Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر June 6, 2019
A A A
السيناريوات المحتملة لتداعيات الأزمة السودانية
الكاتب: إبراهيم الصياد - الحياة

هل يقف السودان حقاً على فوهة بركان؟ سؤالٌ إذا كانت الإجابة عليه بنعم، فإننا نواجه خطراً يدفع العالم العربي إلى ضرورة التحرك بإيجابية لاحتواء هذه الأزمة، التي كان يمكن حلها في بداياتها، بمجرد سقوط البشير والحيلولة دون تصاعدها بالاتفاق على إعلاء مصلحة الشعب السوداني فوق كل اعتبار، وبناء أي حل على هذه المرجعية. فضلاً عن أن هناك سببين رئيسين يمنحان السودان درجة الأولوية في سلم الاهتمامات العربية، إذا أردنا البحث عن تسوية عربية للأزمة. السبب الأول، أن خصم السودان من رصيد القوة العربية ليس في صالح العرب، خصوصاً أن هذا البلد يعتبر واجهة العالم العربي أمام قارة إفريقيا. السبب الآخر أنه، بحكم حقائق التاريخ والجغرافيا، يعد العمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر خاصة وشمال إفريقيا بشكل عام. وبناء عليه، يمكن رصد خمسة سيناريوات لتسوية الأزمة السياسية في السودان. السيناريو الأول يرى أنه لا يجب ترك الأوضاع تتداعى في هذا البلد العربي، من دون تدخل من الأشقاء لأن ما يحدث هناك ليس شأناً داخلياً سودانياً، إذ إن الصالح العربي “كل لا يتجزأ”. ولهذا، من الأهمية بمكان مساعدة الشعب السوداني على التوصل إلى تسوية سياسية، ولن يتحقق هذا إلا بوجود مساحة من الثقة بين القوى المدنية السودانية والمجلس العسكري الذي ينظر إليه من البعض على أنه امتداد لنظام البشير. ولهذا، كانت التوقعات تشير إلى فشل المفاوضات بين الطرفين بعدما غاب تبادل الثقة. وعليه، يبرز السيناريو الباحث عن حل سياسي للأزمة بوساطة عربية، لإقناع الطرفين بالتعاون من أجل التوصل إلى حل يضمن وحدة الدولة السودانية واستقرارها. أما السيناريو الثاني، فهو تدويل النزاع السوداني، وإعطاء أطراف غير عربية فرصة التدخل لإيجاد حل. وهنا، لن تكون المصالح السودانية أساس التدخل، بل دعونا نتحدث صراحة، ففي هذه الحال، ستنظر الأطراف الدولية إلى الأزمة السودانية من خلال مصالحها الخاصة أولاً، والتي ربما تتفق أو لا تتفق مع مصالح السودان، ذلك أن هناك جهوداً دولية رُصدت أنشطتها عن كثب، في أزمات عربية أخرى مثل سورية وليبيا. وكل ما يمكن قوله في هذا السياق أن احتمالات المساعي الدولية ربما تقترب من الحل، لكنها في الوقت ذاته قد تعقد الأزمة أو على الأقل تطيل أمدها، على نحو لا يدفع ثمنه غير شعب هذا البلد أو ذاك. ونجد أن كل طرف يربط تحركه بمصالحه ودوائر نفوذه!
السيناريو الثالث، إحكام قبضة المجلس العسكري على الحكم في السودان وتنحية القوى المدنية من المشهد السياسي. وهو سيناريو دام يغلب عليه تفجر أعمال العنف. وهو بكل تأكيد ليس في صالح بناء العملية الديموقراطية في السودان ولن تقبل به التيارات المدنية. وإذا حصل هذا السيناريو، سيضعف من موقف الدولة السودانية إقليمياً ودولياً، لأن هناك علاقة طردية على المستوى العربي، بين الاستقرار السياسي في السودان وتعميق أواصر التعاون بينه وبين بقية الدول العربية، وهو ما حرصت على إعلانه دول مثل مصر والسعودية والإمارات بعد سقوط البشير، وتمثَّل في ضرورة الحرص على استقرار الشعب السوداني وتمكينه من تخطي أزمته الحالية!
السيناريو الرابع، خروج العسكريين من المسرح السياسي السوداني وترك سدة الحكم للقوى المدنية. وإذا سلَّمنا جدلاً بحدوث هذا السيناريو، بمعنى عدم الاتفاق بين المؤسسة العسكرية والقوى المدنية على شكل النظام السياسي الجديد، وإعطاء هذه القوى وحدها حق التصرف في المستقبل، سيكون ذلك مقبولاً من قبل الرافضين لأي حكم ذي طابع عسكري، لكن من الناحية الواقعية، قد يخلق صراعات سياسية على السلطة بين التيارات والتكتلات الحزبية، تجعل من الصعب ضمان استمرار حياد المؤسسة العسكرية.
السيناريو الخامس هو أن يظل السودان على وضعه الحالي من دون أي تدخل من أطراف إقليمية أو دولية، ويصبح مسرح الأزمة سجالاً بين المجلس العسكري والقوى المدنية فقط. وليست عملية فض الاعتصام التي جرت أخيراً في قلب الخرطوم سوى بروفة لمواقف ربما تتكرر، أهم معالمها سيطرة دوامات العنف عليها، ما يرشح الأزمة إلى مزيد من التصعيد والتعقيد.
إذا أمعنا النظر في السيناريوات الخمسة سنكتشف أن السيناريو الأول هو الأكثر واقعية، لأنه يسعى من ناحية إلى بناء الثقة بين الطرفين المتصارعين في السودان، قبل تحديد كيفية حل الأزمة، على نحو يرضي الطرفين، ويجعل المفاوضات بينهما أكثر جدية، لأنه يتم تحت رعاية ووساطة عربيتين من المفترض أنهما الضامن لاستقرار الدولة السودانية، ويعملان على حمايتها من احتمالات السقوط في منزلق يجعلنا، نحن العرب، أمام حال جديدة من المشكلات العربية المزمنة!
* كاتب مصري.