كون المسح لا يزال في بداياته، ولكنها كما قدّرها أحد الخبراء لا تقلّ عن خمسة مليارات دولار.

في نزلة وزارة الخارجية المقابلة لمرفأ بيروت حيث وقع الإنفجار الكبير، الجرافات تفتح الطريق لتنفض غبار الركام والزجاج المطحون عن ذلك الشارع الفخم. وفي مار مخايل، هنا الطامة الكبرى، مبان قديمة أثرية سقطت كليّاً، كما لو أنه تم تفجيرها بالديناميت، أما المباني المتبقية والتي بدت صامدة في الشكل، فقد تعرّت من شبابيكها ومن “العفش” في داخلها فتصدّعت حيطانها وبات عدد كبير منها غير صالح للسكن نظراً الى قدمها، فعلاً غير صالح ومهدّد بالسقوط!

 

 

مئات آلاف الدولارات

المحال التجارية والمطاعم والمقاهي، لم يتمكن أصحابها من إحصاء خسائرها “طار الرأسمال بأكمله” قال أغلبهم مضيفاً: ما النفع من تحديد ارقام فيما “لا تعويض ولا من يحزنون”. صاحب محل الكترونيات وتلفزيونات وأدوات كهربائية في مار مخايل الذي لا يزال مذهولاً من وقع مشهد الدمار والضحايا الذين افترشوا الطرقات، قال لـ”نداء الوطن” لدى سؤاله عن قيمة الخسائر، “ما النفع من التصريح عن قيمتها هل سيعوّض أحد علينا؟”. ويتابع: “مخطئ من يثق بتلك الحكومة وبحصولنا على فلس واحد، فالتعويض علينا هو حلم من الصعب تحقيقه”، إلا أنه عاد وأفصح أن “الحجم لا يقلّ عن 200 ألف دولار”، مؤكّداً أن “الخطوة التالية التي سيقدم عليها اليوم، توضيب أغراضه مع عائلته ومغادرة البلاد”.

مبنى مؤسسة كهرباء لبنان، واجهاته محطّمة بالكامل، والخسائر التي لحقت بها فادحة جداً مثلها مثل سائر الأبنية المجاورة، أما المرفأ الذي يطلّ علينا من هناك، فبدا مفحّماً وأهراءات القمح شبه مهدّمة بالكامل.

واللافت في هذا المكان الذي يعجّ بالمارة، ووسائل الإعلام، تسجيل مشهد إنساني تضامني يبعث الأمل من رحم الأحزان والمآسي التي تراها على مدّ عينك والنظر، ويدلّ على روح التضامن، وهو إنتشار عدد من الشباب المتطوّع من المجتمع المدني وغيره من كل المناطق، حيث كشّفوا عن سواعدهم فحملوا المكانس وانطلقوا في رحلة التنظيف، وفي ترتيب الواجهات المكسّرة قدر الإمكان والتخلّص من الركام. كل ذلك يرافقه توزيع “قناني” المياه من خلال خيم نصبت للغاية، والمناقيش من سيّدات كانت تتنقّل في المكان، لأصحاب المحال المنكوبين من هول الكارثة.

ومن مار مخايل المدمّرة الى الجمّيزة، المنطقة الأثرية والسياحية بامتياز ولكن قبل واقعة الإنفجار والدمار الشامل، المشهد لا يختلف كثيراً، المباني القديمة انهارت واجهاتها الزجاجية وحيطانها الرملية الأمامية، والمطاعم والمقاهي محطّمة بالكامل ومحتوياتها المكسّرة مبعثرة على الطريق. فلا تسمع سوى صوت الزجاج المتكسّر تصاحبه أصوات أجهزة الإنذار المرصودة في المصارف التي فقدت هويتها وفي المباني الشاهقة والتي كانت فخمة. هنا الكمامة باتت لزاماً للمتجوّلين نظراً الى المواد الكيميائية المنبعثة في الهواء وغبار الزجاج والجرافات.

ويقول صاحب أحد المطاعم اليابانية في الجميزة ألان بيروتي، “أن الحركة كانت مقبولة قبل الإنفجار ولو كانت “خفيفة” إذ، كنا نوفّر الأطباق وفق تسعيرة الـ1500 ليرة للدولار في حين ان الكلفة أعلى بكثير وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء، علماً أن الإيجار الشهري يبلغ أقلّه 4000 دولار، لحين أتتنا الضربة القاضية”.

 

جولة خير

ولم تسلم الصيدليات المتواجدة على “خطّ الجميزة” التي تضمّد جراح بعض الجرحى من هول ضغط الإنفجار اذ انمحت واجهاتها وتضررت الأدوية المتواجدة فيها، وقدّر صاحب صيدلية “ايديال” بول صقر و”فيتال” التي تعود لزوجته، أن قيمة الخسائر من أدوية، ومعدات تقنية مثل الـكومبيوتروالـ UPS لن تقلّ عن 900 ألف دولار لكل من الصيدليتين. وإذ تحسّر على ذهاب جهد 35 عاماً من العمل المضني بلمحة البصر، بدا واثقاً أن لا أحد سيعوّض عليهم تلك الخسارة .

وفي الشارع نفسه بدأت عمليات تسجيل ارقام السيارات المتضررة من وقع تساقط الزجاج والأحجار عليها من المباني، كما جال الأمين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء الركن محمد خير، يرافقه مدير عام شركة خطيب وعلمي سمير الخطيب.

ورداً على سؤال عن حجم الخسائر قال خير لـ”نداء الوطن” أنه من الصعب تحديد حجم الخسائر، قبل إنجاز المسح الذي بدأ الجيش يقوم به”. وأضاف: نحن أمام كارثة حقيقية ونحتاج الى تضامن عالمي. فلجنة الإغاثة وبالتعاون مع شركة خطيب وعلمي بدأت بتنظيف شوارع بيروت وفتح الطرقات الرئيسية، ورغم مناشدتنا المواطنين بإخلاء الشوارع المتهدّمة إلا أنهم لم يستجيبوا لنا الأمر الذي يبطّئ عملية إزالة الركام وفتح الطرقات.

وأضاف “بعد اجتماع لجنة الهيئة العليا للإغاثة مع شركة الهندسة وقيادة الجيش تمّ توزيع المهام على 30 لجنة في بيروت للكشف على المنازل وتدوين الخسائر المادية والأضرار التقنية للخروج بخلاصة قوامها منزل صالح أو غير صالح للسكن”.

وذكّر بالمساعدات التي بدأت تصلنا لا سيما “وصول مستشفيين ميدانيين من قطر الى مطار بيروت، أحدهما سيكون مقرّه الجامعة اللبنانية الحدث، والثاني ففي بيال”. وأكّد خير رداً على سؤال عن تشاؤم المتضررين من إمكانية التعويض عليهم، أن “الدولة الى جانبهم والمساعدات ستكون بتصرّف المواطنين المتضرّرين”.

 

 

الخطيب

من جهته اعتبر الخطيب في حديثه لـ “نداء الوطن” أن “انفجار المرفأ يعتبر من اكبر الكوارث التي حلّت على لبنان”، مشيراً الى “أهمية معالجة المباني القديمة، بعد الكشف على أساساتها”. وأوضح أن “خطيب وعلمي” خصّصت فريقاً من المهندسين لمؤازرة الجيش في إجراء الدراسات والكشف الميداني على المباني المتضرّرة والمتصدّعة حفاظاً على سلامة المباني والسكّان. فنقدّم المشورة، مجاناً للشعب اللبناني لإعادة تأهيل ما تضرّر، في مساهمة تضامنية منا”. واعتبر أن سلامة المواطن والمساعدة للإيواء أولوية في الوقت الراهن، لافتاً الى أن التوجّه الى حصر الأضرار، ومعتبراً أن تحديد الخسائر اليوم هو أمر صعب. مستشفى الوردية

وختام الجولة كان في مستشفى الوردية التي دمّرت اقسامها الداخلية بالكامل وباتت غير صالحة للعمل مثلها مثل الجعيتاوي ومستشفى الروم. ويوضح مهندس الصيانة بالمستشفى طوني توفيق أن البنى التحتية مدمّرة بالكامل خصوصاً للجهة المقابلة للمرفأ، من بطاريات وغازات طبية و”أي. أر. أم” و”سكانر” التي تنبعث منها رائحة الحريق والتلف. عدا المفروشات والقساطل، والمعدات الطبية وتصدّع الحيطان، باختصار إن الخسائرلا تقلّ عن 20 أو 30 مليون دولار خصوصاً وأنه تمّ إنشاء مبنى جديد في العام 2011 وتمّ استحداث معدات جديدة ومتطوّرة..

تعدّدت أسباب الإنفجار، والخسارة جاءت واحدة على بيروت وتحديداً على منطقة الأشرفية. دمار شامل وأرواح مفقودة، وبكاء وصرير اسنان… مزيد من الجروح تصيب اللبنانيين الغارقين في بحر سياسات الفساد وشحّ الدولار وكورونا والنفايات والفقر… و”التعتير” وأخيراً كان ينقصهم الحريق و”التشحشط على الطريق”.